مجلة الرسالة/العدد 285/المسرح والسينما
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 285 المسرح والسينما [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 19 - 12 - 1938 |
الفرقة القومية
مديرها وسكرتيرها الفني
رواية شمشون لا رواية طبيب المعجزات
يرى المقبل على دار الأوبرا رقعة عريضة طويلة مكتوباً عليها بخط يقرؤه الأعشى عن بُعد أمتار (طبيب المعجزات) ويقرأ الناس في الإعلانات الملصقة على جدران الأوبرا وفي الشوارع وعلى مدخل غرفة بيع التذاكر ما يفيد أن هذه الرواية تمثل ابتداء من 9 لغاية 13 من الشهر الحالي.
أخذت تذكرتي على هذا الاعتبار وجلست في مكاني أنتظر مشاهدة تمثيل رواية طبيب المعجزات - درة الموسم - حائزة الجائزة في المباراة.
رفع الستار وإذا بالممثلين يمثلون رواية (شمشون). دهشت لهذه الصدمة الباردة، ثم عدت فافترضت أيسر الفروض المبررة لهذه الفعلة وأبعدها عن التعسف، افترضت مرض ممثلين هما بطلا الرواية وقلت: هل يعيق الفرقة مرض ممثلين اثنين عن تمثيل رواية ملأت الإعلانات عنها الشوارع والمنازل ومركبات الترام وصحف القاهرة؟ وسألت: أين الممثلون الاحتياطيون للطوارئ؟
قيل لي إن علاماً الممثل مريض فعلاً، فقلت: أما كان الأخلق بمدير الفرقة الفني أن يمثل رواية من روايات الموسم، أي يقدم رواية متأخرة بدلاً من تمثيل هذه الرواية التي جمع مؤلفها الفاضل جميع ألفاظ السباب والشتم المعروفة لغة وعرفاً وحشرها في هذه الرواية الفاضلة؟ يقول شمشون لخليلته دليلة: (إني أفرغ فيك شهوتي كأني أفرغها في جميع بنات قومك)، ويقول مصراييم لكهنة اليهود: (تتوهم دليلة أني خصي في حين أني. . أموت وجداً بها) ولقد سمعنا مئات من كلمات الفحش والفاسقة والمومس، والوحش والشهواني وما إليها من ألفاظ تتناثر من أحاديث شمشون ودليلة. ولعل أغرب من كل ما حوته هذه الرواية الفاضلة من تعابير لا أسمح لقلمي بتدوينها هي أن يجر شمشون خليلته دليلة إلى خبائها فنسمع من وراء الستار زمجرة الشهوة شهوة شمشون، وأنين اللذة أو آلام لذة دليلة، ث تخرج هي شعثاء الشعر وهو محلول الإزار. وهنا يصح أن نسأل حضرات الشيوخ الأفاضل أعضاء لجنة القراءة هل نظروا (النواحي الفنية والخلقية والاجتماعية واللغوية) في هذه الرواية الفاضلة؟
أرى الحديث يجذبني للسؤال (عن المدير الفني) وذلك بمناسبة الحديث الممتع الذي أفضى به حضرة مدير الفرقة إلى محرر مجلة الصباح بمناسبة استقالة سكرتير الفرقة والاستعاضة عنه بالقائم بأعماله الآن ما نصه: (كان بودي أن تتحقق أمنيتي، أن أخلق من الفرقة ومن بين أفرادها مديراً فنياً يتولى جميع أعمالها الفنية ويدير شؤونها من هذه الناحية وتكون له السلطة النافذة. . إلى آخره) فهل تحققت أمنيته يا ترى في إيجاد (السكرتير) الحالي القائم فعلاً بالإدارة الفنية وغير الفنية، فارتأى هذا بثاقب فنه إرجاء تمثيل رواية طبيب المعجزات لأن بطلها الممثل علام مريض والاستعاضة عنها بتمثيل رواية (شمشون) ثم روايتي فتياتنا سنة 1937 ومجنون ليلى وبطلها الممثل علام المريض! أم أن هناك باعثاً فنياً قاهراً أوجب تأجيل عرض رواية طبيب المعجزات استيفاء لأغراض فنية، أو أن هناك أسباباً غير ما ذكرنا يجهلها مدير الفرقة غير الفني ويتحدث بها الأدباء والممثلون في مجالسهم؟
السكرتير الحالي رجل فاضل يضرع رواية شمشون بالفن والفضل، ودليل ذلك أنه كان قبل أن يرقى إلى (مقامه) الحالي، يشرف على نشر الإعلانات وإلصاقها في الشوارع، وهو هو صاحب الإعلان المشهور عن رواية (الفاكهة المحرمة) فقد طبعه لوحده - على ما نقل إلي - ووزعه وألصقه على الجدران ولم ينتبه للغلطة العربية الفاضحة (تأليف الأستاذان) إلا بعد أن ضج الناس وهرعوا إلى التلفون ينبهون مدير الفرقة إلى هذه الغلطة الشانعة.
ما كنت أقصد ذكر هذه الحادثة الفردية التي تدل على مدى فضل (السكرتير الفني) الذي اصطفاه مدير الفرقة لولا اتصالها بلب موضوعي وهو الفوضى المطلقة من الجهل المطلق للفن المسرحي
عرف مدير الفرقة غلطة من اختاره ليكون خير خلف لخير سلف فهل غضب لها؟
كلا لم يغضب، بل أمر - أدام الله دولته - بطبع الإعلان صحيحاً من الغلط وأن يلصق فوق الإعلان الأول ليستر فضيحة الجهل بأبسط قواعد اللغة.
ولم الغضب، وأجرة استعادة طبع الإعلان وتوزيعه وإلصاقه لا تقل كثيراً ولا قليلاً من مبلغ الخمسة عشر ألفاً من الجنيهات المنتزعة من الأمة، المرصدة على (تكية) التمثيل وإعاشة المرتزقة. إن أجرة الإعلان المغلوط لا تساوي عشر ثمن رواية واحدة من الروايات التي فرضتها لجنة القراءة على مدير الفرقة كما يقول هو، أو التي قبلها هو ودفع ثمنها ليدفنها في أدراج مكتبه.
أعرف عشرات من هذه الروايات المدفونة، أذكر منها الأجنبية لمعربها جورج سمان، والصدر الأعظم لمصنفها شوكت التوني المحامي، ووحيد لمؤلفها حسين عفيف المحامي وغيرها لمحمود كامل المحامي صاحب مجلة الجامعة وسواه من أنداده. فما قيمة أجرة إعلان ضاعت سدى إزاء أثمان هذه الروايات التي لا تقل أدناها عن خمسين جنيهاً؟!
لست أحاول النيل من أدب الأدباء الذين أهملت رواياتهم ولا القول البات بأن مدير الفرقة دفن هذه الروايات دفناً أبدياً، بل أشعر بالواجب الأدبي يدعوني إلى السؤال عن معنى الرجوع إلى الروايات القديمة وعند مدير الفرقة عشرات من الروايات التي لم تمثل بعد. فهل في ذلك سر غير سر الوحي الذي يطيب للمدير أن يتلقاه من موح جديد يرتاح إليه كما يرتاح الشعراء إلى وحي شيطانهم؟
هل لاحظت لجنة التحقيق بوزارة المعارف هذا الضرب من الإسراف والتبذير، أو الإعانة الفردية على حساب الأمة؟ هل فكرت في حصر المبالغ التي دفعتها الفرقة ثمناً للروايات فعرفت ما مثل وما دفن منها؟
ابن عساكر