مجلة الرسالة/العدد 283/المستشرقون الإيطاليون
→ للتاريخ السياسي | مجلة الرسالة - العدد 283 المستشرقون الإيطاليون [[مؤلف:|]] |
الكونتس فالنتين دي سان بوا ← |
بتاريخ: 05 - 12 - 1938 |
في مؤتمر بروكسل الدولي
للدكتور أومبرتو ريتزيتانو
نشرت (الرسالة) الغراء في عددها (274) مقالا بسطت فيه أعمال مؤتمر المستشرقين الدولي العشرين المنعقد بمدينة بروكسل في الثلث الأول من سبتمبر الماضي بدار الأكاديمية البلجيكية. وقد لاحظت أن الدكتور مراد صاحب المقالة لم يذكر في حديثه عن المؤتمر إلا ثلاثاً من المحاضرات التي ألقاها المستشرقون الإيطاليون، بينما كانت لمستشرقي إيطاليا في المؤتمر المذكور بحوث قيمة في موضوعات طريفة، ولذلك أرى أن أتلافى هذا السهو على صفحات هذه المجلة المجيدة. ففي القسم الأول الخاص بالعلوم المصرية والأفريقية القديمة مثل إيطاليا الأستاذ بيننيو فراريو مدرس علم الآثار واللغات السامية والحامية في جامعة مونتيفديو عاصمة الأورجواي بأمريكا الجنوبية، وكان موضوع محاضرته (الضمير في اللغات الكوشية) المنتشرة في بلاد الحبشة. وأعقبه في هذا القسم نفسه المدير العام للشئون السياسية في وزارة أفريقيا الإيطالية بروما (وهو اسم أطلق حديثاً على وزارة المستعمرات) الذي أسهب في الكلام عن الأبحاث الإيطالية في لغات السدامة الشرقية ومركزها بين اللغات الأخرى، ولخص في نهاية خطابه النتائج التي وصل إليها الإيطاليون في هذا الميدان العلمي
أما في القسم الرابع الخاص بالهند فقد مثل إيطاليا فيه الأستاذ أمبردجيو باليني من جامعة ميلانو، والأستاذ فيتوري بيزاني مدرس تاريخ اللغات الكلاسيكية المقارن بجامعة كاليري بجزيرة سردينيا، فقرأ أولهما بحثاً من أبحاثه الطريفة استرعى الأنظار، وألقى الثاني محاضرة عن (المهابهاراتا) وهو الكتاب المشهور عند الهنود - وعن تكوينه الأول
أما القسم الثامن الخاص بالعلوم الاسلامية، فقد اشترك في الكلام فيه جم غفير من المستشرقين الإيطاليين. ومن المعروف أن إيطاليا تهتم اهتماماً متواصلا بعلوم الشرق الأدنى نظراً لما لها من المصالح السياسية والتجارية والثقافية في هذه الأصقاع. وهذا هو بلا شك السبب الأساس الذي يدفع الإيطاليين إلى الاسترسال في دراسة هذا القسط من أقساط علم الاستشراق. فتكلم الأستاذ جويدي مدرس اللغة العربية وآدابها في جامعة عن نشرته الحديثة عن مخطوطات الكندي المنقولة من نسخة أيا صوفيا رقم 4832، كما ألقت السيدة الدكتورة لاورا فيتشيا فالييري المدرسة بجامعة نابولي بحثاً عارضت فيه مشروع تيسير قواعد اللغة العربية وذكرت آراءها بصراحة في هذا الموضوع الخطير الذي تعني به وزارة المعارف المصرية في وقتنا هذا - كما قام الأستاذ (بوسي) القانوني الإيطالي من جامعة ميلانو، بذكر بعض الملاحظات الانتقادية في مقارنته بين الكتابين المعروفين (المجلة) (وبمرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان) للمرحوم محمد قدوري باشا
أما في الأدب العربي الأموي فقد تكلم من المستشرقين الإيطاليين الأستاذ جابربيلي من معهد نابولي الشرقي، والدكتور ريتزيتالو كاتب هذا المقال، فتكلم أولهما في خطبة فصيحة عن الشاعر الأموي (كثير عزة) وراويه جميل، والعلاقات الودية التي كانت بينهما. أما الثاني فقد تكلم عن الشاعر الأموي (أبو محجن نصيب بن رباح) وعن الضرورة القاضية بدراسة وافية لشعراء العصر الأموي العقليين لمعرفة شتى الأخبار الموجودة في شذور إنتاجهم الشعري المتفرقة في مختلف كتب الأدب والتاريخ، كما اقترحت السيدة الفاضلة (أولجابينتو) نشر دراسات عن الرحالة الإيطاليين ورحلاتهم في الشرق الأدنى. ولعمري إن هذا المشروع ليستحق كل الاهتمام لأنه سيقدم مساعدة مهمة لعلم الخرائط الجغرافية ونقدها.
كذلك عرفنا الأستاذ بومباتشي من جامعة نابولي بكتاب قد سكنت ريحه عن النحو التركي ألفه راهب يسوعي في القانون السادس عشر
ومما لا شك فيه أن علم الاستشراق في أوربا وبصفة خاصة في إيطاليا قد ازدهر ازدهار عظيما في الفترة الواقعة بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر. وإن اهتمام بلدنا بالعلوم الشرقية يرجع إلى عناصر مختلفة من بينها الروح التجارية المتواصلة، والتبشير المذهبي الديني في بلاد الشرق؛ وعلى العموم الرغبة العلمية المستمرة. ولقد التفتت النهضة الإيطالية نحو الشرق - الأدنى منه والأقصى - في دائرة الإنتاج الأدبي حوالي منتصف القرن الماضي حين ثبت أن الحاجة ماسة فعلا إلى ضرورة الاستمرار في هذه الناحية من نواحي العلم والأبحاث، وإني لا أتردد في القول بأن كل الفضل يرجع إلى المستشرقين الثلاثة ميكبلي آمارى وجرارنا ديواسكولي وانيازيو جويدي في كثير مما شرع فيه ومما تم من التقدم وإيقاظ الهمم في هذه الفترة. كما أنه كان من أسباب إنجاح هذه الحركة العلمية الجديدة المساعي القيمة التي قام بها هؤلاء الأنصار الثلاثة الذين استوفت أبحاثهم ودراساتهم وانتشرت في العالم أجمع
دكتور أومبرتو ريتزيتانو