الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 282/من روائع أدب الغرب

مجلة الرسالة/العدد 282/من روائع أدب الغرب

مجلة الرسالة - العدد 282
من روائع أدب الغرب
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 28 - 11 - 1938


الإنسان

?

لشاعر الحب والجمال لامرتين

للأديب حسين تفكجي

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

- 7 -

ولكن ذات يوم وقد غرقت في خضم السعادة، وأتعبت السماء بشكواي المرة، غمرني نور سماوي يبارك ما شتمت، فخضعت دون مقاومة إلى صوت أوحى إلى نشيد الحق الذي تفجر من قيثارتي:

المجد لك في الأزمان والخلود

أيها العقل الخالد والإرادة العليا

أنت الذي يعرفك الوجود

وتذكر كل صباح أسماؤك الحسنى

فنفختك للبدعة انحدرت نحوي

وظهر من كان طيات العدم لعيني!

عرفت صوتك قبل أن أعرف نفسي

فرميت بروحي حتى أبواب الوجود

هأنذا العدم يحييك قبل أن يولد

هأنذا! ولكن من أنا؟ ذرة مفكرة

من يستطيع قياس المسافة بيننا؟

أنا الذي أستوحي منك خلقه السريع

دون علم من نفسي، أدار حسب هواك ماذا يجب على نحوك؟ أيها الخالق العالي؟

المجد للانهائي العظيم

الذي أبدع الكل من نفسه

لتسر أيها الخالق العظيم، لما خلقته يداك

فأنا أتيت لأتمم أوامرك العليا

ضع؛ أطلب، أفعل، في الأزمان والمكان

وسخرني لأسبح بعظمتك في يومي ومكاني

فذاتي، دون شكوى، دون أن تسألك

بسكون، تسرع لتمجد عظمتك

وكهذه الأجرام المذهبية التي في حقول الفراغ

أتبع بكل هوى ظلك الذي ينير لي الطريق

غارقاً في النور أو ضائعاً في الظلام

سأمشي حيث تدلني

مختاراً منك لأهدي العالم

وعاكساً عليهم نوراً غمرتني به

فأرتمي محاطاً بأسرى النجوم

وأقتحم بخطوة جبارة هوة السموات

أو معتزلاً وحيداً مهملاً من نظراتك

لا تبدع مني أنا المخلوق المجهول

إلا ذرة منسية على شاطئ العدم

أو نقطة من الغبار تحملها الرياح

فافخر بمصيري لأنه صنع يديك

وأذهب إلى كل مكان لأرد إليك واجباً

وبقلب مفعم بحبك أخضع لقانونك

حتى انتهي إلى درك القبر هاتفاً: (المجد لك)

- 8 -

يا ابن الأرض البسيط، مصيري ونهايتي لغز

ما أشبهني بقمر الليالي، أيها السيد العالي، ينير الطرقات المظلمة، حيث تقوده يداك،

يعكس من جهة أنواراً خالدة، ومن جهة أخرى، يغمر في الظلمات القاتلة

الرجل هو نقطة مشؤومة جمعت بقدرة إلهية نهايتين

كلما تقدمت خف شقائي فأعبد دون أن أراك حكمتك البالغة

المجد لك يا من خلقتني وأبدعت أجمل الوجود

وفي هذه الأثناء، رازح تحت أثقال سلاسل الجسد، من المهد إلى اللحد تقودني الخصومة.

أسير يغمرني ظلام حالك في طريق صعبة المسالك. غير عارف أيان أحمل أثقالي، وجاهلاً أيان أحط رحالي. أردد أنشودة الطفولة التي انحدرت كمياه شلال تجتمع لتتعكر.

(المجد لك) فقد اختارني الشقاء حين قذفت على هذه الغبراء وأمسكتني يمينك، تتقاذفني

كألعوبة حية

أطعمتني مجبولاً بالدموع، خبز التعاسة وأسقيتني مزن غضبك

هتفت: (المجد لك)، ولكنك لم تنصت إلى ندائي، فأرسلت إلى الأرض نظرة حيرى،

وانتظرت في السماء يوم عدلك ولكنه قام أيها السيد العالي، ليزيد آلامي

(المجد لك)، البراءة مجرمة في ناظريك

شيء وحيد بقي لي تحت هذه السموات، مزجت بنفسك أيامنا والشجون. حياتها حياتي.

وروحها روحي، وكثمرة ما زالت ناعمة على غصنها، تأملها ناظري ترفع من حضني قبل أن تينع.

أردت أن تكون الضربة هائلة. ولكنك سددتها بهدوء، لتجعل الفؤاد مني حساساً

فكنت أقرأ في أساريرها، المتمثل فيها جلال الموت مصيري

وأرى في نظراتها، نبراس الحياة، الذي بعد عني

فكانت يد الحمام تتقاذف منها الزفرات

ولكنها أبداً، كانت تردد همسة الهيام فكنت أهتف لشروق الغزالة، أيتها الشمس أمهلي يوماً

كمجرم يطلب رحمة، تحت ظلمات متكاثفة

هبط حياً، دركات اللحد

ورأى شعلة براقة تتنازعها أيدي الحياة والموت، فينحني نحوها، ليحفظها فيراها تخبو ثم

تلفظ الأنفاس

فكنت أود أن أحفظ الروح قبل أن نسير في طريق السموات

كنت أفتش عن كنهه في ناظريها المحدقين بالفضاء

هذه الزفرة، سيد الوجود، نشرت شذاها في أحضانها

وبعيداً عن هذا العالم المترع بالضوضاء رحلت قافلة آلامي

فأعف عن يائس جذف بحقك في ساعة غضب

فإني أجرؤ وأطلب الغفران

المجد للسيد العالي

من خلق الماء للخرير، والنسيم للسريان

والشمس للنور، والإنسان للألم

- 9 -

لقد كملتْ حكمتك بحقي

فالطبيعة العديمة الشعور تخضع دون إدراك

اكتشفتك وحدي عندما مستني الحاجة

فأنا أقدم لك نفسي ضحية بكل خضوع وإرادة حرة

فوحدي أطعتك بذكاء

وحدي أتممت نفسي في هذه الإطاعة

ومررت أنفذ في كل مكان، وتحت كل سماء

قانون طبيعتي وأمر إلهي

فأنا أعبد في مقدراتي، حكمتك العالية

وأخضع لأرادتك في آلام تجيش في صدري المجد لك. المجد لك

صيرني إلى الذل، أو اقذفني إلى العدم

فسوف لا تسمع مني سوى كلمة:

(المجد لك أبداً)

- 10 -

وهكذا ارتفع صوتي نحو القبة الزرقاء، فقدمت المجد إلي السماء، والسماء تفي ما بقي

- 11 -

اصمتي يا قيثارتي

وأنت الذي تمسك بيديك قلب البشرية الخفاق (بيرون) تقدم وخذ منها شلالات أنغام

منسجمة فقد خلق الله العبقرية لنمجد الحقيقة

صعد نحو السماء نغماتك، يا مرتل الجحيم

فالسماء نفسها، ترسل للمعذبين، هذه النغمات

فيمكن أن تضيء من صوتك شعلة حية، تنزل حتى قرارة نفسك

ويمكن أن قلبك الحساس، تحت تنقلات مقدسة، سيسر من هذه النغمات

فيخترق ظلام الليل، برق وضاء

فتفيض علينا، من نور يغمرك

- 12 -

أواه! إذا كانت قيثارتك مجبولة بالدموع، تزفر تحت أصابعك رنات الألم، فمن أعماق

الظلال الخالدة، كالملاك الهابط من عليائه، يطوي الجناح، ويرتفع نحو نور النهار، لينصت إلى نغمات مقدسة أصداء هذه القبة الزرقاء، أصوات أوتار نار مذهية ينصت إليها الآله، وهي ترتفع من سارافان

تشجع أيها الطفل الهابط من صفوف الآلهة

فانك تحمل على جبهتك الطابع العالي

وكل رجل ينظر إليك، يرى في عينيك الشعاع الخابي لنور السموات ملك الأناشيد الخالدة، أعرف نفسك بنفسك

واترك (لولد الليل) الشك والتجديف

وابغض كلمات يغشونك بها. فلا مجد حيث لا فضيلة

تعال وخذ مكانك في مجلسك الأول، بين أطفال أتقياء، من المجد والنور، الذي أراد الله

تصويرهم بزفرة مختارة

لقد أبدعهم. . .

للفناء، والدعاء، والرضاء

حسين تفكجي