مجلة الرسالة/العدد 281/ولي الدين يكن
→ الأحلام | مجلة الرسالة - العدد 281 ولي الدين يكن [[مؤلف:|]] |
من روائع أدب الغرب ← |
بتاريخ: 21 - 11 - 1938 |
للأستاذ كامل يوسف
اطلعت على مقال الأستاذ كرم ملحم كرم عن المرحوم ولي الدين بك يكن. وبما أنني اتصلت بأسرة الشاعرة اتصالاً كلياً أثناء إقامتي بحلوان فاسمحوا لي أن أصلح ما قيل من أنه مات مسلولاً. والحقيقة أنه كما ذكر الكاتب كان يشكو الربو، وكان يلجأ إلى تخفيف وطأته عليه بحقن المورفين، وقد أدمن على تعاطيه حتى ضعفت صحته فمات من الانفزيما، وورث ابنه الشاعر الكبير فولاد يكن هذا الداء وأدمن عليه حتى قضي على صيته الأدبي الذي كان يبشر بمستقبل باهر
كان المرحوم ولي الدين بك يكن ثائراً على القديم في كل شيء، وكتاباته التي كان ينشرها في المقطم تحت اسم (زهير) وجمعت فيما بعد في مجلدين شاهد على ذلك. وتجديده في الشعر والنثر لا ينكره أحد. وله مؤلفات عدة كلها تدور كفاحه في سبيل الحرية ومناهضته الظلم. وكان أبي النفس فكان يرفض أن يبيع ضميره؛ وطالما حاول أصحاب النفوذ إغراءه بالمناصب العالية والخير الوفير نظير إيقاف حملاته عليهم، ولكنه أبى أن يبيع ضميره ورضي بحية البؤس، ولا يصدق إنسان أن أثاث منزل ولي الدين بك يكن كان كأحقر منزل رجل عادي وهو سليل أصهار العظماء، وذلك كله في سبيل تحقيق غايته من نصرة الحرية والمظلوم ومحاربة القوة الغاشمة
ولولي الدين يكن مؤلفات كثيرة طبعت، ونشرت وله مؤلفات لم تنشر، وقد جمعت السيدة زوجته (وهي أرمنية) بعض أشعاره ونشرتها على أمل أن تحصل منها على شيء يقوم بحاجة الأسرة الفقيرة، ومن مؤلفاته رواية تمثيلية تدور وقائعها في تركيا على تحرر تركيا الحديثة وإعلان الدستور وعن الدسائس والمظالم في عهد السلاطين، وهي الأشياء التي خبرها ولي الدين بك بنفسه وأجاد الكتابة فيها. وكنت اتفقت مع أسرة الشاعر على تنقيحها لتمثيلها على المسارح المصرية لولا ما حاق بالأسرة من نكبات، منها خيبة كريمته الوحيدة (وكانت تسمى فكتوريا أحياناً وزينب في أحيان أخرى) في زواجها على الدوام، ومنها النكبة التي حلت بابنه الشاعر فولاد إذ انحدر إلى هوة إدمان المخدرات
وكان مما لاشك فيه أن ولي الدين بك يكن سيخلد ذكره في شخص ابنه فولاد يكن، وهو م الشعراء المصرين الأفذاذ الذين كتبوا بالفرنسية، وقد أعجبت بنبوغه الكونتس فالنتين دي سان بوا حفيدة لامارتين (وهي من كبيرات الكاتبات والشاعرات بفرنسا) فاحتضنته، وقدمته لدور النشر في باريس فنشروا له ديوانه البديع (أغاريد شاب شرقي) وهو ديوان شعر يفيض بالعاطفة والجلال والجمال، تقرأه فتجد فيه روح أهازيج شكسبير، وقد نقده كبار الكتاب في فرنسا وأعجبوا به، وقال عنه الكاتب الفرنسي المشهور (بول ريبو) إنه يفيض بالروح البيرونية نسبة إلى بيرون، ونعتَ الشاعر بأنه همزة الوصل بين مصر وفرنسا. وكان فولاد قوة هائلة في العمل الأدبي، فقد كتب تاريخ (سعد زغلول أب الشعب) في أسبوع ونشر في فرنسا. وله ديوان كبير أسمه (أغنية الأرض) وهو ملحمة كبيرة مكونة من عشرين ألف بيت عن الحياة وتطوراتها وتاريخ البشرية حتى اليوم. وقد أرسل هذا الديوان لفرنسا لنشره، ولكن منع ظهوره تخلى الكونتس دي سان بواعنه لما ساء صيته الأدبي من إدمانه على المخدرات وتركه الأدب والالتجاء إلى النسول مما أحزن قلوب جميع من لمسوا في هذا الشاب النبوغ المبكر
ومن الظريف أن يقارن الإنسان بين الشاعر الوالد والشاعر الابن، فقد نظم ولي الدين بك قصيدة عن كليوبترا، كما نظم ابنه فولاد قصيدة عنها في ديوانه (أغاريد شاب شرقي) ولا أنكر أنني أعجبتُ بخيال صديقي فولاد ومعانيه وحسن أسلوبه، ويمكنني أن أقول إن الولد بز أباه في هذا المضمار
وقد اشتغل فولاد في الصحف الفرنسية مدة طويلة، ولكنه أعلن عليها الحرب وناهض أصحابها في اعتقاداتهم الفكرية، وكانت نتيجة ذلك أن منع من التحرير في الصحف الفرنسية، وأنشأ له جريدة أسبوعية لم تعمر طويلاً. وكان له قدرة هائلة في الأدب. وكان يترجم شعر العقاد وشوقي شعراً بكل سهولة؛ وكان إذا نظم لا يترك مكانه قبل أن يكتب نحو مائتي بيت، ولكن الداء قضي على كل هذه المواهب. عزى الله الأدب عنه وعوضنا منه خيرا
كامل يوسف
عضو بالمعهد الفلسفي البريطاني