مجلة الرسالة/العدد 276/جورجياس أو البيان
→ كما يرانا غيرنا | مجلة الرسالة - العدد 276 جورجياس أو البيان [[مؤلف:|]] |
من مشاكل التاريخ ← |
بتاريخ: 17 - 10 - 1938 |
لأفلاطون
للأستاذ محمد حسن ظاظا
- 13 -
(تنزل (جورجياس) من آثاره (أفلاطون) منزلة الشرف، لأنها أجمل محاوراته وأكملها وأجدرها جميعاً بأن تكون (إنجيلا) للفلسفة!)
(رينوفييه)
(إنما تحيا الأخلاق الفاضلة دائما وتنتصر لأنها أقوى وأقدر من جميع الهادمين!)
(جورجياس: أفلاطون)
الأشخاص
1 - سقراط: بطل المحاورة: (ط)
2 - جورجياس: السفسطائي: (ج)
3 - شيريفين: صديق سقراط: (س)
4 - بولوس: تلميذ جورجياس: (ب)
5 - كاليكيس: الأثيني: (ك)
ط - (مجيبا بولوس الذي اعترف بأن الطاغي ظالم) وما دام الأمر كذلك فلن يكون أحدهما أسعد من الآخر، لا هذا الذي نجح بظلم وصار طاغياً، ولا ذلك الذي أسلم نفسه للعقاب، لأنه لا يستطيع أحد الشقين أن يكون أسعد من أخيه!! ولكن أشقاهما - مع ذلك - هو من فر من العقاب وصار طاغياً، فترى أي معنى لذلك يا بولوس؟ أتضحك؟ أمن الأساليب الجديدة في المناقضة أن تهزأ وتسخر مما يقال دون أن تقدم أي سبب لهزئك وسخريتك؟
ب - ألا تعتقد أنك تكون قد نُوقِضتَ إطلاقاً يا سقراط عند ما تقول بأشياء لا يقرها إنسان؟ سائل بالأحرى أي مساعد تشاء!
ط - لست من عداد السياسيين يا بولوس، وقد شاء القدر أن أكون في العام الماضي عضواً بمجلس الشيوخ عند ما سادت قبيلتي بدورها في الجمعية العمومية، فلما وجب عليّ أتكلم عن السؤال المعروض ضحكتُ ولم أدر ماذا أفعل، فلا تطلب مني اليوم إذاً أن أعرف رأي المساعدين! وإذا لم يكن لديك شهادة أفضل من شهادتهم فدعني آخذ مكانك كما اقترحت عليك منذ لحظة، ودعني أسائلك كما أفهم المسألة! ذلك أني لا أستطيع أن أدعم تأكيداتي إلا بشاهد واحد هو نفس من أتناقش معه دون أن أعني بالعدد الكبير من الناس! وبعبارة أخرى إنني أعرف أن أحمل شاهدا واحد على الكلام ولا أعني بمناقشة العدد الكبير في شيء!! فلتر إذاً إذا كنت توافق على أن أسألك فتجيب!. لقد أقنعت نفسي بأنك وبأني والجميع نرى ارتكاب الظلم أكثر شراً من احتماله، وأن احتمال العقاب أقل شرا من الفرار منه!
ب - وأرى أني لست في جانب هذا الرأي ولا أي إنسان آخر!. فهل تفضل أنت احتمال الظلم على ارتكابه؟؟
ط - أنا وأنت والجميع يفضلون ذلك!
ب - هيهات، فلا أنا ولا أنت ولا أي إنسان يفضل هذا!
ط - ألا تريد أن تجيب؟
ب - نعم بالتأكيد لأني مشوق جدا إلى ما تستطيع أن تقول!
ط - إذا كنت تريد أن تعرف ما أستطيع قوله فأجبني كما لو كنتُ بدأت في مسألتك: ما هو أفدح الشرور في رأيك يا بولوس؟ أهو ارتكاب الظلم أم هو احتماله؟
ب - إنه احتماله - فيما أرى -!
ط - ولكن أجبني: أيهما (أقبح) ارتكابه أم احتماله؟
ب - ارتكابه
ط - وإذا فالارتكاب أفدح الشرور مادام هو (الأقبح؟)
ب - كلا - على الإطلاق!
ط - ألا تعتقد أني أفهم - فيما أرى - أنه لا خلاف بين الحسن والجميل من ناحية، والرديء والقبيح من ناحية أخرى؟
ب - كلا بالتأكيد!
ط - ولكن ماذا عساك قائل في ذلك؟ أتطلق الجمال على كل الأشياء الجميلة من أجسام وألوان وأشكال وأصوات وأعمال من غير موجب؟ ولنبدأ مثلا بالأجسام، ألا تقول إنها جميلة، بسبب استعمالها نظرا لما نستمده منها من نفع، أو بسبب لذة خاصة يثيرها منظرها في نفوس المشاهدين؟ أم هل لديك أسباب غير هذه تحملك على إطلاق (الجمال) على الأجسام؟
ب - كلا - ليس لدي!
ط - أو ليس الأمر بالمثل في كل الأشياء الجميلة من أشكال وألوان؟ ألسنا نسميها جميلة بسبب لذة خاصة تثيرها، أو بسبب نفع تقدمه، أو بسبب الاثنين معا؟
ب - بلى.
ط - أو ليس الأمر بالمثل في الأصوات وفي كل ما يختص بالموسيقى؟
ب - بلى.
ط - وهو بالمثل أيضاً في القوانين والأعمال، إذ الجميل منها ليس بجميل قط إلا بسبب لذته، أو نفعه، أو هما معا؟
ب - ذلك صحيح فيما يلوح.
ط - أو ليس الأمر بالمثل في جمال العلوم؟
ب - بلى بغير ما تناقض. وإنك لتعرف (الجميل) تعريفا فذا بقولك إنه الحسن واللذيذ.
ط - وإذا فستعرف (القبيح) تعريفاً حسنا بالضدين (الرداءة) و (الألم)؟
ب - حتما.
ط - وإذا فيكون أحد الشيئين الجميلين (أجمل) من الآخر بسبب تفوقه عليه في إحدى الصفتين أو فيهما معا؛: وأعني بهما اللذة، أو المنفعة، أو هما معا!
ب - بالتأكيد.
ط - ويكون أحد الشيئين القبيحين (أقبح) من الآخر بسبب ما يجلبه من ألم أكثر أو شر أفدح. أليست هذه نتيجة محتومة؟
ب - بلى.
ط - فلنر الآن ماذا قلنا توا عن الظلم المرتكب أو المتحمل، ألم تقل أنت أن (الأردأ) هو (احتمال) الظلم، وأن (الأقبح) هو ارتكابه؟ ب - قلت ذلك حقا!
ط - وإذا كان ارتكاب الظلم (أقبح) من احتماله، فأنه لا يكون كذلك إلا لأن أحدهما يزيد على الآخر - أي الارتكاب على الاحتمال - بالألم أو الشر المسببين، أو بهما معاً. أليس ذلك ضرورياً بالمثل؟
ب - بلى، دون تناقض.
ط - وإذاً فلنر أولا إذا كان الظلم المرتكب يسبب من الألم أكثر مما يسبب الظلم المتحمل، وإذا كان من يرتكبونه يتألمون أكثر مما تتألم فرائسهم!
ب - ذلك ما لا أراه يا سقراط
ط - وإذاً فليس الظلم المرتكب يزيد على الظلم المتحمل بالألم؟
ب - كلا بالتأكيد!
ط - وإذا كان لا يزيد عليه (بالألم)، فلن يزيد عليه أيضاً (بالشر والألم) معا؟
ب - واضح أن لا.
ط - فيبقى إذا أنه يزيد عليه بالآخر وحده؟.
ب - نعم!
ط - أعني بالشر!؟
ب - كما يلوح!
ط - وما دام ارتكاب الظلم يزيد على احتماله (بالشر)؛ فإذاً يكون الارتكاب (أردأ) من (الاحتمال).
ب - ذلك واضح.
ط - أو ليس مسلماً به من أغلب الناس، أولم تعترف لي بنفسك سابقاً، أن ارتكاب الظلم (أقبح) من احتماله؟
ب - بلى.
ط - وقد رأينا أيضاً أن الارتكاب هو (الأردأ)؟؟
ب - يلوح ذلك.
ط - والآن أتفضل ما هو أكثر رداءة وقبحاً على ما هو أقل منهما في ذلك أم لا تفضله؟؟ أجب من غير تردد يا بولوس فلن يصيبك أدنى سوء، وأسلم نفسك للحوار بشجاعة كما تسلمها للطبيب، وأجبني بنعم أو لا.!
ب - كلا يا سقراط فأنا لا أفضله
ط - وهل هنالك إنسان يفضله؟
ب - يلوح أن لا، وعلى الأقل بعد ذلك التدليل!
ط - وإذاً فقد كنت محقاً في قولي إنه لا أنا ولا أنت ولا أي إنسان آخر، يفضل ارتكاب الظلم على احتماله، مادام أن ذلك شيء أكثر (رداءة)!
ب - ذلك واضح.
(يتبع)
محمد حسن ظاظا