مجلة الرسالة/العدد 271/جورجياس أو البيان
→ للأدب والتاريخ | مجلة الرسالة - العدد 271 جورجياس أو البيان [[مؤلف:|]] |
غزل العقاد ← |
بتاريخ: 12 - 09 - 1938 |
لأفلاطون
للأستاذ محمد حسن ظاظا
- 10 -
(تنزل (جورجياس) من آثار (أفلاطون) منزلة الشرف، لأنها أجمل محاوراته وأكملها وأجدرها جميعاً بأن تكون (إنجيلا) للفلسفة!)
(رينوفييه)
(إنما تحيا الأخلاق الفاضلة دائماً وتنتصر لأنها أقوى وأقدر من جميع الهادمين!)
(جورجياس: أفلاطون)
الأشخاص
1 - سقراط: بطل المحاورة: (ط)
2 - جورجياس: السفسطائي: (ج)
3 - شيريفين: صديق سقراط: (س)
4 - بولوس: تلميذ جورجياس: (ب)
5 - كاليكليس: الأثيني:) ك)
ط - (مجيبا بولوس) فبرهن لي إذاً على أن الخطباء قوم عقلاء، وعلى أن البيان من الفنون وليس بأحد أقسام الملق، وهنالك تكون قد ناقضت رأيي!، أما إذا لم تناقضني فلن يكون للخطباء الذين يفعلون في الدولة ما يشاءون، ولا للجبابرة الطغاة أي خير! وها قد اعترفت بنفسك - حسبما جاء في قولك -: بأن القوة خير، وبأن فعل ما يشاء الإنسان عندما يكون مسلوب العقل شر!، أليس كذلك؟
ب - بلى
ط - وإذا كيف يصير الخطباء والجبابرة جد أقوياء في الدول إذا كان بولوس لم يناقض سقراط ولم يقنعه بأنهم يفعلون ما يريدون؟
ب - يا للرجل. . .! ط - إنني أدعي أنهم لا يفعلون ما يريدون! فناقضني!
ب - ألم توافق منذ لحظة على أنهم يفعلون ما يبدو لهم كأحسن الأفعال؟
ط - ومازلت للآن موافقا على ذلك؟
ب - فهل يفعلون - على ذلك - ما يريدون؟
ط - ذلك ما أنكره!
ب - حتى ولو كانوا يفعلون (ما يسرهم)؟
ط - بلى
ب - إنك لتقول أشياء بالغة الغرابة وجديرة بالرثاء يا سقراط؟
ط - لا تلمني هكذا سريعاً يا بولوس إذا استعملت لهجتك وأسلوبك!، إنك إذا كنت قادرا على توجيه الأسئلة إلىَّ فبرهن لي أني قد غششت نفسي!، وإلا فلتجبني بنفسك
ب - وإني لجد راغب في إجابتك كيما أعرف أخيرا ماذا تريد أن تقول!
ط - أتعتقد أن الناس يريدون كل ما يفعلون من أعمالهم أم هم لا يريدونها إلا من أجل شيء آخر؟ مثلا أولئك الذين يتناولون جرعة الدواء التي يقررها الطبيب: أتراهم يريدون في رأيك أن يبتلعوا ما لا يسيغونه؟ أم هم لا يفعلون ذلك إلا من أجل شيء آخر هو (الصحة)؟
ب - واضح أنهم لا يريدون من ذلك غير الصحة!
ط - وبالمثل أولئك الذين يركبون البحر أو ينهمكون في كل بحارة أخرى فانهم لا يريدون ما يباشرنه يومياً - لأن من يواجه البحر يعرض نفسه لصنوف العوائق والأخطار - وإنما الذي يريدونه في رأيي هو الشيء الذي من أجله يبحرون وأعني به (الثروة)، لأنا لا نبحر إلا لكي نثري!
ب - ذلك مؤكد!
ط - أو ليس الأمر بالمثل في جميع الأفعال؟ أي إذا فعل الإنسان شيئا من أجل غاية ما، فانه لا يريد ما يفعل، ولكنه يريد (الغاية) التي من أجلها يفعل ما يفعل؟
ب - بلى!
ط - والآن هل يوجد في الدنيا شيء لا يكون حسنا أو رديئا، أولا هو بالحسن ولا هو بالرديء؟
ب - لا يوجد في الدنيا شيء على خلاف ذلك يا سقراط!
ط - أو لا تعد الحكمة والصحة والثروة وكل الأشياء الأخرى المماثلة من الأشياء الحسنة؟ بينا تعد نقائض هذه من الأشياء الرديئة
ب - نعم
ط - وألا تقصد بالأشياء التي هي بين بين، تلك التي قد تكون حسنة وقد تكون رديئة، أعني تلك التي لا تمايز فيها، كالجلوس والمشي والملاحة والجري، أو كالحجارة والخشب وكل ما شابه ذلك من موضوعات؟ أليست هذه في رأيك هي التي ليست بالحسنة وليست بالرديئة؟ أم ترى هي شيء آخر؟
ب - كلا! إنها كذلك لعمري!
ط - والآن عندما نفعل هذه الأشياء غير المتمايزة، أنفعلها من أجل أشياء حسنة أم نفعل الأشياء الحسنة من أجلها؟
ب - لا شك في أننا نفعل هذه الأشياء من أجل غايات حسنة.
ط - وإذا فهو (الخير) الذي نسعى إليه بالمشي عندما نمشي لأننا نرى أننا نكون في حالة أحسن إذا مشينا. وبالمثل عندما نبقى - على النقيض - ساكنين، فإننا نفعل ذلك من أجل نفس الغرض، وهو الخير، أليس ذلك صحيحاً؟
ب - بلى!
ط - ونحن كذلك لا نقتل - عند ما نقتل، ولا ننفي الغير ولا نسلبه إلا عندما نقتنع بأن الأفضل لنا هو أن نفعل ذلك لا نفعله ألا نفعله؟
ب - بالتأكيد!
ط - وإذا فنحن لا نفعل كل ما نفعل من هذا النوع إلا من اجل (الخير)!
ب - أوافق على ذلك.
ط - وإذا قد اتفقنا على أننا عندما نفعل شيئا من اجل غرض ما، فإننا لا نبغي الشيء حينذاك وإنما نبغي الغرض منه؟
ب - بالتأكيد! ط - وإذا فنحن لا نريد ذبح الناس ونفيهم وتجريدهم من أملاكهم لمجرد هوى يسير، وإنما نفعل ذلك مريدين عندما يكون في ذلك نفع لنا. أما إذا كان في ذلك ضرر لنا فنحن لا نريده لأنا لا نريد إلا الخير كما صرحت أنت بذلك، أما ما هو ليس بالحسن ولا بالرديء فنحن لا نريد كما لا نريد بالأولى كل رديء، أترى ذلك صحيحا؟ أيلوح لك أني محق يا بولوس؟ أجبني بالنفي أو الإثبات. .! مالك لا تجيب؟
ب - إنك محق يا سقراط؟
ط - وما دمنا قد اتفقنا على ما تقدم، فهل إذا قتل خطيب أو طاغ شخصاً آخر أو نفاه من المدينة، أو جرده من أملاكه معتقداً أنه يخدم بذلك منفعته، بينما لا يكون في ذلك إلا ضرره، أتراه يفعل حينذاك ما يسره؟
ب - بلى
ط - ولكن أتراه يفعل أيضاً ما (يريده) إذا رأى أن النتيجة ستكون وبالا؟. . . لماذا لا تجيب؟
ب - لا يلوح لي أنه يفعل حينذاك (ما يريد)!
ط - وإذاً أيمكن أن يلوح لمثل هذا الشخص (قوة كبيرة) في المدينة، إذا صح ما سلمت به من أن القوة الكبيرة خير؟
ب - كلا، فذلك مل لا يمكن أن يكون!
ط - وإذاً فقد كنت محقاً في قولي إن المرء يستطيع أن يفعل في الدولة ما يسره دون أن يكون عنده من أجل ذلك قوة كبيرة أو دون أن يكون فاعلا لما (يريد)!
ب - وما دام من شأنك يا سقراط أنك لا تفضل أن تكون (حراً) في الدولة بحيث تفعل ما يسرك، على أن تكون بعكس ذلك، أفلا تحسد من تراه يقتل ويسلب ويقيد بالحديد؟ من يسره أن يفعل معه ذلك؟
ط - أتقصد أنه يفعل ذلك عدلا أم ظلماً؟
ب - ليكن عدلا ذلك أم ظلماً، أفلا ترى أنه جدير بالحسد في كلتا الحالتين؟
ط - قل شيئاً أفضل من ذلك يا بولوس!
ب - ولم لا؟ ط - لأننا يجب ألا نحسد من هم ليسوا جديرين بالحسد كما لا يجوز أن نحسد الأشقياء والتعساء! بل يجب على النقيض أن نرحمهم يا بولوس!
ب - ماذا؟ أترى أن أولئك الذين أتحدث عنهم جديرون بالرحمة؟
ط - وكيف لا يكونون جديرين بها؟
(يتبع)
محمد حسن ظاظا