مجلة الرسالة/العدد 271/البريد الأدبي
→ بيجو | مجلة الرسالة - العدد 271 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 12 - 09 - 1938 |
مؤتمر المستشرقين في بروكسل
احتفل رسمياً في صباح اليوم الخامس من هذا الشهر بافتتاح مؤتمر المستشرقين في بروكسل وناب عن جلالة ملك البلجيك أحد كبار رجاله، وأعلن وزير المعارف افتتاح المؤتمر بخطاب ألقاه باللغة الفرنسية ثم باللغة الفلمنكية، حيا فيه الأعضاء ورحب بهم؛ ثم تلاه رئيس المؤتمر الأستاذ كافار وهو عالم كبير في الآثار المصرية وله مؤلفات ومقالات تربى على 300، من أحدثها كتابه عن الحضارة المصرية وقد صدر في سنة 1936، فشكر لوزير المعارف وعدد فضائل الأسرة المالكة في بلجيكا واهتمامها بالعلوم ولا سيما الاكتشافات الأثرية في مصر
وتكلم الدكتور طه حسين بك عن كتاب (الفصول والغايات لأبي العلاء المعري) وهو الكتاب الذي صححه وشرحه وضبطه ونشره عن نسخته الوحيدة الأستاذ محمود حسن زناتي
ثم ألقى الأستاذ ماير من جامعة القدس بحثاً عن الدراسات الإسلامية الحديثة في فلسطين ونوه بجهود الجامعة العبرية في المخطوطات وفي الحفر عن آثار الأمويين وأشار إلى النقود الإسلامية
وألقى الأستاذ محمد محمود جمعه بحثاً عن العرب في بلاد فارس في عهد الفاطميين
وفي المساء أقام حاكم بروكسل حفلة شاي فخمة لأعضاء المؤتمر خطب فيها مرحبا بهم، ورد عليه المسيو كافار
واجتمع المؤتمر في اليوم الثاني فتكلم الأستاذ سامي جبره عن اكتشافات الجامعة المصرية الحديثة وعرض بعض صورها
وألقى الأستاذ بروجلهان المستشرق المعروف بحثاً عن الشعر العربي من عهد المرحوم محمود سامي البارودي باشا ذكر فيه من شعراء مصر شوقي وحافظ وأبا شادي وخليل مطران
وتكلم الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام عن السلطان النوري وعلاقته بالعلوم والآداب وعن مخطوط (نفائس المجالس السلطانية) ودعي المؤتمر في المساء إلى حفلة كبيرة أعدتها لهم الحكومة؛ واحتفلت بهم في اليوم التالي جامعة لوفان. وفي الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم لبوا دعوة وزير المستعمرات وفي يوم الأربعاء ألقى الأستاذ جب المستشرق الإنجليزي محاضرته في آراء أهل السنة في الخلافة. وفي يوم الخميس زار الأعضاء المكتبة الملكية وشهدوا حفلة افتتاح معرض الدراسات الشرقية
وسيرسل إلينا صديقنا الدكتور عبد الوهاب عزام خلاصة وافية عن أعمال هذا المؤتمر، وسننشر كذلك عنه فصلاً قيماً للدكتور بشر فارس، فقد شهد المؤتمر عن نفسه وعن الرسالة
حول ديوان الجارم
أخي الأستاذ الزيات
أشرتم في البريد الأدبي إلى أن مجلة المكشوف أشارت إلى سرعة إخراج ديوان الجارم، فكأنها تريد أن تقول أنه أخرج بسرعة ليضاف إلى الكتب المقررة لطلبة المدارس
فمن الخير أن أصرح بأني كنت من الداعين لإخراج هذا الديوان وقدمت أصوله إلى المطبعة منذ أربعة عشر شهراً، فالشبهة من هذه الناحية منتفية تمام الانتفاء
وكتب إليكم أحد الفضلاء يقول إني حين شرعت في نقد ديوان الجارم غام على الأفق في وزارة المعارف وأخذني الرعد من كل مكان
ومن حقي عليكم أن تعلنوا أني لم أر في وزارة المعارف شيئاً من بوادر الغيم والرعد، ولن أتهيب كلمة الحق ولو أنذرتني السماء بالصواعق
والجارم لا يملك شيئاً من مصير ديوانه، وسأمضي في نقده بعد الفراغ من طبع كتاب التصوف الإسلامي
والعناية بنقد ديوان الجارم هي مظهر مودة لذلك الصديق. ولو كنت أضمر العتب عليه لسكت عنه. ولعله يعرف أن الثناء الذي يكال لديوانه في بعض الجرائد بلا حساب قد يكون بابا لسقوط ذلك الديوان
لقد انعدم النقد الأدبي أو كاد
فلنتوكل على الله ونواجه ذلك الصديق بكلمة الحق، وإن كنت أومن بصواب الحكمة التي تقول: (إن قول الحق لم يدع لي صديقاً)
إن الجارم هو الصديق الذي بقي على الأيام، فلنضفه باسم النقد إلى قائمة من أضعناهم من الأصدقاء. والقلم يجني على صاحبه في أكثر الأحيان، وقد جنى علي ما شاء له العنف والإسراف
زكي مبارك
المؤتمر الدولي الثامن للعلوم التاريخية
أقيمت الحفلة الختامية للمؤتمر الدولي الثامن للعلوم التاريخية الذي عقد في زوريخ، وقد وقع الاختيار على الدكتور ليلاند الأمريكي ليتولى رياسة الاجتماع القادم الذي سيعقده المؤتمر في مدينة براغ في مايو سنة 1939. وقد أجلت المناقشة في الدعوة التي أرسلتها الحكومة الإيطالية لعقد المؤتمر في روما عام 1942
وكانت أهم ما امتازت به أعمال المؤتمر الحالي امتداد نشاطه إلى الهند والشرق الأقصى. وبدلا من أن ينظم المؤتمر الدراسة التاريخية بموضوعات مختلفة، حاول في هذه المرة توسيع نطاق النظام الإقليمي للأبحاث التاريخية، وألف ثلاث لجان لدرس أحوال البلطيق والشرق الأدنى والشرق الأقصى. وستتناول لجنة الشرق الأدنى بلاد البلقان وتركيا واليونان ومصر وفلسطين وسورية؛ وسيكون أهم دراستها الوقوف على مدى نفوذ الفكرة الإسلامية وتأثيرها في هذه البلدان. وسيكون غرض اللجنة التحقق من حالة المعارف الحالية وزيادة عوامل الاتصال بين المؤرخين وجمع المعلومات الجديدة.
إلى الأستاذ محمد سعيد العريان
سيدي الأستاذ الجليل صاحب الرسالة:
أقرأ بإمعان الفصول الممتعة البليغة التي توالون نشرها في (الرسالة) الغراء عن حياة المرحوم الرافعي. وأشهد أن الأستاذ محمد سعيد العريان - صديق الفقيد وكاتب وحيه - قد أنفق جهداً قوياً في أن يجتنب القراء مشاركته فيما يحتمل من عناء ويلقى من مشقة ويذوق من مرارة الصبر والمصابرة ليظهر لهم تاريخ حياة الرافعي كما هو من دون أن يعدل عن الأمانة التاريخية والتحقيق اللذين يفرضهما البحث الحديث فرضاً على الأدباء والمفكرين.
وأشهد أيضاً؛ لقد وفق الأستاذ سعيد في ترجمة حياة الرافعي ترجمة يغلب عليها الأسلوب التحليلي الفني أكثر من الأسلوب العلمي الجاف، على ما في الثاني من قوة وسمو. فأنت ترى كيف يعرض علينا حياة الرافعي والمناسبات التي ألجأته إلى كتابة فصوله الممتعة القوية فتحس أنك أبعد شيء عن جفاء التاريخ وجفوته، وأدنى شيء إلى جمال الفن وعذوبته. . .
لن تكن حياة الرافعي وفصوله الممتعة منذ اليوم، كما كانت من قبل، غامضة مضطربة يتحدث عنها الأدباء بالتقريب لا بالتحقيق، ويقولون فيها بالظن لا باليقين
بلى.! ولسوف يجدون الرافعي عاش مخلصاً للفن يدع أهله وذويه وما هم فيه من هم وبلوى - على فقد زوجة أبنه - ليسجل على القرطاس خلجات فؤاده وشكايات ضلوعه وليخرج لقراء العربية قطعته الخالدة: (عروس تزف إلى قبرها). . .
ثم ماذا؟. . .
ثم نود أن نسأل أخانا العريان عن سر هذا التناقض الذي وقع في السبب الذي من أجله كتب الرافعي مقالاته: الانتحار. فالأستاذ العريان يحدثنا عن السبب بقوله: (فلما بلغ الرافعي نبأ شروعه (شروع الأستاذ م وهو أبن لشيخ كبير من شيوخ الأزهر) بالانتحار جزع وتطير وضاقت نفسه وناله من الهم ما لم ينله لحادثة مما لقي في دنياه فمن أجل هذه الحادثة أنشأ مقالات الانتحار). . .
ولكن الرافعي يزعم غير هذا الزعم فيقول (عندما انتهيت إلى هذا الموضع من تصنيف هذه الكلمات ألقى إلى كتاب ورد من مدينة (حمص) يذكر فيه صاحبه ضيقاً وشدة ويسأل: (ما هو علاج الملل النفساني واليأس الدنيوي إن لم يكن الموت أن لم يكن الانتحار؟) ثم يرجو أن يتولاه أول عدد ينتهي إليه من (الرسالة) كيلا يبغي على نفسه: وهاأنذا أعجل له كلمات تأتي على أثرها إن شاء الله في العدد التالي مقالة الانتحار) فما هذا التناقض بين الروايتين؟. . . أرجو أن يجلوه لنا الأستاذ سعيد وله الشكر. . .
(حمص)
عبد القادر جنيدي الحفلة التذكارية السنوية لجبران
كان عدد المكشوف الأخير خاصاً بوصف الحفلة التذكارية السنوية لجبران ونشر ما قيل فيها من الخطب. ولعل قراءنا لا يعلمون شيئاً من تاريخ هذه الحفلة، فنحن ننقل لهم طرفاً مما كتبت المكشوف:
عندما توفى جبران خليل جبران منذ سبعة أعوام خلف ثروة قيل أنها تبلغ خمسين ألف دولار، أوصى بها لشقيقته مريانا التي رافقت جثمانه إلى لبنان، ثم عادت إلى بوسطن، حيث تقيم الآن
وفتحت وصية جبران فإذا هو يطلق يد ماري هاسكل في مخلفاته الأدبية ولوحاته الزيتية على أن تختار ما تشاء منها فترسله إلى بشرى. أما ريع مؤلفاته الإنكليزية فقد أوصى بإنفاقه على المنافع العامة في وطنه الصغير
وبلغ مجموع ما أرسل إلى بشرى منذ سبع سنوات إلى اليوم 25 ألف ليرة لبنانية سورية، ويتراوح الدخل السنوي من المؤلفات بين 6و7 آلاف دولار
وترك جبران مخطوطة كتاب بالإنكليزية عنوانه (حديقة النبي). ولكن شقيقته مريانا رفضت ضم دخل هذا الكتاب إلى دخل رفاقه بحجة أن الوصية تشمل الكتب المطبوعة لا المخطوطات. وكانت بينها وبين لجنة جبران الوطنية في بشرى منازعة حول هذا الحق نظرت فيها المحاكم الأميركية فحكمت لها، لأن لجنة جبران لم تتمكن من إقامة وكيل عنها إلا بعد مرور الزمن بعد صدور الحكم لمصلحة مريانا
أما ماري هاسكل فقد نفذت القسم المتعلق بها من الوصية وتتولى الآن تنفيذ القسم المتعلق بالإنفاق على المنافع العامة في بشرى لجنة مؤلفة من 16 عضواً يمثلون جميع الأسر البشراوية ويرأس هذه اللجنة الأستاذ سليم رحمة. ويتجدد أعضاؤها كل سنتين، وهي التي تحيي كل سنة حفلة تذكارية لليوم الذي وصل فيه جثمان جبران إلى لبنان. فيقام قداس في دير مار سركيس الذي يضم بين جدرانه رفات جبران، ثم تقام حفلة خطابية يتكلم فيها أدباء بدعوة من اللجنة
وكان يوم 21 أغسطس الماضي موعد الحفلة التذكارية، فانتدب غبطة البطريرك الماروني سيادة المطران الحاج لإقامة الذبيحة الإلهية في الصباح. وبعد الظهر غصت باحة فندق لبنان الكبير بالمدعوين إلى الحفلة الأدبية التي ترأسها سعادة فؤاد بك البريدي محافظ الشمال وحضرها جمهور غفير من الأعيان والمصطافين وقد تعاقب الكلام عن جبران وأدبه الأساتذة مارون عبود وعمر فاخوري وخليل تقي الدين وحليم كنعان
وقد قال الأستاذ سليم رحمة في خطابه الذي تحدث فيه عن الأعمال التي قامت بها اللجنة:
(أما العمل الذي تعتبره اللجنة في مقدمة واجباتها فهو إنشاء جائزة سنوية قدرها مائتا ليرة لبنانية سورية تشجيعاً للتآليف القيمة وسعياً لتحقيق أمنية في نفس جبران عندما كان لا يزال في قيد الحياة. ويسر اللجنة أن تساهم بهذه الجائزة في الحركة الأدبية، على أن تمنح الجائزة الأولى لأفضل كتاب يدرس جبران درساً واسعاً عميقاً شاملا. وقد سعت اللجنة في تأليف مجمع أدبي من كبار أدباء لبنان قوامه تسعة أعضاء: سبعة من حملة الأقلام المعروفين واثنان من بشرى)
ومن أنفس ما نشر في هذا العدد فقرات من رسائل تبودلت بين جبران ومي وُجدت بين مخلفاته؛ وهي تكشف عن ناحية مجهولة في حياة الصديقين العبقريين نختار منها قطعة من رسالة لمي تاريخها 15 يناير سنة 1924
(. . . ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به. ولكني أعرف أنك محبوبي وأني أخاف الحب. إني أنتظر من الحب كثيراً فأخاف ألا يأتيني بكل ما أنتظر. أقول هذا مع علمي بأن القليل من الحب كثير. ولكن القليل في الحب لا يرضيني. والجفاف والقحط واللاشيء خير من النزر اليسير.
كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا وكيف أفرط به، لا أدري. الحمد لله أني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به، لأنك لو كنت حاضراً بالجسد لهربت خجلا بعد هذا الكلام، ولاختفيت زمناً طويلا فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى. حتى الكتابة ألوم نفسي عليها أحياناً لأني بها حرة كل هذه الحرية
أتذكر قول القدماء من الشرقيين: إنه خير للبنت ألا تقرأ ولا تكتب؟ إن القديس توما يظهر هنا. وليس ما أبدي هنا أثر الوراثة فحسب، بل هو شيء أبعد من الوراثة. ما هو؟
قل لي أنت ما هو هذا؟ وقل لي ما إذا كنت على ضلال أو على هدى، فإني أثق بك وأصدق بالبداهة كل ما تقول. وسواء أكنت مخطئة أم غير مخطئة فإن قلبي يسير إليك، وخير ما في يظل حائماً حواليك، يحرسك ويحنو عليك.
غابت الشمس وراء الأفق. من خلال السحب العجيبة والأشكال والألوان حصحصت نجمة لامعة، نجمة واحدة، هي الزهرة إلهة الحب. أترى يسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون؟ ربما وجد فيها من هي مثلي، لها جبران واحد حلو بعيد بعيد هو القريب القريب، تكتب إليه الآن والشفق يملأ الفضاء، وتعلم أن الظلام يخلف الشفق، وأن النور يتبع الظلام، وأن الليل سيخلف النهار، والنهار سيتبع الليل مرات كثيرة قبل أن ترى الذي تحبه، فتسرب إليها كل وحشة الشفق، وكل وحشة الليل، فتلقي بالقلم جانباً لتحتمي من الوحشة في أسم واحد: جبران.
مصر، 15 يناير سنة 1924
وحي بغداد
صديقنا الدكتور زكي مبارك من الشعراء المقلين القلال. وقد يفيض عليه الإلهام في بعض أحواله فيطول نفسه ويتسع مداه. وقد نظم في هذه الأيام قصيدة عصماء بلغت أبياتها 111 بيت عنوانها (من جحيم الظلم في القاهرة، إلى سعير الوجد في بغداد). وقد تفضل فخص بها الرسالة، وسننشرها في العدد المقبل.