مجلة الرسالة/العدد 270/حول الطريقة التجانية
→ بين اللغة والأدب والتاريخ | مجلة الرسالة - العدد 270 حول الطريقة التجانية [[مؤلف:|]] |
ماضي القرويين وحاضرها ← |
بتاريخ: 05 - 09 - 1938 |
للشيخ محمد الحافظ التجاني
شيخ هذه الطريقة بمصر
قرأت في العدد (266) من مجلة الرسالة أسئلة من ألبانيا إلى الأستاذ الحجوي وهذا نصر السؤال:
(أن الطريقة التجانية المنتشرة في أكثر البلاد حتى البلاد الأرناؤودية ولا سيما بلدتنا أشقودرة هل المندمج فيها غير مناف للشريعة الغراء؟ ومنتسبو تلك الطريقة يدعون أفضلية قراء (صلاة الفاتح) لما أغلق على تلاوة القرآن ستة آلاف مرة وهو أكبر الأذكياء متأولين بأن ذلك بالنسبة لمن لم يتأدب بآداب القرآن كما فصله في كتاب جواهر المعاني المنسوب إلى التجانية، وأن الصلاة على النبي ﷺ بتلك الصلاة الخاصة إنما يترتب عليها الثواب إذا أعتقد أنها من كلام الله القديم من قوله عليه السلام (من صلى عليَّ مرة صلى الله عليه عشراً)، وأن تلك الصلاة مع فضيلتها بتلك المثابة لم يعلمها النبي عليه السلام لأحد إلا لمؤسس تلك الطريقة. وفي ذلك مالا يخفى من لزوم الكتمان ومنافاته للتبليغ المأمور به عليه السلام؟ وأن مؤسس تلك الطريقة أفضل الأولياء مع أن الإجماع هو أن الأفضل بعد نبينا محمد عليه السلام، الخلفاء الأربعة على الترتيب المعلوم، وأن من انتسب إلى تلك الطريقة يدخل الجنة بلا حساب ولا عقاب وتغفر ذنوبه الكبار والصغار حتى التبعات وغير ذلك مما هو مبسوط في الكتب التجانية)
وحيث أننا - أهل هذه الطريقة أحق الناس ببيان ما نحن عليه - وكان في تلك الأسئلة تحريف عن الحقيقة التي عرفناها ونقلناها عن شيوخنا قاطبة، فإنني أعلن بلسان كل من ينتسب إلى هذه الطريقة أن من يعتقد أن صلاة الفاتح أو غيرها من الصلوات أفضل من القرآن فهو ضال مضل ما عرف الإسلام؛ وليس هناك في طريقتنا من يعتقد تلك العقيدة الزائفة، وقد قال شيخ الطريقة الأكبر في جواهر المعاني:
أما تفضيل القرآن على جميع الكلام من الأذكار والصلاة على النبي ﷺ وغيره من الكلام فأمر أوضح من الشمس كما هو معلوم في استقراءات الشرع وأصوله شهدت به الآثار الص أما الذي نقول به فهو أن من لم يحسن أدب تلاوة الكتاب الواجبة، فلأن يصلي على النبي ﷺ أفضل له من أن يتلو القرآن وهو مخل بشروط تلاوته. فالمقارنة في حال التالي لا في المتلو فأنه لا خلاف في أفضلية القرآن. فأي شيء في ذلك وهو الذي يقول به العلماء؟
على أنه لا حرج في رجاء الإثابة على العمل القليل بالجزاء الكثير، وإن كان العامل لا يستحقه ولا العمل، والفضل الإلهي يتسع لإثابة المؤمن على تسبيحة واحدة بجزاء عمل كثير من محض الفضل الإلهي بغير استحقاق. وقد صح في التأمين والتسبيح والذكر شيء من ذلك. وليس هذا من باب تفضيل غير القرآن على القرآن بأي وجه من الوجوه. ولا يذكر هذا ليتكل عليه المؤمنون فالمؤمن يعمل ويخاف ويرجو - وعدم الأمن أصل في العمل بالطريق - ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون - ولا بيأس من روح الله إلا القوم الكافرون. وإن من مكارم الأخلاق حسن الظن بالله وحسن الظن بعباد الله
وليس هناك في طريقتنا من يعتقد أن الشيخ أفضل من أصحاب رسول الله ﷺ كما زعم السائل
وقد صرح في جواهر المعاني أنهم أفضل ممن بعدهم مستدلا بما روى عنه ﷺ: (إن الله أصطفى أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين) وقال: أعمالنا معهم كسير النملة مع سرعة طيران القطاة. وذكر أن أعمال من بعدهم في صحيفتهم. أما دعوى تفضيله على النبيين فهي دعوى لا تستحق أن يلتفت إليها لوضوح بطلانها
أما صلاة الفاتح ودعوى أن أهل الطريقة يقولون إن النبي ﷺ كتمها عن أصحابه وأعطاها للشيخ وكونها من كلام الله القديم، فهذه الصلاة موجودة قبل الشيخ، وهي منسوبة لسيدي محمد البكري وهو موجود قبل ولاة الشيخ بزمن طويل، فكيف تكون مكتومة؟ ومن نسب الكتمان له ﷺ فيما أمر بتبليغه فهو كافر مرتد. وكذلك من اعتقد أنها من أي نوع من أنواع وحي النبوة. ولم يقل أحد عندنا إنها من الأحاديث القدسية. والذي حققه حجة هذه الطريقة سيدي العربي بن السائح في كتابه (بغية المستفيد) أنها يصح أن تكون من الإلهام الذي يجوز للأولياء
قال ﷺ: (ذهبت النبوة وبقيت المبشرات. قالوا وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو ترى له)
والرؤيا ليست بقاصرة على ما يراه المرء في نومه كما هو معروف في اللغة. وذكر الحافظ بن حجر في شرح حديث أبن عباس هي رؤيا عين أريها ﷺ الخ في البخاري فيصح أن تشمل ما هو معروف بالإلهام والمشاعر والوقائع والتحديث ونحوه مما حقق العلماء أنه جائز أن يكون نصيب الولي من ميراث النبوة. ويجب عرض ذلك على الشريعة فما وافقها أخذ به ومالا فلا؛ وقد يكون له تأويل كالرؤيا المناسبة سواء بسواء. وصح عنه ﷺ: (أنه كان فيمن قبلكم رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء)
وأهل هذه الطريقة قاطبة في أنحاء المعمورة فيهم واحد على غير مذاهب أهل السنة والجماعة، فهم حنفية أو مالكية أو شافعية أو حنابلة. ومعتقدهم معتقد أهل السنة الذي عليه الفقهاء والمحدثين والأصوليون والصوفية. وقد بلغ فيهم الكثيرون الإمامة في عصرهم في أقطارهم كسيدي إبراهيم الرياحي شيخ الإسلام بتونس، وسيدي أحمد كلانباني شيخ الجماعة بفاس، والفقيه جنون، وسيدي علي بن عبد الرحمن مفتي وهران، وسيدي محمد الحافظ العلوي الشنقيطي
وكل ما يوهم في كتبنا غير هذه العقيدة فقد تصدى علماء الطريق لبيان المراد منه وحمله على الوجه الذي يوافق ما عليه الجماعة ولنا أسوة بمن سبقنا من العلماء. أما ما نسب للشيخ رضي الله عنه مما لا يمكن تأويله ولا يمكن حمله على وجه صالح فنحن نراه كذبا عليه ونرده. وقد سئل: (أيكذب عليك؟. قال نعم - إذا سمعتم عني شيئاً فزنوه بميزان الشرع)
وقد كذب على الله والرسول والصالحين فأي حرج أن يكذب عليه؟
وإن الواقع هو أوضح دليل على براءة الشيخ وطريقته من هذه الأكاذيب المفتراة أو التي ولدها فهم في كلامه لا نقول به يحسب صريحا وهو عندنا مؤول يحرم الأخذ بظاهرة. ذلك الواقع أننا نجد أصحابه لا يقولون بها. وقد أطبق علماء الطريق من عصر الشيخ على إعلان البراءة منها صريحا وبيان أن من يعتقدها ليس في الطريق في شيء. ومعلوم أن أتباع كل امرئ أخبر الناس بما هو عليه. وصريح كلامه الذي لا إبهام فيه ولا غموض هو المرجع الصحيح، وقد تبرأ من كل قول يخالف الشرع ولم يجعل ميزاناً بينه وبين أتباعه غيره
وإذا فليس في هذه الأمور معضلة من معضلات العصر، ولكن المعضل حقيقة هو النزاع فيما بيننا معشر المسلمين؛ ولا شك أن لأعداء الإسلام المصلحة في التفرقة
ولا أدري ألم يحن الوقت الذي يترك فيه نزاع الطوائف الإسلامية ويوضح سلاح الافتراء والتحريف وسوء الظن الذي يتحاربون به؟ وهلا ييسر لهم من يسعى في التفاهم على أساس حسن الظن بينهم وجمع كلمتهم والتماس المعاذير لمن لعل له العذر منهم؟
وليس هذا كل ما يقال عن الطريق فقد ذهب نزاع الطوائف إلى حمل كل موهم في كتبنا على أسوأ الوجوه مما لا يخطر على بال أحد منا ولم نسمعه إلا من خصوم الطريق، وإلى أبعد من هذا، إلى التدليس كما يقال: فويل للمصلين - ويترك الذين هم عن صلاتهم ساهون، وإلى الاختلاق والكذب على التاريخ وعلى الأحياء من العلماء، ووصل حتى إلى الأمور الشخصية، وسأقدم للعالم الإسلامي مثيلين واقعين من ذلك الافتراء:
فها هو ذا جواب العلامة المحدث السيد عبد الحي الكتاني أطال الله حياته على سؤال رفعته إليه عن دعوى رجل زعم أن جواهر المعاني ألفه بعض المستشرقين الفرنسيين وزعم أن الأصل موجود في مكتبة السيد
وزعم قوم أن قبر أوريلي الفرنسية زوجة سيدي أحمد عمار حفيد الشيخ الأكبر جعلت عليه قبة ورسم عليها صليب. والحقيقة أنها ماتت مسلمة وثبت لدى الحكومة الفرنسية ودفنت بالفعل في مقابر المسلمين وليس على قبرها أثر لقبة ولا لصليب. وها هي ذي صورة قبرها بكوردان التابعة للأغواط في صحراء الجزائر. وترى قبور مجاورة سيدي أحمد عمار، وقبر أوريلي هو الثالث الملاصق للجدار في فضاء حديقة القصر ليس فوقه إلا السماء، وقد وضع رجل يده على حجر قائم عليه يقابله حجر آحر عليه تاريخ وفاتها، وأنها ماتت مسلمة بشهادة عدول مسلمين
ولست بعد ذلك بصدد التعرض لجواب الأستاذ الحجوي لأن هذا هو الذي لدينا ونبرأ من كل ما يخالف شرع الله وشرع رسوله ﷺ، وأصحاب هذه الطريق ولله الحمد من أشد الناس قياماً بالقرآن تلاوة ومدارسة، وبالسنة علماً وعملاً، وأساسها تصحيح العقيدة، والقيام بالواجبات، والانتهاء عن المحرمات جميعها، والتقرب إلى الله بالنوافل على حسب الاستطاعة مع عدم الأمن - ولا واجب عندنا إلا ما أوجبه الشارع ومنه وفاء المكلف بنذره بشرطه المعروف في الفقه، ولا مندوب إلا ما ندب إليه، ولا حكم إلا لله
وليكتب خصوم الطريق (قائمة) بكل ما يخالف الكتاب والسنة من العقائد فنكتب تحتها: هذا باطل لا نقول به، ونستطيع أن نريهم من كلام الشيخ نفسه ما يرده. والفقهاء فيها ممن لهم الباع الطائل في الأصول والفقه كثيرون ولله الحمد، وكلهم أهل سنة واستقامة، وقد بينوا ذلك وشرحوه
وقد عاشرت كثيراً ممن بالمشرق والمغرب من السادة التجانيين فما وجدت أحدا منهم يعتقد شيئا مما يتهم به أهل الطريق مما يخالف الكتاب والسنة. وعلى فرض أن جاهلا اعتقد ذلك فليس منا لمخالفته اعتقادنا، ونحن من اعتقاده بريئون
وإذن فذلك الإنكار المتفرع على تلك العقائد الزائفة لا يصلنا منه شيء، فهو موجه إلى غيرنا ممن يعتقدها. والطريقة وشيخها وأتباعه يبرءون من كل ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله، وليس لديهم إلا ما عليه أهل السنة والجماعة
(الزاوية التجانية بالقاهرة)
محمد الحافظ التجاني