مجلة الرسالة/العدد 27/تأزين الهواء
→ العلوم | مجلة الرسالة - العدد 27 تأزين الهواء [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 08 - 01 - 1934 |
دخل الشتاء وبدخوله تسد المنافذ وتغلق الأبواب منعا للبرد، وتزدحم الحجر بالناس طلبا للدفء، فيفسد هواؤها وتسوء رائحتها ويثقل جوها، ويعتري أهلها استرخاء وهمود، فإذا سألتهم عن سر هذا قالوا: فسد الهواء، وإذا سألتهم عن علاجه قالوا فتح الشبابيك، وهم في تسبيبهم وتطبيبهم مصيبون، ولكنها إصابة مبهمة أدركتها الفطرة دون العلة، وساقتهم إليها البديهة التي لا يعرفون لها سببا
زعم الفسلجيون يوما أن إخمام الحجر وثقل جوها يرجع إلى سببين: أولهما زيادة غاز الكربون في الهواء بالتنفس، وثانيهما زيادة حرارة هذا الهواء. وكلاهما علة خاطئة حسب ما أجمع عليه علماء اليوم وذلك أن غاز الكربون يوجد في الهواء الطلق العادي بنسبة جزء من كل 1100 جزء من الهواء، وقد أجروا تجارب على الإنسان فوجدوا أنه يستطيع العيش بلا ضيق ولا تأفف في هواء نقي يحمل 3 % من غاز الكربون، أعني يحمل ثلاثين قدرا مما يحمل الهواء الطلق. كذلك وجدوا أن الإنسان يستطيع المكث ساعات في الحمامات العامة الحارة المسماة بالتركية، دون أن يحس بشيء مما يحس به في الغرف الخامَّة المزدحمة بالخلق، بل على النقيض هو يستمتع بدفئها وقد تبلغ حرارتها الخمسين
السبب الأول في اخمام الحجر ليس غاز الكربون، وليس ارتفاع درجة الحرارة، وأن كان لهما حظ في تسبيبه فهو حظ ضئيل لا يتناسب مطلقا مع شائعة السوء التي شاعت عنهما. إنما يرجع سبب هذا أو أكثره إلى دقائق صغيرة من مواد عضوية تنبعث في الهواء من الرئتين والجسم على السواء، دقائق ولكنها فعلها جسيم، فهي مواد سامة مهيجة تُعلِ الهواء فتحدث في الجسم علة مبهمة يعبر عنها باختلال المزاج. ولهذه المواد فوق ذلك فعل في الجهاز العصبي. فهي تسكنه وتمهده، وبخاصة بسبب ما تحمل من رائحة كريهة، وبتفتر الجهاز العصبي يعجز الجلد عن أداء وظائفه التي منها تبريد الجسم، وعندئذ تكون حرارة الحجرة ضغثا على ابالة، تزيد في ضيق الإنسان وحدة مزاجه
وعلاج هذه الحالة هو بالطبع في التخلص من هذه المواد، وأيسر طريق للتخلص منها في حيز محدود يكون بأكسدة هذه المواد لتستحيل إلى أجسام أبسط لا ضرر فيها. وهذه طريقة الطبيعة ذاتها في التخلص من هذه المواد، فهي تستخدم الأزون لأكسدة هذه المواد. وهو غاز تصنعه الطبيعة من أكسجين الهواء، وهو يتكون فيها كلما تبخر ماء أو تكهربت سماء، لا تلك الكهربة الصامتة التي تحدث البرق والرعد، بل تلك الكهربة الصامتة التي تتفرغ بين السحاب والسحاب ولا يحس بها أحد. وهذا التفرغ الصامت للشحن الكهربائية هو الذي يستخدم في تأزين الهواء في الصناعة، أي بحالته إلى أزون، وهو عمل أشبه شيء بالتكثيف، فجزيئ الأكسجين يتركب من ذرتين من الأكسجين، أما جزيئي الأزون فيتركب من ثلاث ذرات، وهو لذلك ليس له استقرار الأكسجين، فهو لذلك فعال، لا يلبث أن يلتقي بأمثال تلك السموم التي نحن بصددها حتى يهاجمها فيعدمها، لا يعدمها بالمعنى الدراج، بل هو يحيلها إلى ما لا ضر فيه
وقد وجدت الصناعة في هذه الأيام واهتمت حتى بهذه الناحية، بإصلاح الهواء بعد فساده دون فتح النوافذ والتعرض لأخطار الهواء البارد والتيار اللافح الباغت، فخلقت مؤزناً سهل الحمل تضعه في حجرتك أو مكتبك أو صالة استقبالك أوفي أي مكان به رئات عديدة جادة في التنفس، وتصله بمنبع الكهرباء من الحائط، فيتؤزن لك الهواء فيظل مع انحباسه طاهرا نقيا. وهو فوق ذلك جهاز رخيص، فهو يعمل 200 ساعة ولا ينفق غير وحدة من الكهرباءة واحدة
(ز)
استدراك
فاتنا أن نذكر الجمل الشارحة تحت الأشكال الثلاثة التي نشرت في العدد الأخير بموضوع (في النبات وحشية وأنيسة) للدكتور أحمد زكي، واستدراكا لذلك ننشر هذه الجمل ليرجع إليها قارئ المقال في فهم هذه الأشكال. يكتب تحت الشكل الأول (طريقة حصاد القمح الأمريكي. بالآلات في ولاية وشنطون) وتحت الشكل الثاني (إناء جنائزي في شكل بطاطستين من قبر في شنبوطي في بيرو بأمريكا الجنوبية) وتحت الشكل الثالث (آله الذرة عند أهل بيرو القدماء وكان يدفن في الحقل وسيلة لنمو المحصول. وهو يصنع من مطر الذرة (كيزان الذرة))