الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 27/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 27/البريد الأدبي

بتاريخ: 08 - 01 - 1934


الحياة الأدبية

حفلة جائزة نوبل العالمية

يعلم القراء أن جائزة نوبل الأخيرة في الأدبقضت بها لجنة التحكيم للروائي الروسي المهاجر إيفان بونين. وقد وقعنا في البريد الأخير على وصف للحفلة التي أقيمت في القصر الملكي السويدي لتسليم جوائز نوبل للفائزين.

ولما كنا نحب أن نسجل في هذا الباب كل حدث أدبي كبير، فنحن ننقلها تنويهاً للأدب، الروسي خاصة، وبمكانة الأدبوالأدباء في العالم المتحضر عامة، وحضاً على رفع الفنون فوق كل اعتبار جنسي أو سياسي

أرسلت الدعوة الرسمية إلى المدعوين قبل يوم الحفلة بأيام عدة، وهي محرر على النحو الآني:

(المرجو من حضرات الفائزين الحضور إلى قاعة الحفلات الموسيقية يوم 10 ديسمبر سنة 1933 في الساعة الرابعة والدقيقة الخمسين على الأكثر لتسلم جائزة نوبل، وسيشرف صاحب الجلالة تتبعه الأسرة الملكية وسائر الحاشية، في الساعة الخامسة تماما لشهود الاحتفال، ويسلم جلالته شخصيا الجوائز المذكورة إلى كل من الفائزين. والساعة المشار إليها توصد الأبواب ويبدأ الاحتفال)

وأهل السويد شديدو المحافظة على المواعيد، فلا يستحب عندهم التبكير عن الموعد المضروب ولا يجوز مطلقاً التأخر عنه

فكان يرى الرائي في الساعة الخامسة إلا عشر دقائق رتلا ممتدا من السيارات وقوفا على مدخل قاعة الحفلات الموسيقية في القصر الملكي باستكهلم. وإذا بسيارة فخمة تقل إيفان بونين - وقد تفضل بإعارتها إياه أحد الأصدقاء، تقف أمام درك الباب الخارجي في الدقيقة المحدودة. وكانت الجموع الحاشدة تزداد احتشادا حول القصر وما يجاوره، وكانوا يعرفون الفائز بجائزة الأدباذ شهدوا صورته منذ إعلان فوزه مراراً في جميع الصحف وفي زجاج المكاتب، وهتفوا له متحمسين، وتنحوا مفسحين له الطريق في احترام ومحبة. وارتقى إيفان بونين الدرك بنشاط، وكان يضيئه سنا المشاعل الأحمر الخفاق. ثم أفضى من دهليز طويل إلى غرفة صغيرة ملاصقة للمنصة التي تعزف عليها الموسيقى عادة في القاعة الكبرى لحفلات البلاط.

وكان قد سبقه إلى هذه الغرفة زملاءه الفائزون هذا العام من العلماء الجهابذة وكلهم من الانفعال محتقن الوجه أو شاحبه، وهم بالقياس إليه في ريعان الشباب لا يكاد يتجاوز أكبرهم الخامسة والثلاثين من عمره، والى جانبهم إيفان بونين في الثالثة والستين، بشعره الأشيب، ومعارف وجهه الكهل الممطوطة النبيلة، مما جعله أروع طلعة وأكثر هيبة

ولم تكد تنقضي دقائق معدودات حتى غصت القاعة، وتوزع في رحابها كالأشباح المتحركة ألفان من المدعوين هم أعلام العاصمة السويدية، وذاك في سكون ونظام لا تشوبهما شائبة، وكانت بذلة السهرة محتمة بلا استثناء، فالرجال في الزي الرسمي والسيدات في أبهى زينة

وكانت المنصة مغمورة بضياء ناعم لين، مزدانة بأزهار لا عداد لها سويدية الموطن وردية اللون، تتخللها أزهار وأفنان غريبة المنابت مجلوبة. وفي الصدر، لصق الحائط تقريباً، يقوم تمثال نصفي للملك من الشبه يجلله العلم السويدي وأعلام الأمم التي ينتمي إليها الفائزون هذه السنة، والظاهر أن حالة (بونين) الخاصة أثارت في البداية بعض المشاغل، ذلك أن الفائز الروسي خارج على البلاشفة وفي عداد من لا وطن لهم، والسويد معترفة بالدولة السوفيتية. فما العمل؟ لو رفع العلم القيصري القديم لترتبت عليه لا محالة تعقيدات سياسية، كما أنه لا يمكن النظر في رفع الراية الأخرى برمز المطرقة والمنجل. وأخيراً قرر القائمون على الاحتفال تخلصاً من هذه الورطة زيادة علم قومي يمثل صليبا أصفر في ساحة زرقاء

وقبل بدء الحفلة بدقائق قلائل احتل أعضاء المجمع السويدي الجانب الأيمن من المنصة، أما الجانب الأيسر فكانت فيه أربعة مقاعد ضخمة، خلت مؤقتاً، وهي مخصصة للفائزين الذين يتلهفون شوقاً إلى الظهور.

دقت الساعة خمساً، ونفخت الأبواق، ودوى صوت من ركن من الأركان يتعذر تحديده:

- صاحب الجلالة الملك!

ودخل القاعة الملك جوستاف الخامس، نحيف القامة، رشيقاً للغاية، يعرفه الرياضيون في الخافقين. وفي أثره جميع أفراد الأسرة المالكة، والأمراء والأميرات قادمين من أطراف المملكة، وكبار رجال البلاط. فوقف جميع الحاضرين كرجل واحد، وانحنوا في احترام عميق، بينما كانت موسيقى غير منظورة تعزف النشيد القومي ويترنم معها الحاضرون أجمعون.

حتى إذا جلس الملك استوى الجميع في مجالسهم بخفة ولطف، ثم ما لبثوا أن قاموا بعد لحظة وقوفاً، وأصوات الأبواق تعزف، والسعداء الأربعة الفائزون يدخلون، وكان إفان بونين خاتمة الموكب وإلى جانبه السكرتير الدائم للمجمع السويدي. وبعد أن حيوا الملك ثم شهود الحفلة جميعاً، أخذوا أماكنهم

وهنا في الحقيقة يبدأ الاحتفال

قام أحد أعضاء المجمع، وبنظرة منه ساد الحاضرين صمت مطلق، وألقى خطاباً يعدد فيه مناقب الفائزين من جهابذة العلوم الطبيعية. ودوت الأبواق وملأت القاعة بأنغامها الجميلة. ونزل أحد العلماء الشباب الجهابذة من المنصة إلى القاعة، ودنا من الملك. فصافحه الملك مصافحة قلبية قوية، وعاد الفائز متأثراً ظاهر التأثر إلى مكانه يحمل شهادة، ونوطاً منقوشاً لتكريمه خاصة. وتعالى التصفيق عاصفاً قاصفاً. وتكرر هذا ثلاث مرات للعلماء الثلاثة. وأخيراً جاء دور بونين.

ولقد قضت التقاليد المريعة من سنوات عدة أن تعطى جائزة نوبل في الأدب آخر الحفلة. فهي ختامها. وكذلك كان الحال هذا العام. فلما أن عاد الفائزون الثلاثة الأولون إلى مقاعدهم على المنصة قام سكرتير المجمع - وهو الذي قدمه إلى لجنة التحكيم - قام في تؤدة، وأصلح في شيء من التعالم والتفيهق رداءه، وتوسط المنصة، وتلا بصوت خالجه الانفعال، ثم أخذ يتمالك شيئا فشيئا قراره وجهارته، خطابا باللغة السويدية عن القصصي الروسي، منوها بما بينه وبين تولستوي من واشجة قرابة فنية، مبينا بالتحديد الدقيق مكانته بين كبار المؤلفين الروس المشهود لهم. فلما فرغ من كلمته ترك لغته الاصلية، والتفت إلى إيفان بونين وخاطبه بالفرنسية قائلا:

- إيفان الكسيفيتش بونين، تفضل بالنزول إلى القاعة لتتسلم من يد صاحب الجلالة جائزة نوبل في الأدبالتي منحك إياها المجمع السويدي.

وكانت هذه اللحظة بالبداهة أروع اللحظات في الاحتفال وأشجاها تأثيرا. فقد قامت القاعة كلها على قدم واحدة من تلقاء نفسها. واجتاز إيفان بونين المنصة، رافع الرأس، ولكنه شاحب اللون من التأثر. وعزفت الموسيقى لحنا مطربا. وطفق الجمع يصفق تصفيق من فاض به شعوره وجن جنونه. وقبل أن يبلغ إيفان بونين إلى موقفه بين يدي الملك تماما كان الملك قد وقف، ومد إليه يده بأريحية عامرة بالمحبة، فانحنى إيفان بونين انحناءة عميقة أمام الملك المعظم يسمع النطق الكريم:

- (أهنئك من كل قلبي! وأني لمبتهج معك بنجاح الأدبالروسي) فأجاب الفائز وصوته لا يخلو من رجفة خفيفة:

- (يا صاحب الجلالة أرجو أن تتقبل مني أجل شعائر العرفان وأعمقها)

وعندئذ ناول الملك إيفان بونين الشهادة في غلاف نفيس، ونوطا من الذهب نقش عليه أسم المؤلف ثم صافحه مرة أخرى

هذا والقاعة لا تني عن التصفيق كأنما تساجل بحماسها الموسيقى وهي تعزف النشيد القومي.

ورفعت الجلسة، ويمم الملك وحاشيته شطر الباب في وسط التهليل والهتاف الحار. ولما أن برح الملك المكان انطلق الجميع معجلين بالخروج لانه لا تمضي ساعة واحدة حتى تبدأ حفلة العشاء الكبرى لجائزة نوبل في حديقة الشتاء بالفندق الكبير

وقد أقيمت حفلة العشاء لثلاثمائة مدعو، في منتصف الساعة الثامنة تماما. فدخل ولي العهد الملكي جوستاف ادولف إلى القاعة والى جانبه مدام إيفان بونين واتجه بها إلى حيث أجلسها في صدر الوليمة في وسط المنضدة الرئيسية. وعلى مقربة من ولي العهد جلس بونين صاحب الجائزة بين الأميرة اينجريد، والامير اوجين من أنجال الملك

والموسيقى تعزف أثناء ذلك أعذب الأنغام

وبدأت الوليمة كالمعتاد بشرب نخب الملك ثم الهتاف له عاليا. وبعد تناول العشاء الفاخر، ألقى بونين بالفرنسية كلمة استغرقت عشر دقائق. وقد طالت الوليمة وامتد بها الوقت إلى ساعة متأخرة من الليل. وفي صبيحة اليوم التالي في تمام الساعة التاسعة توجه الكاتب الروسي إلى لجنة نوبل وتسلم حوالة بمبلغ 170 , 331 كورونا سويديا، أو بعبارة أخرى نحو 8000 جنيه وهي اكبر قيمة أصابها كاتب روسي على آثاره الأدبية (صدقي)

مسئولية القصص عن أشخاص قصته

هل يحتمل الكاتب القصصي مسئولية ما من جراء ما ينسبه لأشخاص قصته من الأعمال والأقوال؟ يحدث أحيانا أن يتصور شخص ما انه لظروف ومشابهات خاصة هو المقصود بالتعريض والتجريح في صورة بطل من أبطال القصة، فهل يؤخذ الكاتب القصصي في تلك الحالة بما كتب؟ أجاب القضاء البلجيكي على ذلك بالإيجاب في قضية أدبية تثير اليوم في الأوساط الأدبية والمسرحية الفرنسية والبلجيكية اعظم الاهتمام

فقد ظهرت أخيرا للكاتب البلجيكي الكبير بيير اوبرمون قصة عنوانها: (تشجع يا مونترشان!) يصف فيها سير المعركة الانتخابية في إحدى نواحي الريف، فلم يمض على ظهورها قليل حتى رفعت عليه قضية من خمس أشخاص يقولون انهم عرفوا أنفسهم في أشخاص القصة وانهم هم المقصودون فيها بالتعريض والتجريح وطلبوا الحكم بالتعويض على الكاتب، فقضت لهم محكمة (هنيو) عليه بتعويض قدره واحد وعشرون ألف فرنك

وقد تناول الكاتب الفرنسي الكبير جورج دوهامل هذه المسألة في مقال يحتج فيه على هذا المبدأ بقوة ويقول: (لعلنا نلزم غدا كما ألزم اوبرمون أن ندافع أمام ثورة المتهوسين والحمقى، ثم أمام القضاء عن كتبنا ومخلوقاتنا، وأبناء عنائنا وتأملاتنا، وربما أرغمنا على أن ننكر نفس مبادئ هذا الفن الذي تغذيه الحقيقة)

(فليعلم قضاة بربان (بلجيكا) والعالم اجمع أن القصصي الحق لا يصور فلانا أو فلانة لكي يغضب أفاضل الناس، ولكنه يقصد ما هو ارفع، فهو يقدم بذلك نصيبه في تاريخ الرجل وتاريخ المرأة. فإذا صور فلانا في صورة ما، أو نسب إليه قولا ما، فانه يؤدي واجبه كشاهد، فلا تطلبوا إليه أن ينظم العالم إذا لم تسمحوا له أن يحكم على المناظر، ولا تلوموه أن يرى بوضوح وأن يسمع الحق، فإنما تؤاخذونه إذا رأى شيئا أو سمع شيئا؛

(ان جميع القضايا المماثلة قد أعيد النظر فيها على يد الجيل اللاحق، وقد أعاد النظر فيها دائما وهو يبتسم)

جائزة جونكور جائزة (جونكور) من أشهر الجوائز الأدبية في فرنسا لا من حيث قيمتها المادية، فهي خمسة آلاف فرنك فقط (نحو ستين جنيها)، ولكن من حيث قيمتها الأدبية. وقد نالها عن سنة 1933، الكاتب الفرنسي اندريه مارلو، وهو كاتب شاب أمتاز بروعة التصوير وقوة الأسلوب؛ وله عدة مؤلفات معظمها في تصوير الحياة الآسيوية التي درسها أثناء رحلاته في فارس وتركستان والهند الصينية. منح له جائزة (جونكور) عن كتابُه (حالة إنسانية)، فارتفع بذلك إلى ذروة الشهرة، وأضحى عضوا في (أكاديمية جونكور)

وقد انشأ هذه الجائزة الأدبية الشهيرة ادمون لوي جونكور باسمه واسم أخيه الأصغر جول جونكور. وكان الأخوان من اعظم الشخصيات الأدبية في فرنسا أيام الإمبراطورية. وكانت لهما مواهب بديعة في الكتابة والخيال فاشتغلا معا بكتابة عدة روايات تاريخية اشتهرت بقوة خيالها ودقة تصويرها. وكانت لهما آراء ونظريات خاصة في كتابة القصة ذاعت في فرنسا في أواخر القرن الماضي، وكان لها أثر عظيم في توجيه التأليف القصصي في هذا العصر، وولد ادمون سنة 1822 وأخوه جول سنة 1830، وتوفي جول سنة 1870، ولكن ادمون عاش حتى سنة 1896، وفيها وضع وصيته بإنشاء الجائزة الشهيرة، تمنح في ديسمبر من كل عام لأحسن مؤلف أدبي. ولأكاديمية جونكور التي تتألف من الكتاب الذين نالوا هذه الجائزة، والذين يمنحونها للفائزين، مركز أدبي ممتاز في فرنسا، وقد رفعت إلى سماء الشهرة عدة كتاب منهم دوديه، واوكتاف ميرابو، وبول مرجريت، وجستاف جوفردي، والإخوان روزني وكثيرون غيرهم

جائزة فيمينا

ومنحت جائزة (فيمينا) وهي أيضا من اشهر الجوائز الأدبية في فرنسا، وقيمتها خمسة آلاف فرنك إلى كاتبة هي مدام جرمين فوكونييه من اجل قصتها (كلود) ومما يذكر أن هذه الجائزة لم تمنح لسيدة منذ خمسة أعوام

الشاعر الألماني شتيفان جورج

نعت أنباء ألمانياالأخيرة الشاعر الألماني الكبير شتيفان جورج. وهو من أعظم كتاب ألمانياوشعرائها المعاصرين؛ ويعتبر في الشعر والنقد الأدبي من الطبقة الأولى. ولد في مدينة ريدزهايم سنة 1868. وأنشأ مجلة (صحف الفن) الشهيرة وجمع حوله لفيفا من كتاب ألمانياالبارزين. وامتاز بقوة نقده وروعة شعره؛ وأنشأ مذهبا أدبيا خاصا شعاره التحرر من قيود الماضي؛ وكان أستاذه ومثله الأعلى في التفكير والأدب الفيلسوف نيتشه. وكان لجهوده وجهود زملائه وتلاميذه اثر عظيم في توجيه الأدبالألماني قبل الحرب، وله عدة دواوين شعرية شهيرة منها (سنة الروح) و (الأغاني) (أغاني الحلم والموت) (أيام الحرب وأعمالها) الخ.

المؤرخ الفرنسي كاميل جوليان

توفي في الثاني عشر من ديسمبر المؤرخ الفرنسي الكبير كاميل جوليان عضو الأكاديمية الفرنسية بعد مرض طويل. وقد ولد في مرسيليا سنة 1859، وتخرج في مدرسة المعلمين الشهيرة (النورمال) حيث كان أستاذه المؤرخ الأشهر فوستل دي كولانج؛ وهو الذي قدر مواهبه ووجهه نحو دراسة التاريخ. وبعد أن نال شهادة العالمية، وإجازة مدرسة رومة عين أستاذ للتاريخ في كلية الآداب بجامعة بوردو، وتخصص في تاريخ جنوب فرنسا ودراسته، وأخرج عنه عدة كتب ورسائل تعتبر أعظم حجة في موضوعها، بيد أن أشهر جهوده وأعظمها هو كتاب (تاريخ غاله) الذي أنفق في وضعه عشرين عاما. وهو من أمهات كتب التاريخ الفرنسي، وانتخب عضوا في الأكاديمية الفرنسية منذ سنة 1924، ونال عدة جوائز أدبية كبرى