مجلة الرسالة/العدد 265/الفروسية العربية
→ حول أدب الرافعي | مجلة الرسالة - العدد 265 الفروسية العربية [[مؤلف:|]] |
أنشودة ← |
بتاريخ: 01 - 08 - 1938 |
للميجر كلوب
ترجمة الأستاذ جميل قبعين
(تتمة)
وقد روى لي سمو الأمير عبد الله الحادث التالي: عندما كان الملك الراحل الحسين شريفا على مكة: كانت السلطة على البدو بيده رغم حكم الأتراك؛ وفي يوم من الأيام بينما كان الشريف مع ولده الشريف عبد الله سائرين وقافلة في الصحراء أراد الشريف أن يسبق القافلة ليختار محلا لإقامة الخيام - فذهب معه ولده حتى وجدا محلا مناسبا تحت شجيرات، وكانت بجانبهم إبل ترعى بحماية ولد وأخته الصغيرة، وكعادة العرب ساءل الشريف الولد إلى أي قبيلة ينتمون، فأجاب الصبي من البقوم، فقال له الشريف (ألا تخاف أن ترعى على حدود بني عتيبة الذين قد يأخذون إبلكم) وكان الصبي منبطحا على ظهره يلوح بقدميه في الفضاء فأجاب (أيها الشيخ المجنون البارد، أنت لا تفهم) فأجاب الشريف: قد أكون مجنونا ولكني لم أعرف السبب بعد. فأجاب الولد قائلا (ألا تعلم أنه ما دام الحسين على السرج فنحن لا نخاف الغارات) وعند هذا الحد أقبلت القافلة فعرف الولد أن الذي كان يكلمه هو الشريف حسين، فخاف كثيراً ولكن الملك الراحل طمأنه وسر من هذه الشهادة غير المقصودة. وبقي كل سنة يطلب الولد وأخته إلى مكة ويعيدهما إلى أهلهما مع النقود والملابس.
لقد قلت إن إحدى صفات البدوي القيام بأعمال غريبة لإثارة الإعجاب - ومن ذلك عادة الجاهلية. يحدث أن يعتدي على شرف بدوي أو غير ذلك من الأمور التي تستلزم الترضية، ويرفض البدوي الترضية التي يقدمها المعتدي ويصر على الأخذ بالثأر - وعندها يجتمع شيوخ القبيلة في شبه وفد يذهب إلى بيت المعتدى عليه، وبطبيعة الحال يقدم لهم طعاماً يرفضون تناوله قبل أن يعد بإجابة سؤلهم فيعد بذلك وبعد انتهاء الطعام يشرحون فوائد الصلح إلى آخر ذلك فيتنازل البدوي عن حقه كاملا. فاتهام العرب بالطمع والجشع أمر تنقضه الحقائق، والقصص التي رويتها لكم قمينة بإعطائكم فكرة صحيحة عن العرب والبدوي من هذه الناحية. إن إلحاح البدوي في طلب حقه غريب، ولكنك إذا ما التجأت إلى كرمه كقولك أعفني يا أخا فلانة - فأنه يتنازل عن دَينه. ولعلنا لم ننس قصة هيرودس مع ابنة شالوم التي طلبت أمنية أجابها إليها قبل أن يعرف ما هي تلك الأمنية، وقد كانت رأس يوحنا المعمدان وقد كان هيرودس في شرق الأردن.
الخلاصة
ولكي نجمع ما سبق نقول بأن الفروسية هي نظام حياة البدوي اليومي وأهم مميزاته:
1 - تمجيد الحرب المبني على أساس طلب العلى والقيام بأعمال البطولة لا بكسب المعركة والحرب.
2 - احترام يشوبه الغزل للمرأة المفروض فيها الأنوثة الكاملة والمتممة للرجل مع عدم مساواتها له. والنظر إليها كتسلية للرجل والحكم على أعماله.
3 - الكرم ومساعدة الضعيف لأن هذه الصفات فرصة للقيام بأعمال غريبة تثير الإعجاب وتقرب من الخيال.
4 - وكنتيجة لهذه الصفات نشأت عادة التنافس بين الفرسان حتى أدى ذلك إلى نزاع داخلي في القبيلة.
5 - عدم الاهتمام بالمجتمع لتطلبهم المجد الشخصي.
6 - الفقر الدائم مع احتقار حياة العمل الشاق والبخل وبعكس هذا تجد أن الصفات المميزة للحضر هي:
1 - كره الحرب والدفاع بشدة إذا ما هوجم. همه الأول ربح المعركة دون الاهتمام بالطريقة، شريفة كانت أو غير شريفة.
2 - تطبيق النظرية القائلة بعمل الكل لأجل المجتمع.
3 - عدم الاهتمام بالمرأة وتكليفها بالأعمال الشاقة والنظر إليها كمصنع للأولاد ووسيلة للربح. وقد ترتفع منزلتها عند الحضر فتصبح مساوية للرجل ولكن ليست المتممة له
4 - نظرة الإعجاب إلى العمل الشاق المتواصل والعطش الشديد إلى جمع الثروة. ولهذا أرى أن نبعد عن أذهاننا نحن الأوربيين المعنى الخيالي الغرامي الذي يصوره لنا خيالنا عن كلمة الفروسية، لأن الفروسية هي النظام الخاص لحياة البداوة الذي يميزها عن حياة الحضر
نظرية
إن كل بحث عن الشعوب القديمة يكون ناقصاً مملاً مدرسياً ما لم تحاول أن تربطه بحياتنا اليومية الحاضرة. لا مراء في أن الحضارة الرومانية هي أولى الحضارات التي غزت أوربا وقد كانت حضارة زراعية، وتتكون نظريتهم عن الحرب في أن الفرد يجب أن يفنى في سبيل المجموع وأن الحرب خدعة. وفي القرن السابع ظهر الفتح الإسلامي حاملا معه روح الفروسية - روح الشرق - الروح التي تثير الإعجاب وتهيج النفوس. فغزت هذه الروح جميع البلدان التي اتصل العرب بها، وانتشرت بين سكانها. ولكن إذا نظرنا إلى الفاشستية اليوم نرى أنها احتفظت بالروح الرومانية القديمة بل تطرفت بها وهذه الروح تتنافى مع الروح العربية - روح الفروسية
غزا العرب أسبانيا وفرنسا حتى تور فانتشرت بالبلدين روح الفروسية، ومن فرنسا تسربت هذه الروح إلى إنكلترا ولكنها لم تتعداها - وقد يكون هذا هو السبب في مقاومتنا لروح الدولة الكلية المتطرفة والتي هي عماد الدولة في كل من روسيا وإيطاليا وألمانيا وهي البلدان التي لم تتصل بها ولم تنتشر فيها روح الفروسية. فان صح هذا ألا يكون مبدأ الحرية الفردية الذي نتمسك به وندافع عنه هو تراثنا من العرب؟ بالرغم عن التطورات الحديثة واتباعنا نظرية أن الحرب خدعة - فأننا ما زلنا نحافظ على روح الفروسية فيما نسميه اليوم (الألعاب الرياضية)
إننا نخطئ خطأً فاحشاً إذا ما ظننا أن العرب كلهم بدو، فأكثر العرب اليوم مقبلون إقبالا عظيما على درس الحضارة والمدنية الأوربية برغم نظام الفردية بينهم - وقد لا تمضي فترة قصيرة حتى نراهم يسيرون والأوربيين جنباً إلى جنب في ميدان الحضارة. إن تجاربي السياسية قليلة، ولكني قمت ببعض المهام الصغيرة مع الحكومة السعودية. ولقد كنت أظن أن التفاهم معهم صعب عسير ولكني سرعان ما غيرت هذا الظن إذ وجدت أنني أنا نفسي صرت أحسدهم. إذا صارحتهم - صارحوك. جرب دائما أن تكون معاملاتك مع العرب مبنية على الشرف والأمانة. ويجب ألا يعزب عن بالنا أننا ورثنا عنهم النظرية التي تهمنا نحن الإنكليز بنوع خاص وهي (إن لعب اللعبة أحسن من ربحها) أسئلة بعد المحاضرة
سير رونالد ستروس - هل يتغنى البدو بالشعر الرمزي؟ وهل هناك قصائد جديدة؟
المحاضر - البدو يجهلون الشعر الرمزي ولكن القصائد تتلى في كل خيمة؟
سير برسي كوكز - ما الذي يمكن الإنسان عمله إذا أراد بدوي معدم أن يذبح شاة لإطعام ضيف؟
المحاضر - من الصعب معرفة ما يمكن عمله، ولكني أرى أنه يكون مضطراً إلى محاولة إقناعه بأن يتحول إلى فلاح (ضحك)
مستر ي رانكن - هل تجدون صعوبة في حفظ النظام مع الجنود الأغرار من البدو
المحاضر - ليت الوقت يسمح لي ببحث هذا السؤال. ولكني أقول إننا نجد صعوبات جمة في بادئ الأمر
والنظام مع البدوي يختلف طبعاً عما هو عليه مع الفلاح. لأن البدوي ديمقراطي بطبعه، فالضابط والجنود يأكلون من صحن واحد ويشربون القهوة معاً. والبدوي يفخر بانتمائه إلى القوة التي توافق هواه. وإرهابه بأخذ سلاحه أو بإخراجه من القوة يؤثر فيه أكثر من أي عقاب آخر. ولكن طلبهم المجد الشخصي يولد الحسد فيهم ويسبب بعض المتاعب
لورد ونترتون - أظن، سيداتي وسادتي، أنه لم يبق لي إلا أن أشكر المحاضر بلسان كل فرد منا على محاضرته القيمة النفيسة وأحب أن أقول إن نظريته حول الارتباط بين العرب والإنكليز توافق نظريتي تماماً. إذ أنني أرى أن هنالك مكانين يمكن الإنسان أن يعيش بهما سعيداً وهما البادية وهذه البلاد. ولكن للأسف يوجد فرق واحد: أن البدوي إذا هوجم يستطيع التقهقر إلى صحرائه حيث لا مطمع لأحد هناك، ولكننا إذا هوجمنا فقد يحتل العدو بلادنا. وفي هذا درس علينا أن نحفظه. هذه نظرية قد تشرح قول بعض الأوربيين عنا: إننا مجانين. ولماذا وكيف نصادق كثيراً من الشعوب الآسيوية.
المترجم
جميل قبعين