الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 263/دراسات للمستشرقين

مجلة الرسالة/العدد 263/دراسات للمستشرقين

بتاريخ: 18 - 07 - 1938


قيمة التراجم الأعجمية الموجودة للقرآن

للعلامة الأستاذ الدكتور أ. فيشر

حين أبدأ بنشر تعريب بعض آثار المستشرقين أرى أن أذكر أني طالما ترددت في أن أنقل إلى العربية دراسة من دراسات هؤلاء العلماء لتكون ضمن مواد (الرسالة)، وما ذلك إلا لأنه (أولاً) ليس من السهل أن يقع الاختيار على بحث قائم بذاته ليس له ارتباط بدراسة أخرى سابقة له أو لاحقة تستكمله أو تنقض شيئاً منه، ثم هو إلى ذلك مما يستهوي قراء الرسالة. و (ثانياً) لأن أبحاث المستشرقين النابهين هي دراسات علمية أجمع على صحتها، ويستسيغ من تابع دراسة الاستشراق دراسة منظمة فهم تلك الأبحاث وإدراك كنهها. وكنت أخشى أن يصطدم بعض حضرات القراء بهذه العقبة، ولكني وجدت في دراسة العلامة الأستاذ الدكتور أ. فيشر لقيمة التراجم الأعجمية الموجودة للقرآن ما يغنيني عن الأخذ بهذه التقديرات. وأرى قبل أن أسوق إلى إخواني في اللغة بحثه معرباً - وكان قد نشره باللغة الألمانية في أواخر سنة 1937 - أن آتي بشيء من سيرته؛ أما التبسط فيها فله مجال آخر. وهأنذا أستعير كلمات المغفور له ج. برجستراسر الأستاذ السابق بالجامعة المصرية لنتعرف منها على مكانة الأستاذ العلامة أ. فيشر، فقد وصفه (بالمعلم الأكبر) في الحفلة التكريمية التي أقامها له العلماء المستشرقون من ألمان وإنجليز وفرنسيين وروسيين وغيرهم في جامعة ليبزج بمناسبة بلوغه الستين من عمره، وكان ذلك في اليوم الرابع عشر من شهر فبراير سنة 1925. وقد أسس معهد اللغات السامية في ليبزج منذ سبع وثلاثين سنة. وتفرغ للغة العربية الفصحى لعصرها الذهبي (حتى صار حجتها ومرجعها)، (جامعاً بين علوم اللغة وآدابها، متفرداً في دراسة الشعر)، (محيطاً بتاريخ الشعوب الإسلامية والعربية والسامية) (واقفاً على دقائق الحياة الفكرية فيها). ثم هو إلى ذلك (يسيطر على كل اللغات السامية التي لها بالعربية صلة قريبة أو بعيدة). وهو في كل بحث له يتعقب مسائله مسألة مسألة إلى أقصى حدودها) لذلك كانت (دراساته التي ينشرها قطعاً من ذهب جاء بها من كنزه الذي لا يفنى). أما معجمه اللغوي التاريخي الذي أخذ منذ سنين يضحي من أجله جل وقته وجهده، ثم أهداه إلى مجمع اللغة العربية الملكي الذي يسّر له متابعة العمل فيه لنشره فسيكون كما قال برجستراسر (ذخيرة للأجيال المقبلة يستفيد منه أبناء العربية وعلماؤها)

وإني أكتفي بهذا القدر من التوطئة والتعريف بمكانة أستاذي العلامة أَ. فيشر ليطلع القارئ الكريم على بحثه فيما يلي:

توجد للقرآن عدة تراجم إلى اللغات الأعجمية. ولقد تعرفت البلاد الغربية القرآن لأول مرة عن طريق الترجمة اللاتينية التي أوصى ببترفون كلوجني المعروف باسم بطرس فنرابيليس ذي النظر الثاقب، كلا الراهبين روبرتس رتننسيس والأرجح أنه كاسترنسيس أي المنسوب إلى شستر والراهب هرمانوس والماتا بوضعها، وكان ذلك حول منتصف القرن الثاني عشر. غير أن هذه الترجمة لم تظهر إلا عام 1543 ميلادية عن تيودور ببلياندر من مدينة يال ثم اتخذت هذه الترجمة تكأة لأقدم التراجم التي نعرفها في اللغات الإيطالية والألمانية والهولاندية. وتعد ترجمة لدفيكو مراتشي التي تم طبعها في مدينة بادوا عام 1698 ميلادية، وقد حولت الأصل العربي والترجمة اللاتينية والتخطئة أحسن ترجمة للقرآن ظهرت في ذلك العصر. ومن ذلك العهد لم تنقطع قط سلسلة تراجم القرآن إلى اللغات الغربية. ويجدر بنا أن نذكر أن المسلمين من غير العرب ممن لا يفقهون العربية شعروا منذ أمد بعيد بحاجتهم هم كذلك إلى ترجمة القرآن للغاتهم القومية، فكان أن ظهرت تراجم للقرآن إلى اللغات الفارسية والتركية والهندستانية والجودشراتية والبنجانية والسندية والبنغالية والتأميلية ولغة الباشتو ولغة أهل الملايا (وكذلك أيضاً اللغة الصينية؟)، كما أنه ظهرت تراجم ببعض اللغات الأفريقية. ويعد قيام المسلمين في العصر الحالي بترجمة القرآن إلى مختلف اللغات الأوربية أمر له خطورته العظمى. والمرجو عندئذ أن تتوارى التراجم التي قام بها غير المسلمين والتي قد تحمل في طياتها نزعات معادية للإسلام. كذلك يرجى لهذه التراجم المنتظرة أن تكون بمثابة دعاية حسنة للإسلام بين المسيحيين. وهذا الدافع الأخير له أثر كبير في نشاط الأحمدية في هذا الميدان. والأحمدية هي فئة ظهرت حديثاً في لاهور بالهند ابتدعت مذهباً جديداً في الإسلام ونزولا على اقتراح بهذا الشأن لشيخ الجامع الأزهر حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي المعروف بنزعته العصرية، ذلك الاقتراح الذي عضده فيه جماعة كبار علماء الأزهر الشريف بفتوى منهم، أخذت الآن وزارة المعارف العمومية المصرية في درس الموضوع وتألفت لذلك عدة هيئات من العلماء ليروا هل يحسن أن يترجم القرآن ترجمة أمينة يعتمد عليها، أم يكتفي بترجمة معاني القرآن إلى اللغات الحديثة الحية، فيترجم أولاً إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية، وما ذلك إلا لأن ترجمة كلام الله الكريم في كتابه العزيز أمر مستحيل. كذلك تألفت في حيدر آباد (الدِّكن) هيئة جمعت عددا من أجلاء الهند بغيتها نشر ترجمة للقرآن الكريم بمختلف اللغات الحية مبتدئة باللغة الإنكليزية تتفق ومذهب أهل السنة.

وإذاً ما هي قيمة جميع التراجم الموجودة للقرآن؟

(للبحث بقية)

إبراهيم إبراهيم يوسف