مجلة الرسالة/العدد 258/رسالة الشعر
→ الأنباط وأطلال بترا الخالدة | مجلة الرسالة - العدد 258 رسالة الشعر [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 13 - 06 - 1938 |
من مشاهد المسرح
قلب راقصة
للأستاذ إبراهيم العريض
في مَسرحٍ للغَرب حي ... ثُ الشمسُ تشرِقُ في الليالي
ورِواقُه كالموجِ يزْ ... خرُ بالنساءِ وبالرجال
يتضاحكونَ. . . فلا ترى ... إلا الكواكب في اشتعال
والبنتُ يجذبُها فتا ... ها فهْي تخْطر في اختيال
طوراً هُنا، طَوراً هُنا ... كَ، لكل رُكن فيه خال
والكلُ منهم مُشرِقُ ال ... وَجنَات محْبُوبُ المثال
وقَفَ الفتى الشرْقِيُّ لَ ... كنْ قلبُه في غَيْرِ حال
تحتَ الشُعاع يرى الجُسو ... مَ كأَنْها بعض الظلال
ويكادُ يفصح طرفُه ... عمَّا يكِنُّ من السؤال
(يا عَينُ حسبك ها هُنا ... ما تَنْشُدين من الكمال
تلك الحقيقةُ بينَهم ... تنْسابُ في حُلل الجمال
هل ترقُبين بأن يُزا ... حَ الستْرُ إلا عن خَيالي)
ومضى يُحدْثُ نفسهُ ... لا يستقرُّ بهِ مكانُ
ويرى بناظرهِ مفا ... تنَ ظلَّ ينكرُها الجنان
(ما هذه إلا السما ... ءُ وتلكَ أنجُمُها - الحِسان
في كل ركْنِ كوكَبٌ ... وبكل زاوية قِران)
حتى إذا أزِفَ الدخُو ... لُ وطال للجرَسِ الأذان
وتَهلّلَ البَهْوُ العظي ... مُ بسرٍّ ما همس البِيانُ
فكأَنّ للأَنغام أشْ ... باحاً لها في الرقْصِ شان
هي والصدى أبداً كنا ... رٍ يستقلُّ لها دُخان دخلوا جميعاً صامتي ... نَ. . . كأَنَ صمتَهُم بيان
فمشى يُوازنُ خَطْوَهُ ... ويميسُ من طرَفَيهِ بان
حتى تخيل أنَّهُ ... ملَكٌ وتلك هِيَ الجِنان
وثوى على كُرسِيّهِ ... بُهْراً وليس له لسان
وانجابَ ذاك السترُ عن ... غَيْداَء ترفُلُ في صِباها
تمشى وئيداً والحرِي ... رُ يشِفُّ عن أدنى خُطاها
ملمُومةً كالوردةِ ال ... بيضاء في ورَقٍ حواها
حتى إذا وَقفتْ إزاَء ال ... خَلقِ يبْهرُهم سناها
نشرَتْ مُلاَءتَها الرقيْ ... قَةَ من حواشِيْها يداها
ومضت تُلَوِّحُ باليَدَيْ ... نِ كأنها ترعى انتباها
وتدُورُ دَوْرتها فين ... عكِسُ الضِّياءُ على حُلاها
كم بالغَتْ في الميْلِ حت ... ى كادَ أن يُطْوى قَفاها
ثمّ استوتْ فَوْقَ الأصا ... بعِ كالحشائش في رُباها
يهتزُّ منها كلُّ عُضْ ... وٍ نِعمةً حتى حشاها
وتهمُّ طوراً أن يُوَا ... زِيَ موْضِعُ الإبهَامِ فاها
فترى تَفتُّحَ جِسْمِها ... كالأقْحُوانِة في نداها
كانت تمثِّلُ فِتْنَةً ... وتثيرُ في الجمهورِ أُخرى
وكأنَّ بينَ ضُلوعِهم ... قلباً أبى أن يستقِرّا
يشتَدُّ في الخفقَانِ عن ... دَ دُنوِّها حتى تمُرّا
لا، بل يُتابعُ مَوْطِئَ ال ... خطُوَاتِ بالأنغامِ تترى
فإذا نأت أضحى بأعْ ... يُنِهم يجاهِدُ مُستمرا
حتى يُشاهِدَ من شبا ... بِيكِ النواظِرِ ما تتحرى
وكأنها أَلِفَتْ بهذا ال ... حالِ منهم فهْيَ سَكرى
تُغرى الشبِيبةَ بالفُتو ... نِ ولا تُبالي حينَ تُغرى
وتظلُّ تلعَبُ بالمُلاَ ... َءةِ حَوْلها طيًّا ونشرا حتى إذا عطفَتْ قُبَا ... لةَ ذلك الشرْقِيِّ صدرا
ألْقَى عليها نظْرَةً ... كالطِّفْلِ بل كانت أبَرّا
فتحِسُّ مُهْجَتُها لأوَّ ... لِ وَهْلَةٍ بالحبِّ. . . سِرا
بقِيَتْ لقًى مثلَ الفرا ... شَةِ في تهافُتِها السريعِ
والناسُ تحسَبُ أنها ... بُهِرَتْ من الرَّقْصِ البديع
لما رَأَوْها لا تُح ... رِّكُ ساكناً غيرَ الضُّلوع
وعلى سِمَاطِ الصدْرِ فا ... كِهتانِ مِلء يدِ الخليع
حتى إذا أبدَتْ فُتو ... راً كالذي إثْر الهجوع
وتمايلت طرباً وهمَّتْ ... في غِناها بالشروع
ساد السكونُ على الجمو ... ع كأَنهم صُوَرُ الخشوع
غنَّتْ غِناَء الأمِّ أوّ ... لَ ما تُهوِّدُ للرضيع
فتبُثُّ ما في قلبها ... من صورةِ الأمَل الرفيع
أرأيْتَ نورَ الشمس صُب ... حاً كيف يؤذِنُ بالطلوع
ومضت تُرجِّعُ باللُحُو ... نِ كأَنها طيْرُ الربيع
ظلَّتْ لها الآذانُ تَشْ ... رقُ كالنواظر بالدموع
ما أوشكَتْ أن تنْتهي ... من نبْرَةٍ يحلُو صداها
إذ رنَّ بالتصفيق ذا ... ك البَهْوُ تصفيقاً تناهى
فتلفَّتتْ مُحمرَّةَ ال ... خدَّيْنِ من خجلٍ عراها
مضمومة الكفَّيْنِ فوق ال ... صدرِ - خائرةً قُواها
مُفترَّةَ الشفَتيْنِ عن ... برَدٍ جلا للثْم فاها
فكأَنما معنى الأنُو ... ثَةِ قد تجسَّم في رُواها
والكل يهتِفُ أن تُعا ... وِدَ فنَّها ويقول: واها
وتساقطتْ باقاتُ زهْ ... رٍ حوْلها خَضِلٌ جَناها
فتناولتْ زهَراً ولمَّ ... اقرَّبتْهُ إلى لماها
ألْقَتْ بِهِ صَوْبَ الجمو ... عِ لمنْ تعلَّقهُ هواها وإذا بزهرتها يفو ... زُ بها. . . أتدري منْ فتاها؟
هُوَ ذلك الشرقِيُّ في ... أحضانه عبقَتْ شَذاها
ثمَّ استقَلَّ بها السِّتا ... رُ. . . كأنه قبْرٌ حواها
وتألَّقَتْ في البَهْوِ أنْ ... وارُ المشاعِلِ في قناها
وتحدَّث الجمهورُ عن ... ها ساعةً حتَّى سَلاها
وانفَضَّ ذاك الجمعُ. . . لا ... عادت تراهُ ولا يراها
البحرين في 21 مارس سنة 1938
إبراهيم العريض