مجلة الرسالة/العدد 256/رسالة الشعر
→ رسالة الفن | مجلة الرسالة - العدد 256 رسالة الشعر [[مؤلف:|]] |
باقة غزل من شعر الصبا ← |
بتاريخ: 30 - 05 - 1938 |
خواطر
دمشق
للأستاذ محمد بهجة الأثري
إلى صديقي العلامة الأستاذ محمد كرد على ذكرى احتفائه
بالإخاء وتكريمه للصداقة. . . . . .
مَنْ عّذِيِرٌ من الهوى ومُجِيرُ؟ ... فَضَحَ الشَّوْقُ ما أجَنَّ الضميرُ
أنا في قبضة اَلْجمَالِ فخوَِّدٌ ... تَسْتبيني وروضةٌ وغَديرُ
هذه (جِلِّقٌ)، تبارَكَ ربي! ... بَلَدٌ طيّب ورَبُّ غَفُورٌ
الهوى والهواءُ والجدولُ الرَّق ... رَاقُ والروضُ والسَّناَ والحورُ
حَيْثما تغتدي فروضٌ أَريِضٌ ... عَنْبِريُّ الشَّذا وماءٌ نَميرُ
وظِلالٌ ممدودةٌ وْهيٌ تَنْدَى ... وشعاعٌ يرِفُّ وهْوَ مُنيرُ
من سَنَا الشمسِ فوقَها ومن الزُّه ... ْر دنانيرُ عسجدٍ وعَبِيرٌ
يُقْتَلُ القَيْظُ في ذراها ولكنْ ... في ذَراها يحيا الهوى ويَسُورُ
جئتُ آوى من اَلحرُور إليها ... وإذا في الحشا يشبُ اَلحرُور
أنا منها ومن مَهاَها اللواتي ... يتكسَّرْنَ رقةً، مسحورُ
كلُّ بيضاء في لواحظَ سُودٍ ... رفَّ في خدَّها الدمُ المستحيرُ
في قَوَامٍ لَدْنِ المعاطفِ ريّا ... نَ وخَصْرٍ من الضَّنى يستجيرُ
وصِبا ناضر الشبابِ غذاه ... تَرَفُ العيشِ والنعيمُ الوثيرُ
وأديمٍ مُنعَّمٍ في حَبيرٍ ... يوم العينَ ماؤه والحبيرُ
لَمعَا كالسَّرابِ شفَّ فلم تَدْ ... رِ أماءٌ لألآؤه أم نورُ
تنفُثُ السحرَ في الخلِىِّ فيشجى ... وتثير الهوى بهِ فيثورُ
ولقد زانها النَّفُورُ، وحُسْنُ ال ... حُسْنِ في الغادة العَرُوُبِ النفورُ
كرَّمَ اللهُ وجهَ كلِّ نوارٍ ... صانها الطُّهْرُ والحياءُ الوَقورُ! ليَ من هيكلِ الجمالِ المعاني ... ولغيْرِي ألفاظُهُ والقشور!
وطَنُ العُرْبِ جَنَّةٌ و (دِمَشقٌ) ... رَفْرَف أقدسُ المَطَافِ طَهُورُ
شَرِقَتْ بالرُّؤى مَسارِحُها الخضْ ... رُ وَرَوَّى نعيمَهُنَّ السرور
رُبَّ نادٍ تَخِذْتُهُ في الروابي ... أقرأُ الحسنَ ثم وَهْوَ سُطُورُ
فعلى (الغوطَتَيْن) والشمس تبدو ... وعلى (النَّيْرَبَيْنِ) وهْيَ تغور
فإذا (جِلِّقٌ) رياضاً ودوراً ... كالمصابيح حَفَّها الديْجُورُ
عالم من زَبَرْجَدٍ طافَ بالدُّ ... رِّ وأَذْكاه بالرُّواءِ النور
ساحِرُ المجتَلى أطلَّ عليهِ ... (قاسيون) كأنه مذعورُ
يغْرَقُ الحِسُّ في سنَاهُ ويفنى ... في تهاويل سحرِهِ التفكيرُ
أنا إِن أَنْسَ لستُ أنسى لياليَّ (م) ... إِذِ البدر ضاحكٌ والثغورُ
وكأنَّ الأكوانَ في دافق النُّو ... رِ بَحُورٌ قد أغرقتْها بُحورُ!
يمرَحُ القلبُ في سناها كما يَمْ ... رَحُ في الماءِ سابحاً عُصْفورُ
قد تَفَرَّدْنَ بالصَّباحَةِ لولا ... وَجَنَاتٌ نازَعْنَها ونُحُور!
حبّذا (الشامُ): ماؤها وهواها ... وَمَسارِي أنهارها والقُصورُ
وميادين حُسْنِها وهْيَ شتَّى ... وَمَغاني اللذاتِ وهْيَ كثيرُ
جادَهَا الغَيْثُ من معاهدَ لا اللُّط ... فُ عداها ولا النعيمُ الوفيرُ
محسنات الأوقات حتى ضُحاها ... وشَّحَتْهُ بلطفهِنَّ البُكُور
وبنفسي هَدِيرُ أنهارِها السب ... عةِ دوَّامةً عليها الطيور
تتلوّى كالأَيْنِ ريعَ وتَهْتَ ... زُّ ارتعاشاً وترتمي وتمُور
وَهْيَ آناً في السهل تعدو وآناً ... في الروابي المُسَلْسَلاَتِ تُغيرُ
تَغْمُرُ (الغُوطَتيْنِ) بشراً وَزهْواً ... مثلما يغمُرُ النفوسَ الحبُورُ
وغَدَتْ فوْقَهَاَ الطيورُ تَغَنَّي ... ربما يُطرِب الطيورَ الخرِيرُ
عِشقَتْ لَحْنَهَا، وللطيرِ لَحْنٌ ... يُسْكِرُ السمعَ جَرْسُهُ المخمورُ
حَيث تغدو يلهيك منها سَمَاعٌ ... ومن الروض مونِقٌ منْضُور
عُرُسٌ قام للطبيعة فيها ... يستخِفُّ الإنسانَ وَهْوَ وَقُور تَهْزَجُ الطَّيْرُ والأَناسيُّ فيه ... ويمور السَّنَا ويذكو العَبِيرُ
قِفْ تمتَّعْ مما تراه قليلاً ... وقلقلٌ مما تراه كثير:
للأَنوف الشذا أريجاً، وللسَّمْ ... عِ الأغاني، وللحاظ البُدُور!
(بغداد)
محمد بهجة الأثري