مجلة الرسالة/العدد 256/باقة غزل من شعر الصبا
→ رسالة الشعر | مجلة الرسالة - العدد 256 باقة غزل من شعر الصبا [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 30 - 05 - 1938 |
للأستاذ عبد الرحمن شكري
يا أيها الخاذل النائي بجفوته ... خَلَّفْتَ في العيش سحر المنظر البَهِج
خلعت حسناً على عيش كما خلعت ... شمس الغروب على الآفاق مِن وَهَجِ
فُرَصُ الحياة قليلة ... فالى م صدرك يا حبيبي
بينا جمالك يانع ... فينان كالغصن الرطيب
إذ لا جمال ولا صبا ... يصبي القلوب إلى الوجيب
والعيش خلد في الشبا ... ب فإن دنوتَ من المشيب
أحسست إقبال الردى ... كخُشُوع قلبك في المغيب
فترى الحياة قصيرة ... كتلألؤِ البرق الخَلُوبِ
وإذا الحياة كنغبة ال ... عصفور رُوِّعَ بالرقيب
متلفتاً يحسو ويخ ... شى أن يفاجأ من قريب
بينا تراه على الغدي ... ر تراه في الأفق الرحيب
خَلَّفْتَ في القلب يا معذبه ... ما خَلَّفَتْ نَغْمَةٌ من الجرْسِ
ذكراك في نفس منصت يَقِظٍ ... ذكرى غناء في الأذنِ كالهمس
كأنما القلب نحوكم أبدا ... ليْنُوفَرٌ دائرٌ مع الشمس
كنت روضي والعيش صيف وَفِيَّ ... حافل بالنعيم والآلاء
فَلَئنْ عادت الحياة شتاءً ... أنت فيها كزهرة في الشتاء
فهي محبوبةٌ وأندادها كُثْ ... رٌ ومحبوبةٌ بِقَفْرٍ عَرَاءِ
وهي أشهى إلى النفوس وأحلى ... لافتقاد الأنداد والأكفاء
أَعِرِ البدر طلعتكْ ... عَلِّمِ النجم نظرتكْ
وامنح الصيف من روا ... ئك والزهر نضرتك
وهب الطير شدو صو ... تك والفجر غرتك
وإذا ما هفا النسي ... م فعلمه خطرتك
امنح الكون نشوتك ... عَلِّمْ السحر قدرتك أرى الزهر غضاً يانعاً طَلهُ الندى ... مَلِيّاً بأن يشجو ظِلماَء النواظر
فأحسبه دمعاً لذكرى غرامنا ... وأنفاس أيام اللقاء الغوابر
أتذكر وعداً باللقاء بذلته ... بمجتمع الأطيار بين الأزاهر
وليلا طرقناه سميرين في الدجا ... كما جال سر الوحي بين السرائر
طرقتك يا ليل اللقاء فرقتني ... بلذات حب كالنجوم الزواهر
يا زائري أعقبت منك محاسناً ... كالزهر يترك نفحة المرتاد
أخصبت تربة أنفسٍ ظلمانة ... شامت سناك فكان خير عهاد
وأفضت شؤبوب المحاسن والنهي ... طيباً على المهجات والأكباد
يا زورة كالعيد إلا أنها ... جَلَّتْ عن الفرحات والأعياد
يا ليت أن النفس درة غائص ... أهديك من نفسي أعز عتاد
أنت عنوان لما أن ... شده في الخطرات
كل كون كان أو لم ... يك من ماضٍ وآت
فيك لي منه أمان ... ي النفوس الساميات
أنت في الدهر ابتسام ... كابتسام الزهرات
ليت لي منك ائتلافاً ... كائتلاف النغمات
قد قلتُ للحب لا تعتب على سَكَنِي ... لنبوة منه في أيامك الأخَرِ
كم لي وكم لك من يوم لنا بَهِجٍ ... بطلعة منه تحكي طلعة القمر
إِنْ يَجْفُ قلبك كالأثمار يانعةٌ ... ودون ذلك يُبْسٌ من نوى الثمر
فارجم بقلبك قلباً أنت مالكه ... فإن قلبك مثل الماس في الحجر
البدر يكسو الأشياَء حُلَّتَهُ ... وَشْىٌ من السحر حاكه القمر
فَاكْسُ بأنوارك الورى حُلَلاً ... كي لا يبين الشقاءُ والعُسُرُ
يا شمس حسن حياتنا ثمر ... ينضج في ضوء حسنك الثمر
أشعل بألحاظك الحياة فإ ... ن الصخر إمَّا رمقته دُرَرُ
عَطَّرْتَ بُرْدَ الحياة قاطبة ... فكل شيء لمسته زهر
عيناك عيناك منبت الذكَرِ ... كالزهر في قاع رائق الغُدُرِ فنعسة الطرف أنه أبدا ... كذاهل قد أصاخ للفِكَرِ
هل نعسة في لواحظ حُلُمٌ ... بعالم الحسن طيب الخبرِ
بعالم أنت من بشائره ... بشرى طيور الربيع بالزهَرِ
عيناك من لمحة الزواهر أم ... مقبوسة الضوء من سنا القمر
أم من غدير الحياة حَفَّ به ... من هُدْبِ جفنيك باسق الشجرِ
فيا ليت لي من صخر قلبك آلة ... فاتلو عليها نَغْمَةً أي نغمة
يئن أنين العود من شجو ضارب ... فَيُسْعِدُ قلبي في حنين وأنة
يا حسن من لي بسحر أتقيك به ... فالحسن يسحرنا والسحر يرقينا
يا حسن هل أنت ناسٍ ليلة سلفت ... طاف الغرام بها يا حسن يسقينا
كأننا نَغْمَةٌ في الليل سارية ... تهفو ولليل أذْنٌ فيه تبغينا
ورق فيه أديم البدر مؤتلقاً ... حتى كأن سناه من تصافينا
وبت ألحظكم طوراً وألحظه ... وفوق وجهك ضوء البدر يشجينا
يا حسن لا تحسبن البدر يشغلنا ... يا حسن لولاك ما ابيضَّت ليالينا
يا عين من أهوى رعاك الكرى ... فليلتي منكِ ليال طوالْ
عودي بلحظ صادق ضوءه ... يجلو دجا العيش وليل الخيال
يا طاقة أبصر منها النعيم ... في جنة الخلد وريف الظلال
عودي بلحظ أحتسي خمرة ... فالكوثر العذب شهيُّ المنال
ولا يكن برقك لي خُلَّباً ... أهكذا حَظَّى آلٌ فآلْ
ضم الملاحة والرشا ... قة واللذاذة والألم
ناجيت قلبك كي يرق (م) ... فما أحس ولا رحم
يقسو فؤادك يا صَنَمْ ... أوليس من حجر أصم
عبد الرحمن شكري