الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 252/ذكرى قاسم أمين

مجلة الرسالة/العدد 252/ذكرى قاسم أمين

بتاريخ: 02 - 05 - 1938


للأستاذ علي الجارم بك

ملَّ من وجدِه ومن فرطِ ما به ... وأراق الشرابَ من أكوابهْ

وإذا القلب أظمأته الأما ... نيَّ، فماذا يريده من شرابه؟

وإذا النفس لم تكن منبِتَ الأن ... سِ تناءى القريبُ من أسبابه

وأشدُّ الآلام أن تُلزمَ الثغ ... رَ ابتساماً والقلبُ رُهنُ اكتئابه

كلما اختال في الزمان شبابٌ ... عصفت ريحُه بَلدْن شبابه!

والنبوغ النبوغُ يمضي وتمضي ... كلُّ آمال قومِه في ركابه

غَرِدٌ، ما يكاد يصدح حتى ... يُسكتَ الدهرُ صوته بنُعابه

وحَبابٌ، إذا علا الماء ولى ... فاسأل الماَء: هل درى بحبابه؟

وسفين، ما شارف الشطّ حتى ... مزَّق اليمُّ دُسرَه بعبابه

بخل الدهرُ أن يطوِّل للعق ... ل فيجري إلى مدى آرابه

كلما سار خطوةً وقف المو ... ت فسدَّ الطريقَ عن طلابه

وابتداءُ الكمال في عمل العا ... مل بَدْءُ الشَكاة من أوصابه

ضلةً نكتم المَشيب فيبدو ... ضاحكاً ساخراً خلالَ خضابه

أين من يستطيع أن يرشد الدني ... ا، وسوطُ المنون في أعقابه؟

أيها الموت أمهل الكاتبَ المس ... كين يُرسلْ أنفاسه في كتابه

آه لو يشتري الزمان قريضي ... بسنين تمدُّ لي في حسابه!

ما حياتي، والكونُ بعدَ جهاد ... لم أزل واقفاً على أبوابه؟

تظمأ النفسُ في حياة هي الفق ... ر فترضى بنهلة من سرابه

أنا قلبي من الشباب، وجسمي ... أثخن الشيب رأسه بحرابه

أملٌ هذه الحياة! فهل يع ... ثر بي الموت دون وشك طلابه؟

كلما رمتُ لمحة من سناء ... هالني بعدُه وطول شِعابه

ما الذي تبتغي يدُ الدهر مّني ... ودمي لا يزال مِلَْء لعابه؟

دع يراعي يا دهر يملأ سمع الن ... يل من شدوه وعزفِ رَبابه كلُّ شيء له نصاب سوى الفن ... فلا حدّ ينتهي لنصابه

عصفت صيحة الردى بخطيب ... وهو لم يَعدُ صفحة من خطابه

سكتةٌ أسكتت نئيج خضمٍ ... عقد النوء لجّه بسحابه

سكتة أطفأت منار طريق ... كم مشت مصر في ضياء شهابه

ومضى (قاسم) وخلف مجداً ... تفرع النجم راسيات قبابه

قد نكرناه حين قام ينادي ... وفهمنا معناه يوم احتسابه

ربَّ مَن كنتَ في الحياة له حر ... باً شققت الجيوب عند غيابه

وتحّديتَ شمسه، فإذا ولّى ... تمنيت لمحة من ضبابه

لم يفز منك مرة بثناء ... فنثرت الأزهار فوق ترابه

يُعرف الوردُ حينما ينقضي الصي ... فُ ويُبكى النبوغ بعد ذهابه

كم ندبنا الشباب حين تولى ... وشغفنا بالبدر بعد احتجابه

كتب الله أن يعيش غريباً ... كل ذي دعوة إلى الحق نابه

لا ترى فوق قمة الطود إلا ... بطلاً لا يهاب هولَ صعابه

كلُّ ذات الجناح طير، ولكن ... عرف الجو نسره من غرابه

كم رأينا في الناس من يبهر الع ... ين وما فيه غير حسن ثيابه

يملأ الأرض والسماء رياءً ... وعيوبُ الزمان ملءُ عيابه

نقد الناس (قاسماً) فرأوه ... أصبر الناس في تجرع صابه

حجة الجاهل المراء، فإن شا ... ء سموا أمدها بسبابه

قد يغشى الوجدان باصرة العق ... ل فيعميه عن طريق صوابه

صال بالرأي (قاسم) لا يبالي ... ومضى في طريقه غيرَ آبه

كم جرئٍ لا يرهب السيف إن سل ... ونِكس يخاف مسَّ قرابه

والشجاع الذي يجاهر بالحق ... ولو كان فيه مرُّ عذابه

كيف يهدي النصيح إن رِيع يوماً ... من قِلَى من يحب أو إغضابه

وطريق الإصلاح في كل شعب ... عسِر المرتقى على مجتابه

يعشق الشعب من يدلله زو ... را بِمَذْقٍ من سخفه وكذابه قمتَ للجهل تقلمُ الظفر منه ... وتفضُّ الحِداد من أنيابه

في زمان كان القديم به قد ... ساً يذاد الجديد عن محرابه

يا نصير النساء والدين سمح ... لو وعينا السريَّ من آدابه

قد خشينا على الحمائم في الدو ... ح أظافيرَ بازه أو عقابه

إن أردت الظباء تمرح في السهل ... فطهِّر أكنافه من ذئابه

كم ضراء وسط المدائن أذكي ... من ضراء الضرغام في وسط غابه

وشباك من الجرائم والخت ... ل حواها شيطانهم في جرابه

وإذا ما الحياءُ لم يستر الحس ... ن فماذا يفيده من نقابه؟

قمت تدعو البنات للعلم فانظ ... ر كيف حلقن فوق شمِّ هضابه

وزها النيل بابنة النيل فاختا ... ل يجرُّ الذيولَ من إعجابه

وغدا البيت جنةٌ بالتي في ... هـ خصيباً بالأنس بعد يبابه

يا فتى الكرد، كم بززت رجالاً ... من صميم الحمى ومن أعرابه

نسب المرء ما يعد من الأع ... مال لا ما يعدّ من أنسابه

كم سؤال بعثت إثر سؤال ... أيقظ النائمين رجع جوابه

كنت في الحق للإمام نصيراً ... والوفيّ الصفيّ من أصحابه

نم هنيئاً فمصر نالت ذرا المج ... د وفازت بمحضه ولبابه

منك عزم الداعي وفضل المجليِّ ... ومن الله ما ترى من ثوابه

علي الجارم