مجلة الرسالة/العدد 251/في عيد الربيع
→ تطور الحركة الأدبية في فرنسا الحديثة | مجلة الرسالة - العدد 251 في عيد الربيع [[مؤلف:|]] |
شوقي والرافعي ← |
بتاريخ: 25 - 04 - 1938 |
البعث
للأستاذ محمود الخفيف
خَالِسِ الزَّهرَ في مُتوع نَهارِهْ ... واستشفَّ الخفِيَّ من أَسْرَارِهْ
مُدَّ عينيكَ في مطارفه الخْض ... رِ مَليَّا واسْتَشْعِرِ الحسْنَ وانْشُقْ
نَفحَةَ الخْلدِ من شَذَي نُوَّارِهْ
هُوَ ذا البَعْثُ هَزَّ كلَّ مكان ... ومَشى في الرِّياض جَمَّ المعاني!
أطْلِقِِ النَّفْس في مواكب آذا ... رَ وغَيبْ وساوسَ القلب واطرحْ
خَلَجَاتِ الهمُوم في تَيَّارِهْ
سَرِّح العَينَ هل ترى غير بشْرِ ... ونماد في كلِّ وادٍ وسِحْرِ؟
والْتِماع وطْيلساَنٍ وَوَشْيٍ ... وتَهَاوِيلَ تلْمَحُ النَّفْسُ فيها
من معاني الربيع رُوحَ ابتكاره
الضُّحَى زَاخِرٌ بِفَيْضِ الحياةِ ... والرَّوابي مِسْكِيَّةُ النَّسماتِ
تنْهَملُ النَّفْسُ من جَمَالٍ وعِطْرٍ ... وسناً ساحِرٍ تُطيفُ برُوحي
لُمَعُ الوَحْي من وَراء ستارِه!
يقْظَةٌ في الرِّياض توقِظُ حِسِّي ... وطُيوفٌ بهَا تَملَّكُ نَفْسي
يَخْفِقُ القَلْبُ للجمال ويَهفُو ... للضُّحَى مثْلَ زهْرَةٍ نبَّهتْهَا
نَفَحَاتٌ من دِفْئِهِ وازْدِهارِه
نْثرَةُ هاهنا ونَفْشٌ بديع ... واتساقٌ هُنَا وحَشْد جميعٌ
زِينةٌ صاَغَهَا الرَّبيعٌ فُنُوناً ... هِيَ في العَيْنِ بَهْجَةٌ وهْيَ لَحْن
مَلَكَ القَلْبَ واستوى في قرَارِه
زَهَرَاتٌ فيهِنَّ يغْرِقُ طَرْفي ... تتَحَدَّى ألوانُها كلَّ وَصْفِ
طاف بالنَّفْسِ عندهُنَّ شُعور ... أين منه البياَنُ؟ أين القوافي؟
أيْن نُورُ الصبَّاَح من أنوارِه؟!
خطَرَاتٌ تميلُ بي للسُجُوِد ... وَرُؤَى مِن وَراء هذا الوجود! شاع في نَفْسيَ الجلالُ ومَسَّتْ ... من هدى الباَرِئ المصوِرِّ قلبي
لمَحاتٌ تُشْتَامُ في آثارِه
يا رُبوعاً أفْوَافُهَا سَحَرتْني ... زَحْمَةُ الحُسْنِ حَوْلَها شغلتني!
تتبارى جُمُوعها باسِمَاتٍ ... وادعَاتٍ في زَهْوِهَا خَفِرَاتٍ
شَاقَهَا للرَّبيع طولُ انتظارِه
امْلأِي القَلْبَ من حدِيثِ الشبابِ ... وأَفَانينِ لَهْوِهِ المُسْتَطَاب
إيه يا زهْرَةَ البَنَفْسِج هاتي ... ما تحفظينه وأفِيضي
من حديث الهوى ومن أخْبَارِه
وصِفي يا وُرُود وَرْدَ الخُدُودِ ... ورُوَاَء الصِّباَ وطُهْرَ الوُعودِ
هِيهِ! هذا الرَّفيفُ هَاجَ فؤادي ... هات! هَاتِ الحَدِيث حُلوً انَديَّا
كنسيم الرَّبيع في أسْحاَرٍه
صَوِّرِي لي من الجمالِ الشِّفَاهاَ ... حالماتٍ رَفَّتْ عليها مُناَهاَ
هَدْهِدِي القَلْبَ يا ثُغُورَ الأَقاَحي ... رَوِّحِيهِ بهَمْسَةٍ من عِتابٍ
كم عَصَرْتُ السُّلاَفَ من قيثارِة
العَصَافيرُ في العِشاَشِ تُغَني ... ما أرى مِثْلَ لَحْنِهاَ أيَّ لَحْنِ
فَرَحٌ صادِقٌ ولَهْوٌ غريرٌ ... وهناءٌ ونشوةٌ وزِياَطٌ
يَرْغَبُ القَلْبُ بينها عن وَقاَرِه!
واليمَامَاتُ قَدْ ذَكَرْنَ الهديلاَ ... فَنَظمْن الغِناََء لحناً جميلاً
ناعماَتٍ في أيكها خافضاَتٍ ... يملأ السمعَ من غِناَها حنين
لو حكى العُودُ شَجْوَهُ لم يُجَارِه
والفَراشُ الطَّرُوبُ حُلوُ الطَّواف ... في الرُّبا، في البطاح، حولَ الضِّفَافِ
حائمٌ خافقٌ بعيدٌ قريبٌ ... جَدَّ في الرَّوْضِ سابحاً وتهاوَى
حائراً بين زَهْرِهِ وثمارِه
فَرْحَةٌ هَزَّ سِحْرُهاَ كلَّ حَيِّ ... صُغْتُ لحني من لحنِهَا العبقريِّ
تتوالى الأيامُ كرًّا ويبقى ... سِحْرُ هذا الجمالِ يُبهجُ نَفسي كلما طاف طائِفٌ من نهارِه
هاَلِ. ها يا بواسم الزًّهَرَاتِ! ... هالِ ها. يا سواجعَ الأيك هاتي!
ما غَدٌ؟ هذه الهُنَيْهَةُ حَسْبِي ... واعظاً، بتّ بَعْدَهُ لا أبالي
بصروف الزَّمان أو أكداره
الخفيف