مجلة الرسالة/العدد 244/البريد الأدبي
→ القَصَصُ | مجلة الرسالة - العدد 244 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكُتُب ← |
بتاريخ: 07 - 03 - 1938 |
وفاة دانونزيو شاعر إيطاليا العظيم
نعى البرق في 2 مارس الجاري شاعر إيطاليا العظيم جبرييل ' 75 سنة مليئة حافلة، وبعد حياة مشكورة موفورة. . . وقد ولد الشاعر سنة 1863، وظهر أول دواوينه سنة 1880، أي في سنة السابعة عشرة، ثم والي نشر أشعاره بعد ذلك فدل على حيوية دائبة ونبوغ عظيم. وقد كان دانونزيو مولعاً بمواطنه الكبير كاردوتشي الذي يطلق عليه الإيطاليون (أبا الشعر) وأبا الأدب الإيطالي الحديث، ولذا فقارئ دانونزيو يحس تأثره في كثير من الأحيان بكاردوتشي ولا سيما في قصيدته الطويلة (أنشودة للشيطان) التي ثار فيها على المسيحية وعزا إليها انحطاط إيطاليا وتأخرها بعد أن كانت سيدة العالم في ومن الرومان. . . على أن دانونزيو مزيج عجيب من الإغريق واللاتين والفرنسيين والإنجليز، وقد ترك فيه كل من هؤلاء أثراً كبيراً كان يطفو بأدبه على عباب آدابهم الزاخرة، ومع ذاك فقد كانت له شخصيته القوية المستقلة. . . وكثير من نقاد الآداب يخالفون الإيطاليين في نسبة نهضة الدب والشعر في إيطاليا إلى كاردوتشي، فينسبونها إلى دانونزيو. . . وهذا حق. . . فقد أدخل دانونزيو على الشعر الإيطالي كثيراً من صنوف التجديد استعارها له من الشعرين الإنجليزي والفرنسي، واستطاع أن يلفت إليها مواطنيه، بل أن يفتنهم بها. . . وكان يتوسل إلى ذلك بالأغاني، حتى إذا استساغوها أنشأ ينظم لهم الأقاصيص الغنائية فاقبلوا عليها إقبالاً شديداً
والميزة التي يتفرد بها دانونزيو على جميع شعراء العصر الحاضر هي قدرته القوية على الوصف. وفي قصة (الرسالة) التي نشرت في الأسبوع الماضي دليل على ذلك وإن تكن أقصوصة صغيرة. ودانونزيو يصف الوصف البارع ثم يضفي على وصفه أزهى ألوان الطبيعة، وهو هنا مصور دقيق يربط اللون بالضوء ربطاً عجيباً. . . وقد يشغله ذلك عن القصة نفسها، ولذلك يضيق به بعض قرائه في حين يفتتن به بعضهم افتتاناً يخرج بهم إلى حد الغرام. . . وأستاذ دانونزيو في تلوين أشعاره على هذا النحو هو الشاعر الإنجليزي كيتس
وقد كان دانونزيو مولعاً بالأسلوب الجزل والعبارة الفخمة، وكانت له قدرة مدهشة على استعمال الغريب استعمالاً يجعله أرقّ في فؤاد القارئ من الموسيقى. . . وذلك ملحوظ في شعره ونثره على السواء
وكما كان دانونزيو إمام شعراء إيطاليا فكذلك كان إمام كتابها. . . وستعيش قصصه، وتخلد، لأنها قصص من النمط العالي الرفيع. . . وإذا كان هناك ما يؤسف له في هذه القصص، فذاك. . . هو هذا الإفحاش البالغ، والأدب المكشوف الذي كان دانونزيو مولعاً بهما في شبابه، مما جعله زعيم المنحطين في الأدب الإيطالي الحديث. . . ولعله قد تأثر بالمنحطين في الأدب الإنجليزي وعلى رأسهم أوسكارويلد وجويس ولورنس
وأحسن قصصه هي على التوالي (طفل السرور والفريسة - وانتصار الموت - وعذارى الصخور - ولهب الحياة
ومن أروع دراماته فرنشسكا درايميني وجيوكندا. هذا وسنعرض لبعض آثاره في أعداد تالية
وقبل أن نختم هذه النبذة يجب أن نشير إلى سخط الأدباء في العالم أجمع أثناء الحرب الحبشية حين أرسل الشاعر تحيته إلى الجنود الإيطاليين الذين ذهبوا إلى الحبشة لتقتيل أبنائها. . . والشاعر معذور بطبعه في موقفه إزاء هذه الحرب، فلقد كان جندياً وكان طياراً وقد اشترك في حرب فيومي المعروفة
المجمع اللغوي في دورته الأخيرة
اختتم المجمع الملكي للغة العربية دورة اجتماعه الخامسة في الشهر الماضي بعد أن عقد خمساً وثلاثين جلسة نظر في أثنائها في كثير من المصطلحات في علوم الأحياء والرياضة والطبيعة، فأقر منها قرابة خمسمائة مصطلح، ثم نظر فيما قدم إليه من قوائم الأعلام الجغرافية التي أخرجها حضرات الأعضاء على القواعد التي وضعها المجمع في كتابة الأعلام الأجنبية بحروف غربية فأعاد النظر فيما سبق أن أقره
واستأنف البحث في قواعد جديدة وقرر إعادة القوائم إلى الأعضاء لمراجعتها وإصلاحها بحسب القواعد التي استحدثت
ثم نظر في قائمة وضعها الأستاذ الدكتور نلينو عضو المجمع وأحصى فيها ما عثر عليه من الأغلاط الشائعة في المصورات الجغرافية المستعملة في المدارس المصرية والشرقية فيما يتعلق بالبلاد الآسيوية الإسلامية والسودان وصحراء لوبيا. فناقش المجمع في هذه القائمة وراجعها على المصادر المعتمدة ثم قرر إرسالها إلى وزارة المعارف لكي تتلافى هذه الأغلاط
وكذلك بحث المجمع في موضوع إصلاح الكتابة العربية وابتكار طريقة للكتابة تغني عن الشكل وتضمن النطق الصحيح فتألفت لذلك لجنة طلب إليها أن تواصل البحث والمراجعة وتعد نتائجها للدورة المقبلة
ومن قرارات المجمع في هذه الدورة الاتصال بأصحاب الآلات الكاتبة المشهورة والتفاهم معهم على وضع الرموز التي أقرها المجمع للأعلام الجغرافية بين حروفها، وطبع المصطلحات التي أقرها في العلوم والفنون والآداب في قوائم مستقلة على ترتيب معجمي تيسيراً لإذاعتها، والاتصال بالجهات الرسمية في الدول للحصول على القوائم الشاملة لأعلام البلاد كالجامعة العثمانية للحصول على أسماء بقاع الهند ومصلحة الصحراء للحصول على أسماء الأمكنة بين النيل والبحر الأحمر واتحاد البريد الدولي للحصول على دليل البريد الذي يصدره.
معاهد الأزهر واللغة الأجنبية
جاء في بريد الرسالة (242) وهي تتحدث عن اشتداد الرغبة في الأزهر ومعاهده والإقبال عليه - أنه (لوعني الزهر بتقرير دراسة لغة أو لغتين أجنبيتين في معهد أو معهدين من معاهده لسبق المدارس المدنية بألف شوط في مضمار الحياة)
وهذه مسألة ظاهرة الفائدة، وقضية واضحة اللزوم، وليس من حاجة إلى تجربتها في معهد أو معهدين من معاهد الأزهر، بل الواجب تعميمها في كافة المعاهد على أنها قد جربت في (كلية بيروت الشرعية) التي أقدم على إنشائها برغم الصعوبات والمعارضات وقلة الواردات سماحة مفتي لبنان الأستاذ الشيخ توفيق خالد، فكانت فائدتها جليلة جداً، إذ أصبح طلابها يستطيعون إذا شاءوا دخول فحوص البكالوريا العامة، كما أنهم يستطيعون أن يدخلوا في إحدى كليات الأزهر العالية، ثم إن كليتنا تدرس مقرر الأزهر الثانوي كاملا وتزيد عليه اللغة والآداب الفرنسية، وهي كما قال سعادة العشماوي بك وكيل وزارة المعارف المصرية في زيارته الأخيرة إياها في هذا الأسبوع: (ليست إلا معهداً من معاهد الأزهر) ويرى المدرسون في الأزهر الشريف خريجي هذه الكلية في العام المقبل إذا شاء الله
هذا هو الطريق الوسط الذي لا طريق غيره. فيا ليت هذا الطريق يكثر سالكوه، فينشأ أمثال هذه الكلية في الشام والعراق. ويا ليت المدارس المدنية تفي (أيضاً) بتدريس القرآن والعلوم الإسلامية. إن لم يكن ذاك لأنها دين لا بد منه فليكن تدريسها لأنها مواد علمية قيمة، وثقافة لا بد منها لكل رجل مهذب، وعالم متخصص
علي الطنطاوي
بين سابور وفالريان
جاء في مقال الأستاذ محمد عبد الله عنان (بين تيمورلنك وبايزيد) المنشور في العدد الأخير من الرسالة أن تيمورلنك وضع بايزيد بعد أسره في قفص من حديد كما فعل قيصر الروم مع سابور ملك الفرس
وهذا على النقيض مما وقع تماماً، غذ أن سابور الأول هو الذي أسر قيصر الروم الذي ظل في أسره إلى أن مات وذلك أن سابور بعد فترة هدوء بينه وبين الروم مدة أربعة عشر عاماً تقريباً - كان في خلالها منهمكاً في حروب مع أعدائه الطورانيين المتاخمين لحدوده الشرقية - رأى أن الفرصة مناسبة، بسبب اضطراب الحالة الداخلية في الإمبراطورية الرومانية، لاقتطاع بعض أجزائها المتاخمة لحدوده الغربية وضمها إلى رقعة ملكه الواسعة. فسار على رأس جيش كبير يرفرف عليه علم فارس المرصع وبدأ بمهاجمة المدينتين الحصينتين إدسا ونصيبين اللتين لم تلبثا أن وقعتا في قبضة يده
وكان قيصر الروم إذ ذاك هو الإمبراطور فالريان فهرع لملاقاة عدوه ومحاولة صد تياره الجارف ولكن بمناورة حربية بارعة تمكن سابور من وضع الإمبراطور في موضع لم يجد معه بداً من الاستسلام بجيشه بأسره لسابور الظافر
وبعد الانتهاء من فتوحاته التي اقترنت بالنار والدم عاد سابور إلى عاصمة ملكه حاملا معه أسيره الإمبراطوري الذي ظل في أسره إلى أن مات
ولا يعلم بالضبط مدى صحة الإشاعة التي تقول إن سابور كان يضع أسيره في قفص من حديد ولا يبعد أن يكون قد فعل ذلك زيادة في النكاية بالروم وإمعاناً في إهانتهم وإذلالهم، غير أن بعض المؤرخين يستبعد ذلك ويرجح أن سابور كان يعامل فالريان معاملة حسنة بل وكان يوليه شيئاً من الإكرام
أما بعد وفاة فالريان فالمحقق أن سابور أمر بنزع جلده وحفظه تخليداً لنصره الباهر على الروم ولإضافته إلى مفاخر فارس الحربية
وقد سجل سابور أيضاً هذا الحادث الفريد بنحته نحتاً بارزاً ضخماً على الصخر بالقرب من السابورية وهي المدينة التي أنشأها سابور وسماها باسمه، ففي هذا النحت نرى سابور ممتطياً صهوة جواده وقد ركع فالريان على الأرض أمامه ووقف خلف سابور عشرة فرسان يمثلون الجيش الفارسي الظافر، بينما اصطف خلف فالريان عدد من الجنود الرومانية يمثلون الجيش الروماني المأسور
هذه ملاحظة عنت لي لدى قراءة مقال الأستاذ عنان الشائق رأيت أن أسجلها خدمة - كالمعتاد - للحق والتاريخ
قارئ
النشاط المدرسي في المدارس المصرية
اقترح علماء التربية عطلة بعد الظهر في منتصف الأسبوع لإراحة المدرس والتلميذ على السواء ولتكون فترة استجمام وتجديد قوى الذهن لبقية أيام الأسبوع. . . وكان جميلاً جداً أن يطبق هذا النظام في مصر، فعطلت الدراسة بعد ظهر يوم الاثنين من كل أسبوع، وقد تحقق أثر هذه العطلة القصيرة، وبدا النشاط الذهني في المدارس عامة نتيجة له. . . ولكن سرعان ما انعكست الآية وضاعت الفائدة من هذه العطلة بتكليف الجماعات المدرسية بالحضور بعد ظهر يوم الاثنين إلى مدارسهم لتسخيرهم في ألوان من الأذى والإرهاق، يسمونها ألوان النشاط المدرسي. . . وهو نشاط أشبه بالركود، بل الموت! فهذه جماعة تعمل أشغالا من الأركت بعد الغداء بساعة أو ساعتين، وتلك أخرى تنشد أناشيد ميتة لا روح فيها، وثالثة اجتمعت للتفرج بكتب لا غناء فيها، ورابعة، وخامسة، والكل يشكو في سره إلى الله من هذا التكليف السخيف الذي أطار من خيرة التلاميذ عطلة بعد ظهر الاثنين التي أصبح التلميذ الغبي وحده هو الذي ينتفع بها. ولا ندري لم لا يخصص وقت للنشاط المدرسي في صلب جدول توزيع الحصص ليشترك فيه جميع التلاميذ، وليكون أجدى مما هو في شكله المرهق وأسلوبه السقيم؟
(معلم)
أول نشرة جوية في التاريخ
منذ مائة سنة (19 يناير سنة 1837) أصدر شاب إيرلندي يدعى بَتْرِك مارفي أول نشرة جوية عرفها التاريخ لسنة كاملة تنبأ فيها عن الحالة الجوية لأيام السنة يوماً فيوماً من حيث الحرارة والبرودة والمطر والزوابع. والعجيب في أمر هذا الشاب أنه لم يكن من علماء هذه الأبحاث المناخية، لكنه مع ذاك تنبأ في نشرته أن الحرارة ستنخفض إلى أدناها في يناير من ذاك العام، وحذر الناس بالفعل من العواقب الوخيمة التي ستنجم عن هذا الانقلاب المناخي المفاجئ. . . لكن الناس وفي مقدمتهم العلماء سخروا منه واستهزءوا به، فلما كان الأجل المضروب صدقت نبوءة مارفي إلى حد بعيد، فاشتد البرد وانخفضت درجة الحرارة في جهات شتى إلى 14 تحت الصفر (46 درجة تجميدية!) وبدأ الناس يموتون بالمئات في الشوارع والحقول، وأخذت القطط والكلاب تفنى بالآلاف كل يوم، وانفجرت مواسير المياه وأنابيب الغاز في أكثر المدن وتلفت المحصولات، ونفقت البهائم وعمت المصائب والويلات، وعجزت الحكومة عن مقاومة الكارثة وتخفيف آثارها. . . ولما خفت وطأة البرد اهرع الناس إلى (دكان) بترك مارفي ليشتروا نشرته، وأقبلوا من كل صوب يتلقفونها بثمنها (شلن ونصف) واشتد زحامهم حتى استدعى ذلك تدخل البوليس. . . وقد يعجب القارئ إذا عرف أن كل مطابع المدينة كانت تعمل ليل نهار في طبع الأعداد المطلوبة والتي انتشرت في أنحاء بريطانيا خاصة وأوربا عامة. . . ولم تمض سنوات حتى اصبح مارفي من أغنياء العالم وعلمائه على السواء
استراليا بعد 150 سنة من الاستعمار البريطاني
في 26 يناير الماضي أتم الاستعمار البريطاني لقارة استراليا سنته الخمسين بعد المائة، إذ يرجع تاريخ هذا الاستعمار العتيد إلى 26 يناير سنة 1788، حينما اقلع الفيس أميرال آرثر فيليب بجانب عظيم من الأسطول البريطاني لإنشاء ويلز الجديدة الجنوبية أولى المستعمرات الإنجليزية في هذه القارة الغنية الواسعة. هذا ويرجع الفضل في استكشافات استراليا إلى الكابتن كوك قبل هذا الاستعمار بسبعة عشر عاماً (1770). والشعب الأسترالي الذي هب هذا العام يحتفل بتلك الذكرى العظيمة هو شعب راق متمدين، لا يقل حضارة عن إنجلترا نفسها، وقد أنشأ مدناً جميلة آهلة بالسكان على الشاطئ الشرقي والجنوبي الشرقي من القارة لا تقل بهاءً عن أجمل المدن الأوربية. وهذا الشعب مولع (باليُوجَنّية) أي علم استحداث الأحياء الراقية من الأحياء الوضيعة. وقد أفلح في إيجاد الخيول الأسترالية القوية والخنازير السمينة والأغنام التي تمد العالم بنصف محصوله من الصوف النظيف الناصع، والأرانب التي تغمر فراؤها أسواق لندن وباريس. وقد نجحوا نجاحاً عجيباً في الانتخاب النباتي، فهذا قمحهم الجيد يغمر الأسواق وهذه فاكهتهم تباع في مصر بأرخص مما تباع فاكهة ممالك البحر الأبيض
والأستراليون أذكياء جداً، ولعل السبب في ذلك هو أن 90 % منهم أحفاد المجرمين وذوي السوابق من البريطانيين الذين نفوا من إنجلترا لاستعمار استراليا
الجريدة أم المجلة
مما تشكر عليه الجرائد المصرية إفرادها إحدى صحائفها للفنون والعلوم والآداب، وهذا خير ولا تثريب على جرائدنا فيه بيد أننا نلاحظ أن كثيرين من أدبائنا الجهابذة وعلمائنا الأجلاء يؤثرون الجرائد ببحثوث جليلة الفائدة في التاريخ والآداب والعلوم والفنون، قد لا ينتفع بها عامة القراء، وقد لا يلتفت إليها خاصتهم، وإذا راقت أحدهم وقراها فقد لا يستطيع الاحتفاظ بالصحيفة أكثر من يوم أو يومين، بله عاما أو عامين، ومن هنا تضيع قيمة البحث وتندثر فائدته، ولو قد نشر في مجلة من مجلات مصر المحترمة لوجد طائفة كبيرة من خاصة القراء تعرف له قيمته وتحتفظ به إلى ما شاء الله. وأمثال هذه البحوث كثيرة، وقد قرأنا منذ حين بحثاً جليلاً في تحقيق أسماء المدن الأسبانية وآخر في أصول الأدب المصري القديم، وثالثاً في تاريخ الكتابة الهيروغليفية. . الخ. . . فأين هي هذه البحوث اليوم؟!
(د. خ)