مجلة الرسالة/العدد 239/في المهرجان الملكي
→ أناشيد صوفية | مجلة الرسالة - العدد 239 في المهرجان الملكي [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 31 - 01 - 1938 |
هنيئاً لك اليوم السعيد!!
للأستاذ علي الجارم بك
صفا ورده عذباً، وطابت مناهله ... وجلَّت يد الدهر الذي عز نائله
وأقبل منقاد العنان مذللاً ... تطامن متناه، ودانت صوائله
يطأطيء للفاروق رأساً وتنحني ... أمام سنا الملْك المهيب كواهله
تلفت في الآفاق شرقاً ومغرباً ... فلم ير في أنحائها من يمائله
رآى ما رآى! لم يلق عزماً كعزمه - تقد مواضيه، وتفرى مناصله
يذوب مضاء السيف عند مضائه ... فما هو إلا غمده وحمائله
إذا ما انتضاه فالسعود أعنة ... إلى ما يرجى، والليالي رواحله
رأى طلعة لو أن للبدر مثلها ... لما انحدرت دون النجوم منازله
عليها شعاع لو رمي حائل الدجى ... لفاخر وجه الصبح في الحسن حائله
تراها فتغضي للجلال، وربما ... تشوف لحظ العين لو جال جائله
هو الشمس يدنو في الظهيرة ضوءها ... ويصعب مرآها على من يحاوله
هو الروض، أو أزهى من الروض نضرة ... إذا داعبت وجه الربيع خمائله
هو الأمل البسام، رف جناحه ... فطارت به من كل قلب بلابله
هو الكوكب اللماح، يسطع بالمنى ... وتنطق بالغيث العميم مخايله
ترى بسمة الآمال في بسماته ... وتلمح سر النبل حين تقابله
شباب كما يصفو اللجين، كأنما ... تملأ من ماء الفراديس ناهله
يفديه غصن الدوح ريان ناضراً ... إذا اهتز في كف النسائم مائله
تطلع رمح الخط يبغي اعتداله ... فعاد حسيراً ينكت الأرض ذابله
ومن أين للرمح المثقف عزمه ... ومن أن للرمح الطويل طوائله؟
إذا حفّزته الحادثات رأيته ... وقد شك أحشاء الحوادث عامله
علاء تحدَّى الدهر في بُعد شأوه ... فمن ذا يدانيه؟ ومن ذا يفاضله؟
ورأيٌ كأنفاس الصباح وقد بدا ... تشف مجاليه، وتهفو غلائ وخلق كمخضل النسيم بروضة ... ذوائبه نفَّاحة وجدائله
يمس جبين النيل في رفق عاشق ... وتفتح أكمام الزهور مساحله
دعوت إليك الشعر فانقاد صعبه ... وقد كان قبل اليوم شُمساً جوافله
وما كدت أدعو الوحي حتى سمعته ... تبادهني آياته ورسائله
خيال إذا أرسلتُهُ إثرَ نافر ... أتت بأعز الآبدات حبائله
ولفظ كوجه الروض في ميعة الضحى ... وقد صدحت فوق الغصون عنادله
إذا قلته ألقى عطارد سمعه ... وساءل شمس الأفق من هو قائله
وإن سارت الربح الهبوب بجرسه ... فآخر أكناف الوجود مراحله
إذا ذكر الفاروق فاض معينه ... وثجت قوافيه، وعبَّت حوافله
يقول وما لي حين أكتب قوله ... من الفضل شيء أني ناقله
رأى ملكاً يحيا القريض بوصفه ... فضائله جلت، وعمت قواضله
رأى ملكاً يزهى به الدين والتقى ... شمائل أملاك السماء شمائله
رأى ملكاً كالنيل، أما عطاؤه ... فغمر، وأما المكرمات فساحله
فغرد بالأجواء باسمك طيره ... وردد في الآفاق ذكرك هادله
وصاغت لك التبر المصفى فنونه ... وحاكت لك البرد الموشى أنامله
ولم يبق من نسج السحائب زهرة ... ترف ندى إلا حوتها فواصله
وصب شعاع الشمس تاج مهابة ... لمن توَّجته بالفخار فضائله
وفك رموز السحر من أرض بابل ... لأجلك حتى استنجدت بك بابله
أعدت له عهد الرشيد فأسرعت ... إلى سدة الفاروق تشدو بلابله
وما أنت في الأملاك إلا قصيده ... تفاعليها البر الذي أنت فاعله
يهب طريح الشعر في دولة النهى ... وتلهم أسرار البيان مقاوله
حملت له الريحان يوم زفافه ... نضير الحواشي ينشر المسك خاضله
أزاحم للفاروق حشداً كأنه ... خضم من الأمواج، ضاقت سبائله
يغطى أديم الأرض عز اختراقه ... وسدت على أقوى الرجال مداخله
إذا أنت لم تعرف مدة أخرياته ... فسل طرفك المحدود أبن أوائله حملت له لريحان، أرفع معصمي ... إلى الملك الفرد الذي فاز آمله
وقد ملأ الأنس الوجوه فأشرقت ... من البشر حتى كاد يقطر سائله
طلعت على الجمع الحفيل بموكب ... يبادلك الشعب المنى، وتبادله
مواكب لم يعرف لرمسيس مثلها ... ولا خطرت في مثلهن قنابله
يحيط بها عز المليك ومجده ... وتزحمها فرسانه وصواهله
إذا امتلك الحب النفوس هفت له ... سراعاً، وأعطفت فوق ما هو سائله
رأوك فعالوا بالهتاف كأنما ... ينافس ند نده ويساجله
كأنهم جيش الغمائم أرقت ... رواعده جفن الدجى وزواجله
فلا عين إلا وهي ترتقب المنى ... ولا صدر إلا فارح القلب جاذله
وقد رفعت أعلام مصر خوافقاً ... يغازلها من الصبا وتغازله
فإن كل من عين، فإنك نورها ... وإن كان من قلب، فانك آهله
وإن كان من دهر فأنت نعيمه ... وإن كان من فضل، فانك باذله
رأى فيك هذا الشعب آماله التي ... تمنى على الأيام وهي تماطله
أحبك حتى صار حبك روحه ... ونور أمانيه الذي لا يزايله
فمن شاء برهاناً على صادق الهوى ... فتلك الجموع الزاخرات دلائله
نثرت بذور الحب في كل مهجة ... وتلك التي تهفو إليك سنابله
حياتك يا فاروق للدين عصمة ... وأعمالك الغر الجسام معاقله
منابره تهتز باسمك فوقها ... وتلتف من شوق عليك محافله
تعفر بالترب الجبين الذي عنا ... له الشرق وانقادت إليه جحافله
له لمعات المشرقي ازدهت به ... على كل أبناء الغمود صياقله
لياليك أقمار الزمان وسعده ... وأيامك البيض الحسان أصائله
قد اختارك الرحمن موضع فضله ... إذا عز موصول فقد جل واصله
هنيئاً لك اليوم السعيد الذي زها ... على الدهر لما لم يجد ما يشاكله
يذكرنا المأمون يوم زفافه ... وقد مشت الدنيا إليه تجامله
وسال به سيل النضار كأنما ... تفجر من بين السحائب وابله وأين من المأمون أو من زفافه ... جلالة ملك أعجزت من يطاوله؟
أبى الدهر أن يلقى ليومك ثانياً ... يقاربه في نبله أو يعادله
تخيرت من وادري الكنانة زهرة ... تتيه بها جناته وظلائله
فريدة مجد، يعرف المجد قدرها ... وتزهى بها يوم الفخار عقائله
ودرة خدر أقسم الخدر أنه ... على مثلها لم تُلق يوماً سدائله
يتيه بها ضافي الشباب ونضره ... وتسمو حواليه بها، وعواطله
تخيرتها فوق السحاب مكانة ... وأصفى من الماء الذي هو حامله
حباها إله العرش أكبر نعمة ... فجلت أياديه، وعمت جلائله
فعش في رفاء بالبنين ممتعاً ... يضيء بك الوادي، ويخضر ماحله
ودم لبني مصر أماناً ورحمة ... فأنت حمى النيل الوفي، وعاهله
علي الجارم