مجلة الرسالة/العدد 236/البريد الأدبي
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 236 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 10 - 01 - 1938 |
متى تستقر نظم الدراسة في مصر؟
أشرنا في هذا المكان من قبل إلى المشروعات الجامعية الجديدة التي وضعتها وزارة المعارف لتعديل نظم الدراسة في الجامعة المصرية، ومنها مشروع يقضي بتخفيض مدة الدراسة في كلية الحقوق وإنشاء قسم جديد للتخصص (الدكتوراه)؛ وكان هذا التعديل مقدمة لمشروع شامل يتناول نظم الدراسة في جميع كليات الجامعة المصرية. فالآن نقول إن النية قد اتجهت إلى إلغاء هذه التعديلات كلها؛ وقد قيل في ذلك إن القوانين الجديدة قد وضعت بسرعة ودون تمحيص، ولم يؤخذ في شأنها رأي مجالس الكليات المختصة، وإن تعديل دستور الجامعة هو قبل كل شيء من شئون الجامعة ذاتها. وهذا كلام منطقي ومعقول؛ ولكن وراء ذلك كله حقيقة يجب أن تقدر قدرها، وهو أن هذا التعديل والإلغاء طوراً بعد طور سياسة خطرة على التعليم الجامعي فضلاً عن التعليم العام، وأنه يجب أن يوضع حد نهائي لهذه الثورات الفجائية في نظم التعليم الأساسية. ذلك أن هذه النظم مسألة قومية عامة يجب ألا تتغير بتغير الوزارات. وقد عانى التعليم وعانت الجامعة المصرية في عشرة الأعوام الأخيرة كثيراً من جراء هذه السياسة التعليمية المضطربة. وإذا كانت نظم التعليم لم تستقر بعد فإنه يحسن أن تبحث في روية وتمحيص، ثم توضع على أسس قومية ثابتة بعيدة عن العواصف والنزعات المختلفة. أما تلك التعديلات الفجائية السريعة التي أكثر ما يقصد بها تخفيف أعباء الدراسة عن جيل متبرم من الطلبة فهي خطر كبير على مستوى التعليم ومستقبل الجيل
الإسلام وكيف يعرضه كاتب تركي
كان الجنرال محمود مختار كترجيوغلو، أحد ساسة تركيا قبل الحرب قد وضع كتاباً عن القرآن وتعاليم الإسلام يعرض فيه ما يتفق مع المبادئ الحديثة من أصول الإسلام؛ وظهر هذا المؤلف بالألمانية ضمن مجموعة الكتب الشرقية بعنوان: (العالم الإسلامي على ضوء القرآن والحديث) وفي سنة 1935 ظهرت ترجمة فرنسية لهذا المؤلف بعنوان (حكمة القرآن) وبها تصدير بقلم المستشرق المعروف الأستاذ ماسنيون الأستاذ في الكوليج ده فرانس؛ وظهرت أخيراً ترجمة إنكليزية لهذه الترجمة الفرنسية بعنوان: (حكمة القرآن) بقلم المستر جون نايش
وفي هذا الكتاب عرض لأصول الإسلام مستقاة من القرآن والحديث؛ ولكن على نمط جديد. ذلك أن المؤلف كما يبدو في مقدمته متأثر جداً بوجهة النظر الغربية ومطاعن الغرب في القرآن وأصول الإسلام. وهو يزعم أولاً أن القرآن لم يكن كتاباً منزلاً، وإنما هو من صنع النبي وصحبه؛ ثم يعرض مبادئ الإسلام وتعاليمه بصورة يحاول بها إخراج هذه المبادئ والتعاليم عن حقيقتها الإسلامية المعروفة؛ ويحاول أن يقرب بينها وبين بعض المبادئ والنظريات الغربية. وهو بهذه الصورة يعتبر في الواقع من الكتب الطاعنة في الإسلام. ومن بواعث الأسف أن يكون مؤلف هذا الكتاب تركياً مسلماً من رجال تركيا القديمة التي اشتهرت بالتمسك بأصول الإسلام. ولو صدر من أحد الدعاة الكماليين لما كان في صدوره ما يلفت النظر، لأن تركيا الكمالية دولة لا دينية. وعلى أي حال فلعل الجهات ذات الشأن تعنى ببحث هذا الكتاب الإلحادي لترى ما إذا كان يسمح بتداوله في بلد إسلامي كمصر.
(م)
إلى الدكتور زكي مبارك
يا أخي العزيز
قرأت رسالتك إلى الأستاذ الزيات؛ ولقد سرني والله أن تعنى وأنت في العراق بدفع تهمة العقوق عن أدباء مصر، وإنها لعاطفة وطنية نبيلة أعرف كل العرفان ما يدفعك إليها وأنت بعيد. ولقد كنت أتمنى لو كان دفاعك إلى جانب الحق لأدع لك أن تزهى وتستطيل بين أدباء بغداد ما شئت أن تزهى وتستطيل. ولكني لا أريد أن أظلم الحقيقة يا صديقي في سبيل رضاك. وبرغمي أن أصر على اتهام الأدباء المصريين بهذه التهمة السوداء!. . . وإلا فهل ترى العربية قد وفت دينها للرافعي لأنك والأستاذ المازني قد كتبتما مقالين في رثاء الرافعي غداة منعاه؛ ولأن طائفة كريمة من الأدباء لم تكن بينهم وبين الرافعي خصومة، قد نشروا في الرسالة مقالات في رثاء الرافعي؟
ما أهون شأن الرافعي وأهون بأدباء مصر جميعاً إن كان إلى هذا ينتهي عندهم واجب الوفاء للراحل الذي عاش في خدمة العربية وآدابها خمساً وثلاثين سنة من عمر التاريخ، كلها جهاد ونشاط ودأب، ومات ولم يجاوز السابعة والخمسين. . .!
وتغضب يا صديقي لأني أضفتك إلى خصوم الرافعي في التعداد والإحصاء مع أن الخصومة لم تنشب بينكما غير خمس مرات؛ فمعذرة إليك أيها الصديق من هذه التهمة الباطلة لأن الخصومة لم تنشب بينكما غير خمس مرات. . . على أن لي رجاءً إلى الله - أيها الصديق - أن يكون هذا الحرص الشديد على نفي ما كان بينك وبين الرافعي من خصومة، عاطفة صادقة ورأياً صريحاً؛ فإن شيطاناً تعرفه يهمس في أذني بأنك لم تكن لتحرص كل هذا الحرص إلا زلفى إلى أدباء العراق لأن هواهم مع الرافعي
وبعد فوالله ما كان لي أن أزعم التفرد بذكرى الرافعي ولا قلتها، ولو قلتها لما كذبت؛ ولوددت والله أن أكون آخر من يذكر في الكاتبين عن ذكرى الرافعي ولا أشهد في أدباء مصر هذا العقوق!
أما (فلانة) فخل عنك حديثها يا صاحبي، فما أظنك كنت تنتظر أن تقول لك وأنت تجلس معها جنباً إلى جنب في الجامعة: (إن بيني وبين الرافعي لشأناً مما يكون بين الرجال والنساء!)
على أني قد حددت ما كان بينها وبين الرافعي بزمانه، بين سنتي 1923، 1924، وما كان بينك وبينها يومئذ شيء ولا كانت تجلس إليك؛ لأنها كانت قد زهدت في دروس الجامعة قبل ذلك بسنوات وانقطع الود الذي كان وتجافى جنب عن جنب. . .!
فإن كنت ما تزال تنكر ما رويت من خبرها وخبر الرافعي بعد هذا فالتمس العلم عند غيري، فستجد كثيراً من أصدقائك الذين تثق بهم يعرف من خبرها ومن خبره ما أعلم وما رويت؛ وما كنت شاهد مجلسهما فأروي عن عيان، ولكنه من حديث الرافعي تحدث به إلي وتحدث إلى كثير؛ وعند الدكتور محمد الرافعي من رسائلها إلى أبيه يخطها ما يشهد لي ويحسم كل خلاف
وتزعم أنني حاولت إيهام قرائي بأن الرافعي قد كسب المعركة بينه وبين الدكتور طه حسين. فليكن هذا الزعم صحيحاً يا صديقي فلا علي منه؛ ون وقائع الدعوى لمبسوطة أما الأدباء يحكم فيها من يشاء بما يشاء؛ وليس يهمني أن يكون الحكم للرافعي أو عليه مادمت أكتب للتاريخ
أما بعد فأين هي الأخطاء التي تراها في هذه المقالات؟ وما أصبرك عليها يا سيدي وللتاريخ حق عليك وللعربية حق؟
إنه واجب أؤديه غير مأجور عليه من أحد إلا وفاء لصديق أحللته من نفسي وأحلني من نفسه، ووفاءً للتاريخ؛ فإن كان فيما أكتب عنه شيء تراه إلى الخطأ فإن للعلم أمانة عندك لا يقيلك منها شفيع الزمالك ومصر الجديدة. . . وإنه ليسرني أن يكون الدكتور زكي مبارك هو الذي يحاول تصحيح أخطائي وبيني وبينه ما بين القاهرة وبغداد؛ ولكن احرص يا صديقي على أمانة العلم. ولا تكن أخطائي عندك من مثل ما قدمت: دعوى بلا بينة، وإلا فراحة لك أولى وأنا عذيرك
والسلام عليك ورحمة الله
(شبرا)
محمد سعيد العريان
من أوراق البردي المصرية
كتب العلامة الأثري الدكتور فريدمان، لمناسبة ما قرره مؤتمر الأوراق البردية من الانعقاد في مدينة فينا لسنة 1939، يصف مجموعة أوراق البردي المصرية والعربية القديمة التي تحتفظ بها المكتبة الوطنية النمسوية ويقول إن هذه المجموعة هي الثانية في العالم من حيث كميتها وقيمتها الأثرية، وإنها حملت من مصر إلى النمسا في أواخر القرن الماضي، واشتراها الأرشيدوق رينر ثم وهبها بعد ذلك للمكتبة الوطنية. ومن أنفس أوراق هذه المجموعة وثيقة ترجع إلى نحو ثلاثة آلاف عام، وهي وثيقة زواج تعس تبسط فيها الزوجة، واسمها أرتميزا، قصة شقائها وبؤسها، وهي يونانية تزوجت في مصر، ثم أساء زوجها معاملتها فكتبت قصتها وشفعتها بالدعاء بلعنه. وكان المعتقد في ذلك العصر أن مثل هذه اللعنة تلحق المذنب مادامت محفوظة في أحد المعابد المقدسة، وهو نوع من السحر الأسود كان ذائعاً في العصور القديمة. ثم وثيقة عربية كتبت على البردي وترجع إلى القرن الأول الميلادي وموضوعها كتاب غرام بعث به عاشق إلى حبيبته، وجملته حمامة من الحمام الزاجل إلى حيث توجد المحبوبة، وعدة كتب فرعونية من كتب الموتى وغيرها. وستعرض هذه المجموعة لأنظار العلماء حينما ينعقد مؤتمر أوراق البردي الثاني. ومن المعروف أن هذا المؤتمر قد اعرف بوجود علم جديد يسمى (علم الوثائق البردية) أو البابيرولوجيا
مغامرة علماء في القطب الشمالي
نذكر أن بعثة جوية من العلماء الروس كانت قد طارت منذ أشهر إلى القطب الشمالي، ونزلت هنالك على بسيط من الجليد وأقامت منازل من المطاط لإقامتها، وكانت الطائرات السوفيتية تمونها بما تحتاج إليه من الأغذية والشحم؛ ولكن حدث بعد أسابيع من إقامتها في هذا الجليد النائي أن انفصلت الكتلة الثلجية التي تعيش فوقها وذلك في شهر مايو الماضي وأخذت تسبح ببطء نحو الجنوب؛ وعليها من علماء البعثة الأساتذة بابانين وكرنكيل وشرشوف وفيدروف ومنازلهم وأدواتهم العلمية، وبذلت من ذلك الحين عدة محاولات لإنقاذهم من هذا المأزق دون جدوى، فاكتفت السلطات بتموينهم من الجو. وأخيراً صرح الأستاذ أوتوشميدت رئيس البعثة، وكان قد عاد إلى موسكو قبل انفصال الجليد، أنه لم يبق خطر على البعثة، لأن الكتلة الثلجية التي تعيش عليها تسير في طريقها جنوباً، وقد تصل إلى جزيرة الأرض الخضراء في شهر أبريل أو مايو، ويفصل بين القطب الشمالي وساحل الجزيرة الخضراء الشمالي الشرقي مسافة شاسعة قطعت بها إلى الآن كتلة الجليد نحو ألف وخمسمائة كيلومتر منذ 21 مايو الماضي، وهي تسير بسرعة ستة كيلومترات في اليوم. والكتلة الثلجية صلبة جداً وعمقها ثلاثة مترات ومساحتها كيلومترين. وتستعد الحكومة السوفيتية لأن ترسل إلى الأرض الخضراء سفينة الجليد (مورمانتز) لتختبر حالة الثلوج وتتصل بالعلماء المحصورين بالراديو، وتهيئ مطاراً في جزيرة رودلف القريبة من مكان الحادث
اقتراح
سيتحدث كثير من العلماء والأدباء عن الأزهر وتاريخه وشئونه بمناسبة عيده الألفي؛ وسنعلم عنه كثيراً فوق ما نعلم اليوم، على حين أن هناك معاهد عظيمة لا تقل عن الأزهر في أمجادها وعظمتها وخدمتها للعلم والإسلام لا نعلم عنها شيئاً، كجامع القرويين في فاس، وجامع الزيتونة في تونس، وجامع النجف في العراق، على حاجتنا الماسة إلى معرفة طرق التدريس فيها وأوضاعها وأحوال طلابها ومدرسيها، لأننا في مطلع نهضة عامة وتعارف بين الأقطار الإسلامية، ولا يتم التعارف إلا إذا بدأ من المدارس والجوامع مصانع الرجال ومعامل المستقبل. فهل يتطوع بعض الأدباء من إخواننا الفاسيين، أو التونسيين، أو النجفيين، ممن له وقوف على سير هذه المعاهد وأوضاعها فينشر فصولاً مختصرة في الرسالة يبين فيها تاريخ هذه المعاهد، والأدوار التي مرت عليها، وطبقات الطلاب والمدرسين فيها، والكتب المقررة، وأصول الدرس فيها، فيخدم بذلك التاريخ والعلم والنهضة الجديدة؟
(بيروت)
علي الطنطاوي