مجلة الرسالة/العدد 232/حرق الميت
→ القلب الغريب | مجلة الرسالة - العدد 232 حرق الميت [[مؤلف:|]] |
فلسفة التربية كما يراها فلاسفة الغرب ← |
بتاريخ: 13 - 12 - 1937 |
العرب أول من أعلن (بقاء المادة)
لأستاذ جليل
وصى (مكدونالد) الإنجليزي الاسكتلندي من رؤساء الوزراء السابقين في بلاد البريطانيين قومه أن يحرقوه إذا هلك فاحرقوه في هذا اليوم. وحرق الميت طريقة هندية برهمية، وقد زينها (المعري) في (اللزوميات) للناس فقال الخبيث - جزاء الله جزاءه -:
فاعجب لتحريق أهل الهند ميتهم ... وذاك أروح من طول التباريح
إن حرقوه فما يخشون من ضبع ... تسري إليه ولا خفيٍ وتطريح
والنار أطيب من كافور ميتنا ... غبا وأَذهب للنكراء والريح
ومن اجل هذا وغيره اتهم الرجل بالتبرهم، ففي (لسان الميزان) لابن حجر: (من عجيب رأى أبي العلاء تركه كل مأكول ل لا تنبته الأرض شفقة على الحيوانات حتى نسب إلى التبرهم)
والبرهمي يتقرب بالحريق إلى الله. وقد يحرق بعضهم نفسه (جسمه) بنفسه وهو حي متفنناً في إحراقه، فقد قال (البديع) في إحدى رسائله:
(وربما عمد أحدهم - يعنى الهنود - فاتخذ لرأسه من الطين إكليلا، ثم قور قحفه فحشاه فتيلاً، ثم أضرم في الفتيل ناراً ولم يتأوه، والنار تحطمه عضواً فعضواً)
وغير البرهمي إنما يفر بالحرق من الله - وهل من الله (ياغر) مفر - ففي (الفائق) للزمخشري: (أن رجلاً رغسه الله مالاً وولداً حتى ذهب عصر وجاء عصر، فلما حضرته الوفاة قال: أي بني، أيَّ أب كنت لكم؟
قالوا: خير أب
قال: فهل انتم مطيعي؟
قالوا: نعم
قال: إذا مت فحرقوني حتى تدعوني فحما، ثم اهرسوني بالمهراس، ثم أذروني في الب في يوم ريح، لعلي أضل الله
وهيهات أن يضل الله، أن يفوت الله هارب من عذابه (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون)
وهيهات أن يضمحل في الوجود شئ؛ إن (الكتاب) يقول: (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً، إن الله على كل شيء قدير) (يا بني إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير) والعلم العربي قد أعلن (بقاء المادة) ونادى أن لا تلاشي للأشياء. قال عبد الحميد بن هبة الله في كتاب شرحه لنهج البلاغة: (إنا نرى الحيوانات الميتة إذا دفنت في الأرض تتقص أجسامها وكذلك الأشجار المدفونة في الأرض؛ على أن التحقيق أن المحترق بالنار والبالي بالتراب لم تعدم اجزاؤه، وإنما استحالت إلى صور أخرى)
ذلك قول الله، وقوله الحق. وهذا قول العلم العربي المثبت بالعلم الغربي فلن يضل الله محروق أو غريق أو مفرفر في الغيل مأكول، ولن يضيع في العالم ضائع ولن يعدم في الوجود كائن. إن الطبيعة خزانة الله حافظة أمينة (وكان الله بكل شيء محيطا)
(فويل للذين ظلموا من عذاب يوم اليم)
الإسكندرية
(* * *)