الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 226/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 226/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 226
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 01 - 11 - 1937


قضية صحفية خطيرة

قرأنا في البريد الإنكليزي الأخير تفاصيل قضية أدبية خطيرة ظهرت فيها شدة القانون الإنكليزي على اللغة القاذفة وأساليب الجدل المستهجنة؛ فقد نشرت جريدة (أكشن) وهي جريدة حديثة تناصر المبادئ الفاشية مقالاً حملت فيه بشدة على جريدة (الديلي تلغراف) الشهيرة، فنسبت إليها أنها واقعة تحت نفوذ جماعة من الماليين والدوليين، وأنها تعمل لخراب البلاد والإمبراطورية البريطانية وتمكين نفوذ العصبة الدولية من ناصية السياسة البريطانية؛ وتناولت في مطاعنها اللورد كمروز صاحب الديلي تلغراف، فذكرت أنه ينتمي إلى أصل يهودي، وأنه بهذه الصفة يخصص جريدته لمناصرة اليهودية الدولية والمالية العليا. فرفعت الديلي تلغراف وصاحبها الأمر إلى القضاء وطلبا تعويضاً ضخماً عن هذا القذف المزدوج. وللصحافة الإنكليزية تقاليد سامية في الأساليب الكتابية وفي المناقشات الحزبية تجعل مثل هذه المطاعن خارجة عن كل ما تبرره الخصومة السياسية من صنوف الجدل. والقانون الإنكليزي صارم جداً في مثل هذه المواطن التي تساق فيها الأقلام إلى القذف المثير؛ ومن ثم فقد حكم القضاء للورد كمروز ولجريدة الديلي تلغراف بتعويض قدره عشرون ألفاً من الجنيهات على الجريدة الفاشية وأصحابها وناشريها، من ذلك مبلغ 500ر12 جنيه للورد كمروز نفسه، والباقي لشركة جريدة الديلي تلغراف. وقد كان لهذه القضية الأدبية وتطوراتها صدى عميق في جميع دوائر الصحافة والأدب

والذين يقرءون الصحف الإنكليزية يعجبون حقاً بأساليبها الرفيعة في المناقشات الحزبية وجميع ضروب الجدل الأخرى، ويقدرون ما تمتاز به من الأدب الجم والتعفف عن المطاعن الشخصية المحضة؛ فالصحافة الإنكليزية مثل أعلى في هذه الناحية، ومن ثم كانت صرامة القضاء الإنكليزي في الحكم على كل ما يعتبر خروجاً على هذا المبدأ السامي

أرقام عن معرض باريس

نشرت الصحف الفرنسية أخيراً بعض إحصاءات عن معرض باريس تبين سير الأحوال السياحية التي ترتبت على قيام المعرض؛ فمن ذلك أن عدد الذين استفادوا من التذاكر المخفضة لزيارة المعرض بلغ حتى شهر سبتمبر سبعة ملايين، وزار المعرض في يوم واحد من أيام سبتمبر نحو أربعمائة ألف زائر، فكان هذا رقماً قياسياً لم يسبق تسجيله في أي معرض دولي سابق؛ وزار قصر اللوفر حتى سبتمبر 759 ألفاً، وزار قصر فرساي مليون و744 ألفاً في حين أن زوار فرساي في مثل هذا الفصل لا يزيدون عادة على ربع مليون؛ وصعد إلى سطح قوس النصر في هذا الفصل مليون و750 ألفاً في حين أن هذا العدد لم يبلغ في مثل هذه المدة في العام الماضي أكثر من 369 ألفاً؛ وزادت نسب السفر في خطوط الملاحة المفضية إلى الثغور الفرنسية من 19 إلى 227 في المائة حسب الخطوط، وزادت النسبة في خطوط البحر الأبيض وحدها 66 في المائة؛ واستهلكت باريس في شهري يوليه وأغسطس نحو مليون ونصف كيلو من اللحم؛ وزادت إيرادات المسارح الباريزية منذ افتتاح المعرض أربعين مليون فرنك، وهي زيادة لم تعرفها من قبل قط

على أن معظم الخبراء يرون هذه الأرقام بعيدة عن تحقيق ما كان معقوداً على قيام المعرض من الآمال؛ فقد كانوا يقدرون مثلاً أن يزور المعرض منذ افتتاحه حتى شهر أكتوبر عشرون مليوناً، والآن لا يمكن أن يبلغ عدد الزائرين أكثر من نصف هذا العدد؛ وكان المظنون أن تكاليف المعرض يمكن تحقيقها في المدة التي قررت لافتتاحه أي حتى آخر نوفمبر، ولكن إدارة المعرض منيت في ذلك الأمل بصدمة عنيفة؛ ولذلك يرجح أن تقرر الحكومة الفرنسية امتداد المعرض خلال العام القادم. ويقال إنها قد بدأت فعلاً بمفاوضة الدول الكبرى للموافقة على إبقاء معروضاتها، والمنتظر أن يتم التفاهم على ذلك في المستقبل القريب، ثم تذيع الحكومة الفرنسية قرار الامتداد قبل نهاية شهر نوفمبر الآتي

كتاب جديد عن كرمويل

يعتبر الإنكليز أن الطاغية الوحيد الذي تولى الحكم في تاريخ إنكلترا هو أوليفر كرمويل زعيم الثورة الإنكليزية الدستورية التي انتهت بإعدام الملك شارل الأول؛ وقد صدر أخيراً كتاب عن حياة كرمويل وأعماله بقلم المؤرخ الإنكليزي موريس آشلي عنوانه (أوليفر كرمويل، الطاغية المحافظ) وقد كان حرياً بمؤلف مثل هذا الكتاب أن يتأثر في تصويره للطاغية الإنكليزي بروح الطغيان المعاصر، وأن يحاول المقارنة بينه وبين الطغاة المعاصرين من حيث الغايات والأساليب. ولكن الأستاذ آشلي لم يحاول هذه المقارنة، ذلك لأنه يعتبر كرمويل بعيداً عن هذا الجو، ويعتبره طاغية محافظاً بالغريزة، يؤيد سلطانه بهيبته وماضيه. ويعرض لنا الأستاذ آشلي تاريخ كرمويل بإسهاب، ولاسيما في الفترة القصيرة التي تلت إعدام الملك شارل الأول، ويحلل أساليبه في الحكم وسياسته الخارجية والمالية والدينية والاجتماعية بدقة وبروح من الإنصاف المدهش؛ ويقول لنا إن كرمويل كان إدارياً بعيد النظر لم تذهب روعة الطغيان بحسن تقديره ولم تؤثر في وسائله؛ وإذا كان كرمويل لم يبد كل ما كان يريد من التسامح الديني فذلك لأنه غلب على أمره في هذه الناحية فقط، ولم يستطع أن يحتفظ بكامل حريته. ولقد كان كرمويل في الوقت نفسه دستورياً يدعو البرلمان ويحافظ على سلطانه، ولكن الجيش كان هنالك يملي إرادته. ويؤيد الأستاذ آشلي نظريته في أن كرمويل كان محافظاً بكثير من أقوال كرمويل في خطبه ورسائله، ويقول لنا إن كرمويل كان يواجه جميع المسائل بنفس الروح التي يواجه به المسائل العسكرية؛ فإذا كان النظام الذي شاده كرمويل لم يعمل طويلاً بل انهار عند موته، فذلك لأنه لم يكن متفقاً مع روح التقاليد الإنكليزية، ولكنه مع ذلك كان نظاماً جديراً بالتقدير والاحترام

وقد لقي كتاب الأستاذ آشلي كثيراً من التقدير في دوائر النقد والتاريخ، واعتبر من أحسن الكتب التي صدرت في هذا الموضوع

مترسة

اطلعت على سؤال الأديب المهذب السيد (أحمد العربي) - لله هذا الاسم! - وهذا ما أقوله:

التفسير الحق للذريعة هو ما جاء في (لسان العرب):

(الذريعة مثل الدريئة جمل يُختل بها الصيد، يمشي الصياد إلى جنبه فيستتر به، ويرمي الصيد إذا أمكنه، وذلك الجمل يسير أولاً مع الوحش حتى يألفه؛ والذريعة السبب إلى الشيء وأصله من ذلك الجمل) وفي (الأساس): (ومن المجاز: فلان ذريعتي إلى فلان، وقد تذرعت به إليه)

فـ (الذريعة) هي ذريعة ختل لرمي الصيد، لا طريقة وقاية من شر أو كيد. فلن تلاقي - وذلك معناها - الكلمة الفرنسية

وهناك كلمة قيلت لها منذ مدة طويلة هي (المترسة) ولم يجد الناقلون ما يضارعها، دع عنك ما يفضلها، وأنا لا أنفر منها، ففي (المخصص والمصباح والقاموس): (كل ما تترست به فهو مترسة لك) وفي شرح القاموس (ضبطه بكسر الميم)

فهذه العربية لتلك الفرنجية، و (تترسوا بالمتارس) للجملة الفرنسية ولكل حرب عدة وعدد، ولكل قتال مترسة ومتارس

الإسكندرية

(* * *)

جهود الفنانين في مصر الحديثة

يسر لجنة تخليد عظماء مصر بجمعية هواة الفنون الجميلة بالإسكندرية أن تعلن أنها تستعد بعونه تعالى لإخراج مطبوع ضخم يضم بين دفتيه أشهر آثار الفنانين المعاصرين في مصر الحديثة مع فذلكات خاصة عن تواريخهم ومجهوداتهم الفنية وكلمات تفسر أعمالهم وتنقدها ومقدمة مع بيان موجز عن أثر الفنان المصري القديم بقلم عظيم قدير

واللجنة ترجو من حضراة الهواة والفنانين أن يعاونوها في تحقيق مهمتها الفنية الجليلة

ولزيادة العلم عن المشروع يُرجع إلى مدير الجمعية الأستاذ حسن كامل شارع الوراق رقم 13 بميدان المحطة

جائزة نوبل للسلام

تبحث الآن اللجنة المختصة بجامعة ستوكهلم في ترشيح من يصلح للحصول على جائزة نوبل للسلام هذا العام. وجائزة السلام قدرها نحو عشرة آلاف جنيه تمنح كل عام لإحدى الشخصيات التي خدمت السلام في أي ناحية من النواحي. وقد ظفر بها من قبل عدة من أقطاب السياسة العالمية مثل أرستيد بريان رئيس الوزارة الفرنسية الأسبق، والدكتور شتريزن وزير الخارجية الألمانية السابق؛ وظفر بها عدة من الكتاب السلميين مثل السير نورمان انجيل الكاتب الإنكليزي، والهرفون أوسيتسكي الكاتب الألماني، وقد ظفر بها في العام الماضي، وكانت لذلك ضجة في ألمانيا انتهت بتحريم الحكومة الألمانية ترشيح أحد من رعاياها لنيل جوائز نوبل. وفي هذا العام يرشحون عدة في مقدمتهم الزعيم الهندي الكبير مهاتما غاندي، واللورد بادن باول مؤسس حركة الكشافة الدولية، والكاتب النمسوي ريخارد كودن هوفي، وغيرهم ممن برزوا في خدمة السلام بجهودهم وأقلامهم ودعاياتهم؛ وربما كان غاندي هو الذي تختاره اللجنة من بين المرشحين

برناردشو والمسرح القومي

من الغريب حقاً أن تبقى إنكلترا حتى اليوم بلا مسرح قومي. وقد وجه برناردشو الكاتب المسرحي الطائر الصيت بهذه المناسبة إلى الأمة الإنكليزية كلمة لاذعة نعى فيها هذا النقص البارز في حياتها الفنية والثقافية. ومما قاله: إن الأمة الإنكليزية لا تشترك في الاعتماد الخاص بإنشاء المسرح القومي لأنها ترغب عن مثل هذه المؤسسة، ولابد من أن يفرض إنشاؤها فرضاً على شعب لم يتحرر تماماً من الهمجية، ولا يزال يعتقد أن الفنون الجميلة إنما هي مظاهر للخلاعة، وأن باب المسرح هو أحد أبواب جهنم، وليس في ذلك شيء جديد أو غريب؛ فمن الحقائق التاريخية المعروفة أن المعاهد الثقافية يجب أن تفرض على الشعب بواسطة الحكومات أو الأفراد المستنيرين الذين يعلمون أن مثل هذه المعاهد ليست ترفاً ولا لهواً، بل هي على العكس من ضرورات الحياة المتمدنة. ولو أن المعاهد الأوربية العلمية ترك إنشاؤها لرغبة الجمهور وأهوائه في العطاء والمن لماتت جميعاً في مهدها، ولكانت أوربا اليوم أكثر همجية مما هي عليه. ثم إن المسرح القومي إذا وجد لا يستطيع أن يعيش وحده، ولابد له من مديرين وممثلين أكفاء وكتاب مسرحيات بارعين، ويتوقف وجود هؤلاء على مقدرته على الدفع والتعويض

هكذا يخاطب الكاتب المسرحي الكبير أمته بأسلوبه الفكه اللاذع ويوجه إليها قوارص الكلم لأنها لم تبد حماسة في مشروع إنشاء المسرح القومي. وإذا كنا في مصر نشعر بأشد الحاجة إلى مثل هذا المشروع الثقافي العظيم، فإنه من المحقق أنه لا يمكن أن يقام بالاكتتاب العام؛ ولابد أن تنهض به حكومة مستنيرة تقدر أثر الفن والثقافة المسرحية في ترقية أذواق الشعب ومداركه

تاريخ غانية شهيرة

قد تستحق غانية شهيرة أن تترجم وتؤرخ كما يؤرخ ملك أو قائد أو مفكر عظيم؛ فقد لعب الغواني دورهن في التاريخ، وكان بينهن طائفة شهيرة استطاعت أن تؤثر في مصاير العروش والأمم؛ ويكفي أن نذكر في هذا الموطن أسماء مثل بومبادور، ودوباري. وكان عصر لويس الرابع عشر بالأخص عصر الغانيات الشهيرات، ومن هؤلاء امرأة اشتهرت بجمالها وذكائها ونفوذها الاجتماعي، هي نينون دي لانكلو؛ وقد ترجم هذه الغانية الشهيرة من قبل غير كاتب، وظهر أخيراً تاريخ جديد لها بقلم مسيو جان جودال بعنوان (نينون دي لانكلو، غانية عظيمة في عصر لويس الرابع عشر) , وتاريخ نينون هو في الواقع رواية غرامية اجتماعية ساحرة، تمتاز بكثير من الأناقة والظرف، ولكنها تتكشف أيضاً عن مواطن مريبة كثيرة؛ فقد اتهمت نينون من أهل عصرها بأنها كانت ساحرة تزاول السحر الأسود، وتتعاقد مع الشيطان للاحتفاظ طويلاً بجمالها. واتهمت أيضاً بأنها تسببت في موت ولدها الشفالييه دي فلييه، وأنها جلبت الشؤم والنحس على كثيرين من أصدقائها؛ ولكن نينون كانت مع ذلك نجماً ساطعاً في مجتمعها، وكانت صديقة لأعلم عصرها مثل موليير ولافونتين، وكان لها بهو رائع يختلف إليه عظماء العصر وأمراؤه. وكانت نينون ابنة جندي وموسيقي مغامر وأم ورعة، فاستقت خلالها من الناحيتين، وتلقت تربيتها الأولى في الدير، ولكنها فرت منه فيما بعد؛ وكان مولدها سنة 1620، وتوفيت سنة 1705، وعرفت فولتير فتى حدثاً، ونفحته بعطية يشتري بها كتباً؛ وكانت في عصرها ملتقى الوصل بين التيارات المتضاربة؛ من الخلاعة إلى السياسة والفلسفة، وكانت من أعلام الفكر الحر، وكانت أديبة رفيعة الثقافة كما كانت غانية ماجنة ساحرة، وكان لها أثر عظيم في صوغ الخلال النسوية في عصرها

تلك هي الشخصية التي يتناولها جان جودال في كتابه؛ وهو يقص علينا حياة نينون بأسلوب شائق يستمد سحره وقوته من حياة نينون نفسها، ومن الألوان المختلفة التي اتشحت بها خلال حياتها الطويلة الحافلة