الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 225/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 225/الكتب

بتاريخ: 25 - 10 - 1937


أخبار أبي تمام للصولي

لأستاذ جليل

حبيب الطائي، أو أبو تمّام، أو أبو التَّمَام، أو ملك القريض الأول - والملك الثاني هو المتنبي، والبحتري نائب ملك ثم أمراء (كبار وصغار) ووزراء، والمعري شيخ إسلام، وبن الرومي إمام (خليفة) خوارج، وقواد وعمال ولايات (ولاة) ورعايا وجنود وقَدِيديون، ولا ملك ثالث في المملكة - حبيب هذا شاعر عبقري أيّ شاعر، ومنزلته هي منزلته، وشعره هو شعره، فما تقريظ أو تقحيم بنافعه، ولا تعييب بضاره؛ إنه الشاعر ذو العبقرية والإبداع، وإنه في سماء القريض الشمس ذات الضياء الباهر والإشعاع؛ وقد كان الشعر قبل أبي تمام تجربةً وتمريناً، ومقدمةً وتمهيداً؛ وكان كلاماً، ثم جاء بن أوس وبن الحسين فقالا - وغيرهما مثلهما لا يقول -: (لأبي تمام استخراجات لطيفة، ومعان طريفة لا يقول مثلها البحتري) (نحسن أن نقول ولكن مثل هذا - مثل قول المتنبي - لا نقول)

وإن الباعث اليوم على هذا القول هو كتاب في أخبار (الحبيب) ظهر، وهو كتاب: (أخبار أبي تمام) تأليف أبي بكر محمد بن يحيى الصولي

وكتاب يصنفه إمام الأدباء وسيد الظرفاء أبو بكر الصولي طرفة تحفة دونها كل طرفة. وقد أبى الله أن يضام هذا الكتاب (كما ضيم من قبلُ ديوان هذا الشاعر بتلك الطبعات المخزيات المحرفات. . .) فسخر له أدباء مهذبين مثقفين ثلاثة، وهم (خليل محمود عساكر، ومحمد عبده عزام، ونظير الإسلام الهندي) - أبٌ وابنٌ وروحُ قُدُس كما تقول النصارى - فحققوه أبلغ تحقيق راجعين في كل مشكلة إلى الأساتذة الأجلاء: (الأستاذ احمد أمين، والدكتور طه حسين، والأستاذ أمين الخولي، والدكتور كراوس، والأستاذ إبراهيم مصطفى) وطبعته (لجنة التأليف والترجمة والنشر) في مصر أكمل طبع، واختارت له الكاغد الجيد

طالعت هذا الكتاب فألفيت الصولي قد سطر فيه من أخبار أبي تمام ما لم نره في تصنيف من كتب الأدب قبله، وروى أقوالاً لأئمة كبار في هذا الشاعر لم يطرفنا إياها غيره، وهي تعالن معالنة بعبقرية (الطائي الأكبر) وعلو منزلته. (قال عمارة بن عقيل: لقد عصفت رائية طائيكم هذا بكل شعر في لحنها. لله دره! لقد وجد ما أضلته الشعراء حتى كأنه كان مخبوءاً له). و (قال الحسن بن وهب: وأما الشعر فلا أعرف مع كثرة مدحي له وشغفي به في قديمه ولا في حديثه - أحسن من قول أبي تمام في المعتصم بالله، ولا أبدع معانيَ، ولا أكمل مدحاً، ولا أعذب لفظاً؛ ثم أنشد (البائية العبقرية) ثم قال: هل وقع في لفظة من هذا الشعر خلل؟ كان يمر للقدماء بيتان يستحسنان في قصيدة فيجلون بذلك، وهذا كله بديع جيد) وللقصيدة واحد وسبعون بيتاً. وأما رسالة الصولي إلى مزاحم بن فاتك في أول الكتاب فهي كتاب وحدها، على حدة. وقد أملتها البلاغة الصولية الطلّة العذبة العربية، وفيها العلم والنّصَفة

وفي (أخبار أبي تمام) أشياء هينة الخطب أذكرها ليهتم بها في الطبعة الثانية بعد مدة قريبة إن شاء الله:

ففي الصفحة (56) في السطر (5): (خفت إعراضك) وفي الحاشية: (في الأصل: خفت غرضك، ولعل الصواب ما أثبتناه) قلت: الأصل (غرضك) هو الصحيح، والغرض الملل والضجر، وجملة (كرهت إملالك) بعدها - تحقّ ذلك. والصولي لم يخف إعراض صاحبه لكنه خاف - إذ طوّل كما حسب - ضجره، والغرض الضجر

وفي الصفحة (89) السطر (8) (وأرعف كلَّ ذي قلم خيانته) فهل أرعف هي أزعف (بالزاي) أو أزعفت أي أهلكت قتلت قتلاً سريعاً؟

وفي الصفحات (218) (223) (244): (كالمعائب، من معائب، المخائل) بالهمز، وهي بالياء في المعايب والمخايل، والقاعدة الصرفية معروفة

وفي الصفحة (123) في السطر (12)

وفوّارة ثأرها في السما ... ء فليست تقصر عن ثارها

جاءت الهمزة في أول عجز البيت وهي من ملك الصدر في عروضه (في السماء) والبحر من المتقارب والقبض في عروضه كثيرة بل هو عند بعضهم أحسن من التمام

وفي الصفحة (150):

سقى عهدَ الحمىَ سَبَلُ العهادِ ... ورَوَّض حاضر منه وبادي

كتبت (روَّض) بالبناء لما سمي فاعله وهي بالبناء لما لم يسمَّ فاعله. ولو أراد أبو تمام الأول لقال: (أروض) وروّض الغيث الأرض: جعلها روضة، وأروضت الأرض ألبسها النبات، أو كثرت رياضها

وفي الصفحة (217)

نجمان شاء الله ألاّ يطلعا ... إلا ارتداد الطرف حتى يَأْفلا

جاءت (يأفلا) بالهمز وهي في البيت مخففة لأن الألف ألف التأسيس

وفي الصفحة (230)

فلعل عينك أن تعين بمائها ... والدمع منه خاذل ومواسي

رويت (مواسي) بالواو، وواساه لغة ضعيفة أو رديئة كما في (الصحاح والتاج) لآساه

وفي الصفحة (235)

(عربي عربياجإيّ ماترام) اجإي بهذه الصورة:

أجئي - أقعد وإن لم تكن للهمزة قاعدة نحوية مضبوطة مجمع عليها حتى اليوم

وفي الصفحة (238) السطر (9):

(هيّجتَ مني شاعراً أَرَبّا) وفي الحاشية: (أرب: أقام بالمكان أو زاد) قلت: ليس للأرب قبلة (جهة صحة) يتوجه إليها معنى، فهي (الأزبّ) بالزاي أي المنكر الداهي، والأزب من أسماء الشياطين كما في (التاج) وأصل الأزب الكثير الشعر وكذلك أصل الزباء وهي من الدواهي الشديدة، ومثلها الشعراء وفي (مجمع الأمثال): جاء بالشعراء والزباء أي بالداهية الدهياء

هذه هي الأشياء القليلة في الكتاب وهو (340) صفحة. وإذا عرفت أن هناك مصنفاً ضبطه أديب مشهور، له صيت، وطبعته مطبعة، فصادف فيه ناقده قرابة ألف غلطة - أعوذ بالله من ذلك!! - تجلت لك فضيلة هذا الكتاب: أخبار أبي تمام أو أبي التّمام والسلام

(قارئ)