مجلة الرسالة/العدد 224/البريد الأدبي
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 224 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 18 - 10 - 1937 |
حادث عظيم في الصحافة البريطانية
وقع في يوم أول أكتوبر الجاري حادث عظيم في الصحافة الإنكليزية بل في الصحافة العالمية بأسرها، فقد اختفت جريدة (المورنن بوست) أقدم الصحف اليومية الإنكليزية، وفقدت كيانها المستقل لتندمج في منافستها القوية جريدة (الديلي تلغراف). ومنذ أول أكتوبر تصدر الديلي تلغراف باسمها الجديد وهو (الديلي تلغراف والمورنن بوست) ونستطيع أن نقدر أهمية هذا الحادث الصحفي متى علمنا أن (المورنن بوست) قطعت إلى اليوم مائة وخمسة وستين عاماً من حياتها المستقلة، وأنها لبثت مدى حياتها الطويلة دائماً من أعظم الصحف البريطانية وأقواها نفوذاً. وقد أنشئت المورنن بوست في سنة 1772، واستمرت تصدر بانتظام حتى اليوم وكانت نزعتها دائماً دستورية محافظة، ولكنها كانت تصطبغ دائماً بنزعة استعمارية وإمبراطورية عميقة، وكانت دائماً أشد الصحف البريطانية معارضة للسياسة التحررية، ومن ثم فقد كانت أشد خصومة لسياسة الحكم الذاتي سواء أكان في أرلنده أو الهند كما كانت من أشد خصومة للحركة الوطنية المصرية وللمعاهدات المصرية الإنكليزية. أما جريدة (الديلي تلغراف) منافستها القديمة ووراثتها اليوم فقد أنشئت في يونيه سنة 1855، على يد أسرة لادسون الشهيرة، واستمرت تحت إشرافها وإدارتها حتى سنة 1928إذ انتقلت ملكيتها من اللورد برنهام آخر أصحابها من أسرة لادسوف إلى اللورد كامروز صاحبها الحالي. وكانت الديلي تلغراف أول جريدة إنكليزية بيعت ببنس واحد (أربعة مليمات) وهو ما أعتبر يومئذ مغامرة صحفية جريئة لأن الصحف كانت تباع يومئذ بأربعة إلى خمسة بنسات، وكان صدورها في أربع صفحات فقط. أما اليوم فهي تصدر في اثنتين وثلاثين صفحة من القطع الكبير وتباع أيضاً ببنس واحد.
ونشأت (الديلي تلغراف) حرة في نزعتها السياسية، وكانت تناصر سياسة جلادستون في أواخر القرن الماضي، ولكنها تطورت في اتجاهها السياسي شيئاً فشيئاً حتى غدت محافظة اتحادية وأخذت تشاطر منافستها القديمة نزعتها الاستعمارية، ولكن بأسلوب أكثر اعتدالا وأقل تطرفاً، وجمعت الديلي تلغراف أقطاب الكتاب في أواخر العهد الفكتوري، وتألق فيها نجم طائفة كبيرة من أعظم الصحفيين؛ وتولت الأنفاق على بعثة استانلي الاكتشافية سنة 1874 - 77. ومن أشهر مواقفها الصحفية حديث نشر للقيصر سنة 1908ولهلم الثاني، فكان له أعظم صدى، وكاد يزعزع عروش آل هو هنزلرن، وكان من نتائجه أن استقال البرنس فون بيلوف رئيس الحكومة الألمانية. والديلي تلغراف اليوم من أكبر الصحف الإنكليزية حجماً، وأعظمها نفوذاً، وأوسعها انتشاراً؛ وقد كانت تطبع حتى سنة 1928، أعني أيام أن كانت في حوزة اللورد برنهام 84 ألفاً، ولكنها مذ خفضت ثمنها ثانية إلى بنس واحد في سنة 1930، ارتفع عدد المطبوع منها إلى 532ألفاً وهو رقم انتشارها اليوم
وقد صدرت الديلي تلغراف عددها الأول في عهدها الجديد بعد أن ضمت إليها منافستها القديمة بكلمة مؤثرة قالت فيها إنها ترحب بقرائها الجدد قراء المورنن بوست القدماء، وأنه إذا كان اختفاء المورنن بوست تلك الجريدة الدستورية القوية يعتبر محنة قومية، فإن القراء يستطيعون بعطفهم ومؤازرتهم أن يخففوا وقعها، وأنها باحتفاظها باسم منافستها القديمة إلى جانب اسمها تدلل على ولائها للقضية المشتركة التي دافعتا ومازالتا تدافعان عنها. وأعلنت في مقال آخر، سردت فيها تاريخ الجريدتين، أنها سوف تحافظ أبداً على مبادئ الولاء والحرية والتسامح التي سارت عليها حتى اليوم، وستكون أبداً عند حسن ظن قرائها وأصدقائها.
الكتاب المصريون باللغة الفرنسية
اهتمت الصحافة الفرنسية بالمجموعة التي نشرها المسيو روبربلوم. من نفثات أقلام الكتاب المصريين الذين يكتبون باللغة الفرنسية، وبكتاب (عودة الروح) الذي وضعه الأستاذ توفيق الحكيم، ونقله إلى الفرنسية المسيو موريك برين. فقد نشرت جريدة (البتي باريزيان) في القسم الأدبي مقالاً للمسيو جان فينيو الرئيس السابق لجمعية الأدباء تحدث فيها عن كتاب مصر وآثارهم في الفرنسية ووجوب معرفة أسمائهم ومؤلفاتهم باللغة الفرنسية ليطلع عليها القراء في فرنسا، وليأخذ هؤلاء المؤلفون مكانتهم في أسرة الفكر الكبيرة، وقد خص المسيو جان فينيو كتاب (عودة الروح) للأستاذ توفيق الحكيم بقسم من بحثه إذ قال:
(إن هذا الكتاب الحي الطريف موضوع باللغة العربية كما أن كتب فينبير موضوع باللغة العبرية. وقد نقله إلى الفرنسية موريك برين، وهو من أفضل ممثلي الثقافة الفرنسية بالقاهرة. وقد غير عنوان الكتاب بالفرنسية واستبدله بعنوان (رواية نهضة مصر) وهنا وجه لمناقشته في هذا الاستبدال لأن القسم الاجتماعي بل القسم الأدبي والسياسي لا يتألف منهما الكتاب كله. فالمؤلف يستهل كتبه بنكات مسلية عن حياة الطبقة الوسطى في القاهرة - وهي حياة بسيطة ضيقة يعني أصحابها بأمور تافهة - وهم يقولون أن الشرقيين يقفون عند الأمور السطحية الخفيفة ولكن يوجد ثمة عدة حوادث وقعت للشاب محسن المتيم بحب جارته سنية الحسناء، وقد كان يجب أن يراعي جانب الإيجاز في الكلام عن هذا الموضوع. ثم أن الحادثين اللذين يطلق هذا التلميذ لسانه في الكلام عنهما منصرفاً عن تتمة تصريحاته الغرامية - يستطاع الاستغناء عنهما.
وبما أن الموضوع يدور على (عودة الريح) فقد كان يجب أن يبين المؤلف كيف فقدت تلك الروح. وهذه النقطة مصروف النظر عنها، ومهما يكن من الأمر فأن القسم الثاني من الكتاب وحوادثه تجري في إحدى ضواحي القاهرة في منزل والدي محسن يظهر لنا أنه أفضل قسم في الرواية، وفيه وصف لوالدي محسن اللذين كانا من أصحاب الأطيان الموسرين، بيد أنهما كانا أنانيين يعاملان الفلاح بقسوة.
ولدينا محاورة بين موظف بريطاني وعالم فرنسي تبين لنا الأماني الطامحة التي يمتاز بها هذا الجنس من البشر. فنحن نقرأ في الكتاب بعض عبارات تقتضي التأمل كالحديث الذي دار في القطار الذي سافر به محسن إلى أطيان والده، فإن أحد المسافرين وهو مصري الجنسية قال في عرض كلامه عن البلدان الأوربية (هذه بلدان خالية من الإخاء خلافاً لبلادنا حيث نرى الأقباط والمسلمين أخواناً)
وهذا الكلام موضوع نظر يبعث على التساؤل بعد مطالعة (مجموعة الكتاب المصريين باللغة الفرنسية) ورواية توفيق الحكيم عن الأفكار الأدبية الكبيرة، وعما إذا لم يكن الهدف الأسمى الديني، آخذاً في الانحطاط عن مستواه الأصلي في العالم، على أن الإنسان لا يسعه إلا إبداء الدهش من رؤية فضائل الدين الإسلامي القديمة مفقودة من هذه الكتب المختلفة وعدم اهتمام المؤلفين بها. ولم تنفرد أوربا بافتقارها إلى الحب الحقيقي وهو دون سواه قادر على تجديد شباب الأمم والنفوس)
وقد كتبت السيدة تريز هربان مقالاً عن رواية (عودة الروح) نشرته في جريدة (ليجور) وإليك بعض ما جاء فيه: (إن مصر تظل في نظرنا أرض الماضي وهي ترتبط بحكايات النيل وأسرار الأهرام ولا نزال نسترشد بفنها وديانتها مدة طويلة وربما ظللنا مدة طويلة أيضاً صارفين النظر عن الاهتمام بحاضرها
(ولا نجد مندوحة عن الاعتراف بالجميل للكاتب العربي توفيق الحكيم وموريك برين مترجم روايته لكشفهما أسرار مصر الأخرى، أي مصر الفلاحين، والطبقة المتوسطة المقيمة في ظلال الرموس المصممة على البقاء في الحياة)
الحياة في القطب الشمالي
يفيد التقرير الأخير الذي أرسله الرفيق (بابانين) رئيس البعثة القطبية العلمية السوفيتية أن هذه البعثة دهشت عند ما رأت بعض الحيوانات والطيور الحية في المحيط المنجمد الشمالي
وقد كتب الرفيق (بابانين) من محطة القطب الشمالي يقول أنه يستفاد (اعتماداً على رواية (نانسن) أن كثيراً من الخبراء يشيرون إلى أن المحيط المنجمد الشمالي خال من الأحياء، على أننا شهدنا ظاهرة في غاية الأهمية، ذلك إننا سمعنا في اليوم الذي وصلنا فيه إلى القطب زقزقة طائر، فخيل إلينا في الحال أنه قد جئ به على إحدى الطيارات. على أنه ظهرت هنا بعد ذلك طيور أخرى من أنواع مختلفة.
وكان الرفيق شيرشوف (العالم المائي الذي يرافق البعثة) يجد دائماً كميات كبيرة من متباين أنواع السمك في مختلف الأعماق)
سرقة لوحة زيتية قيمة من متحف ليبزج
سرقت في صباح يوم 10 أكتوبر الجاري من متحف ليبزج لوحة زيتية للرسام الألماني لوكاس موللر المعروف باسم لوكاس كراناخ.
وتمثل اللوحة المسروقة رسماً فضياً لموسى الكليم وفي يده الألواح التي كتبت عليها الشريعة اليهودية، وظهر في مؤخر الصورة الشعب اليهودي.
وقد رسمت هذه اللوحة منذ حوالي 400سنة، وكانت تعد من أثمن اللوحات الموجودة بمتحف ليبزج وتقدر قيمتها بخمسة وعشرين ألف مارك تقريباً.
والذي تهمنا معرفته هو أن لوكاس كراناخ هذا فنان ألماني أصيل ولد سنة 1472 بكراناخ في أوبر فرانكين، وكان مصوراً خاصاً لقصر الأمير فريدريش العاقل بفيتيمبرج، واشتغل بكثير من الأعمال كالصيدلة وبيع الكتب إلى جانب اشتغاله بالفن، وكان له مصور كبير للتصوير.
وقد اختير عمدة لبلدة فيتمبرج المذكورة سنة 1537 وكان صديقاً حميماً لمارتن لوثر صاحب المذهب الديني المعروف، ومات سنة 1553في نفس البلدة.
وكان كراناخ أهم أستاذ في الفن الألماني في كل منطقة سكسونيا دون نزاع، وقد غلب على فنه في أول أمره طابع الدقة والقوة في إبراز المميزات الشخصية واستمر كذلك حتى سنة 1520 إلا أنه بعدئذ تهاون بعض الشيء في إخراج قطعه فجاءت ناعمة وأقل قوة مما سبقها.
والدارس للوحاته يلاحظ أنه كان ميالاً إلى الوجوه المربعة وكثيراً ما جعل سيقان النساء أطول من القدر المناسب.
ويعتبر كراناخ مصوراً ألمانياً شعبياً متبسطاً في اختيار مواقفه تخير ألوانه من تلك التي تميل إلى المرح والبهجة.
وله عدة لوحات كثيرة بالزيت وبالقلم الرصاص وبالحفر على الخشب محفوظ معظمها في ألمانيا وقليل منها في فيينا وفلورنسا وغيرهما
والعبرة هنا هي أن الزمان لم يمنح مصر بعد فناناً يستطيع تاريخ الفن أن يسجل اسمه من حيث الاتجاه الجديد أو الابتكار أو المقدرة الفذة؛ ذلك لأننا قوم نسجل لأنفسنا بأنفسنا النبوغ والعبقرية دون حاجة إلى تسجيل التاريخ.
ا. م
المستشرقون والإسلام
علمنا أن الأستاذ الشيخ عبد الرحمن حسن رئيس الوفد الذي قام بتمثيل الأزهر في مؤتمر تاريخ الأديان قد رفع إلى فضيلة الأستاذ الأكبر مذكرة تتضمن أسماء الكتب العلمية التي وضعها المستشرقون في مختلف المسائل الإسلامية، وجاء بعضها محرفاً وبعضها لا يفيد حكمة الشارع، ثم بولغ في تحريف مدلولاتها ومعانيها على نحو يتعذر معه فهم أحكام الإسلام على وجهها الصحيح
وقد أشار الأستاذ في مذكرته إلى أن هذه الكتب تدرس في بعض الجامعات العلمية على أنها صورة صحيحة لما جاء في الشريعة الإسلامية من أحكام وقواعد، وبما أن مؤتمر الشريعة الإسلامية - الذي رؤى أن يعقد في القاهرة - سيتناول بالبحث هذه المسائل، فمن الواجب أن ندرس هذه الكتب دراسة كاملة لتقول مشيخة الأزهر فيها كلماتها في هذا المؤتمر
وقد وافق فضيلة الأستاذ الأكبر على هذا وأصدر أمراً إلى إدارة المعاهد الدينية بأن تطلب إلى المكتبات الشهيرة في إنجلترا وفرنسا وألمانيا لتبعث إلى المشيخة بهذه الكتب التي ذكرت في قائمة خاصة وستؤلف لجنتان إحداهما من كبار رجال القانون وبعض المتضلعين في اللغات الأجنبية لتطلع على هذه الكتب ولتنقل ما جاء فيها خاصاً بالمسائل الإسلامية إلى اللغة العربية. والثاني من كبار علماء الأزهر لتقوم بوضع الأحكام الصحيحة لهذه المسائل على أن تعد بياناً يشمل جميع الأخطاء التي جاءت في هذه الكتب ليلقي في المؤتمر باسم مشيخة الأزهر.
في المجمع اللغوي
وضعت مذكرة لعرضها على صاحب المعالي وزير المعارف بتحديد موعد افتتاح المجمع اللغوي في دورته الخامسة.
وقد تم طبع مجلة المجمع في دورته الثالثة وستوزع قريباً وبدئ بطبع مجلة الدورة الرابعة الماضية. وسيجري المجمع في دورته الجديدة على نظامه العادي، نظراً لتأخر صدور القانون الجديد الخاص بالمجمع؛ وكان مجلس النواب قد أقر هذا القانون في دورته الماضية ولكن مجلس الشيوخ أرجأ التصديق عليه إلى الدورة الجديدة.
كليات المقاصد والكلية الشرعية
كتب إلينا أستاذ فاضل من أساتذتها يقول:
زار سعادة العشماوي بك وكيل وزارة المعارف المصرية كليات المقاصد والكلية الشرعية التي أنشأها سماحة الأستاذ الكبير مفتي لبنان لتعد الطلاب للدراسة العالية في الأزهر الشريف، ولتنشئ الجيل الجديد الذي يجمع بين الثقافة الإسلامية والثقافة الحديثة، فسر منها سروراً عظيماً، وزار قاعاتها ومكتباتها، وحضر درساً في الأدب العربي للأستاذ علي الطنطاوي ودرساً للأستاذ الشيخ محمد الداعوق، فكان إعجابه شديداً وأعلن أنه على استعداد لقبول اثنين من طلاب الكلية في دار العلوم العليا في مصر بلا امتحان، فكان ذلك مكرمة عظيمة لسعادته تشكرها له الكلية خالص الشكر، وترجو أن يرى أثارها الطيبة في تقدم الكلية وازدهارها، وتوثيق الصلات بين مصر والأقطار الشقيقة في أقرب وقت، ونأمل من الرسالة (المجلة العربية الكبرى) أن تبلغه هذا الشكر على صفحاتها.
جمعية فرنسية إسلامية في باريس
ألفت أخيراً جمعية فرنسية إسلامية في باريس غايتها تعزيز الصداقة وتنمية العلاقات الفرنسية الإسلامية على قاعدة المساواة بين جميع أعضائها والتعلق المتين باحترام العقائد والآراء والابتعاد عن التبشير
وستتخذ هذه الجمعية مكتباً لها على مقربة من الجامع فتجعله مركز صداقة وتربية وتعاون. وسيؤلف هذا المكتب من: قاعات درس لعمال شمال أفريقيا الموجودين في منطقة باريس، ومكتبة تحتوي على مؤلفات فرنسية وعربية، وغرفة للمطالعة مجهزة بكتب عديدة عربية وفرنسية وقاعات للمحاضرات وعرض الأشرطة السينمائية
وهذا النادي سيعد لأن يصبح مركز ثقافة فرنسوية وعربية وستنشر فائدته في فرنسا وأفريقيا الشمالية والشرق القريب بفضل العلماء والأدباء والفنانين والفلاسفة العرب والفرنسيين الذين سيترددون عليه.
ذكرى مؤرخ كبير
أحتفل أخيراً في مدينة فالنسيين بفرنسا بذكرى المؤرخ الفرنسي الشهير (فراوسار) لمناسبة انقضاء ستمائة عام على مولده إذ أنه ولد على أرجح الروايات سنة 1337، وقد أتخذ الاحتفال أهمية خاصة، لأن فراوسار يعتبر في الواقع عميد المؤرخين الفرنسيين في التاريخ الفرنسي فهو أول من كتب التاريخ في فرنسا بروح جديد، وأول من فهم أن التاريخ شيء أكثر من القصة والرواية، وقد كان التاريخ حتى عصر فراوسار يكاد يمتزج بالقصة والأسطورة دائماً، وكان لا يزال خاضعاً لوحي الكنيسة، وكان المؤرخون هم الرهبان غالباً، فكان التاريخ مزيجاً من الروايات التي يصوغها رجال الذين حسبما تملي أهواء الكنيسة، وكانت الملوكية والشعب والحروب والحوادث جميعاً ينظر إليها من هذه الناحية، ويحكم عليها طبقاً لهذه الروح، ولكن فراوسار استطاع أن يتحرر من هذه الروح وأن يكتب التاريخ على أنه سجل الحوادث الجارية. وقد دون حوادث عصره في كتاب شهير يعتبر من هذه الناحية ذا قيمة تاريخية خاصة، وهو تاريخ فرنسا وإنكلترا وعلائقهما في عصره؛ ويعرف هذا المؤلف عادة (بتاريخ فراوسار) ويعتقد أنه أول مؤلف فرنسي وضع نهج التاريخ الحديث ومهد لتطوره كرواية حرة للحوادث والشئون
ونستطيع أن نقارن فراوسار من هذه الناحية بمؤرخنا العظيم ابن خلدون، فكلاهما عاش في نفس العصر، وكلاهما استطاع قبل غيره أن يفهم روح التاريخ الحقة، وأن ينظر إليه من ناحية جديدة، وأن يعامله باعتبار أنه أكثر منقصة ورواية تخضع لتأثير العوامل الدينية أو السياسية، ولكن ابن خلدون كان بلا ريب أوسع آفاقاً من فراوسار؛ ولم يرتفع فراوسار أو غيره من المعاصرين إلى تلك الأفاق الرفيعة التي سما إليها ابن خلدون، والتي جعلت منه أول فيلسوف اجتماعي، وأول مؤسس لفلسفة التاريخ وأصول الاجتماع.
في نادي القلم العراقي
اجتمع نادي القلم العراقي مساء اليوم الثاني من هذا الشهر في دار أحد أعضائه السيد توفيق وهبي وتلا السكرتير رسالة وردت من نادي القلم الإنكليزي يطلب فيها ترشيح أحد كبار أدباء العراق لتعيينه عضو شرف أسوة بالأمم الممثلة فيه.
فقرر المجتمعون ترشيح معالي الأستاذ الشيخ محمد رضا الشبيبي رئيس نادي القلم العراقي وزير المعارف لهذه العضوية الفخرية وقد ألقى في هذا الاجتماع الدكتور متي عقراوي فصولاً من رسالة حول التعليم الإجباري فكانت مدار مناقشات دقيقة.