مجلة الرسالة/العدد 222/محمد بن جعفر الكتاني
→ في تاريخ الأدب العربي | مجلة الرسالة - العدد 222 محمد بن جعفر الكتاني [[مؤلف:|]] |
شد الرحال إلى الجبال ← |
بتاريخ: 04 - 10 - 1937 |
بمناسبة مرور عشر سنوات على وفاته
للأستاذ محمد المنتصر الكتاني
تتمة ما نشر في العدد الماضي
وكان أسلافه يعرفون قديماً بعدة ألقاب: بالكتانيين وأمراء الناس والزاويين وشرفاء عقبة ابن صوال، وحديثاً بالكتانيين فقط
فأما شهرتهم باللقبين الأولين: فنسبة إلى جدهم الأول أمير الناس الكتاني يحيى بن عمران الذي يعده المؤرخون أول ملك مغربي استعمل في معسكراته خيام الكتان فنسبوه إليها، وما كانت تعرف قبله غير خيام الصوف والشعر، وأول ملك بويع باسم أمير الناس، فلزم بنيه لقبه الأول إلى اليوم، وورثوا عنه الثاني ردحاً من الزمن
ذكر هذا القاضي بن الحاج في كتابيه نظم الدرر والأشراف، والشريف المدغري في الدرة، وأبو زيد السيوطي المكناسي ووالده أبو بكر في كتابيهما في الأنساب
وأما شهرتهم باللقب الثالث: فنسبة إلى زواوة وهي قبائل بربرية كبيرة مواطنها في الجزائر (بنواحي بجاية ما بين مواطن كتامة وصنهاجة، أوطنوا عنها جبالاً شاهقة متوعرة، تنذعر منها الأبصار، ويضل في غمرها السالك) فر إليها الكتاني يحيى حين تغلب السفاح بن أبي العافية على ملك أسلافه فنصبوه ملكا عليهم وتدبرها بنوه من بعده قرنين كاملين وثلاثين سنة تزيد قليلاً أو تنقص قليلا
ذكرهم بهذا اللقب ابن عمرو العبدي في كتابه الكوكب الساني في النسب الكتاني
وأما شهرتهم باللقب الرابع فنسبة إلى حي معروف من أحياء فاس يعرف بعقبة بن صوال، كان نزولهم به أول ما رجعوا من مكناس في آخر القرن التاسع
عرفهم به القاضي بن الحاج في الأشراف وعلى هذا اللقب وضع فيهم كتابه الشهير (نظم الدر واللآل في شرفاء آل عقبة ابن صوال) وبه ذكرهم أيضاً الشريف القادري في الدر السني
ولا يعرف اليوم أحدهم بلقب من تلك الألقاب الثلاثة - أمراء الناس، الزاويين، شرفاء عقبة بن صوال - التي أصبحت تاريخية وفي بطون الكتب ليس غير، ولا أدري إذا كانت بعض الأسر بالجزائر أو غيرها من الأقطار التي أقاموا بها لا تزال تحمل أحد هذه الألقاب
واللقب الأول والأخير هو (الكتاني) فقط الذي بقي علماً لآبائه من القرن الرابع إلى الآن
ولعل من العبث أن أعيد القول فأذكر أنه تقدم في السلافة أئمة أعلام شاركوا في توريث التراث المحمدي، فهدوا وعلموا وعذبوا وألفوا، وفي الخزائن العامة والخاصة الدليل الناطق، وقد بلغ ما عده بعضهم من مؤلفاتهم فيها المئين وكتب المؤرخين طافحة بتراجمهم
ومن منهم لا يعرف (علي بن موسى) و (عبد الواحد بن عمر) وولده (أحمد) و (محمد بن أحمد بن علي) و (محمد بن عبد الوهاب) و (المأمون بن عمر) و (إدريس بن الطائع) ومَنْ من المغاربة يجهل (جعفر بن إدريس) وأولاده الأربعة صاحب الترجمة، و (أحمد) و (عبد الرحمن) و (عبد العزيز) و (عبد الكبير بن محمد) وولده (الشهيد محمد) و (عبد الكبير بن هاشم) و (الطاهر بن حسن) و (عبد الحفيظ بن محمد) رحمة الله عليهم أجمعين
اشتهر بلقب (الكتاني) قديماً خلق كثير في الأندلس والمغارب الثلاثة وبغداد ودمشق لا يمت واحد منهم لأسلاف الإمام بصلة، فيهم الوالي الأمير والمحدث والفقيه والطبيب الأديب وو. . . وقد وقفت على تراجمهم عند عياض في المدارك والخطيب في تاريخ بغداد والسمعاني في أنسابه وابن الجزري في طبقات القراء والذهبي في التذكرة وتاريخ الدول والميزان والضوء اللامع والحافظ في اللسان والدرر الكامنة وابن عثمان النابلسي في مختصر طبقات الحنابلة وابن القاضي في الجذوة والقادري في النشر وابن جعفر (المترجم) في السلوة
وقد عني بتاريخ أسلافه جمهرة من المؤرخين قديماً وحديثاً وأولهم - فيما أعلم - أبو عبيد البكري صاحب المسالك الذي يعد كالمعاصر للملك الكتاني يحيى بن عمران إذ أبو عبيد مات في آخر القرن الخامس والكتاني مات في آخر القرن الرابع
وهأنذا مورد طائفة من الكتب التي فيها تاريخ أسلافه بعضها خاص بهم والبعض الآخر مذكورون فيها ضمن باقي الأسر المغربية عرفت من القسم الثاني (المسالك والممالك) لأبي عبيد و (تاريخ الأدراسة) للبرنسي و (أنيس الأنيس) لا أعرف مؤلفه (وكتاباً) للأزوارقاني و (مختصر البيان في نسب آل عدنان) للشيخ الإمام المقرئ أبي العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن جزي الكلبي و (معدن الأنوار في التعريف بأولاد النبي المختار) الإمام أبي العباس أحمد بن محمد بن عبد الله المقري التلمساني و (ابتهاج القلوب بخبر أبي المحاسن وشيخه المجذوب) للشيخ الإمام عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي وهما نسختان: قديمة وقع له فيها خلط كثير أجمع على نقدها وتزييفها نطقاً وكتابة كل من وقف عليها من المؤرخين والنسابين - وفيهم شيخ أخوة الجماعة محمد وجماعة من آل بيته - وجديدة نقحها واستدرك فيها على نفسه، وتجديد المؤلف لهذا الكتاب بنفس العنوان الأول معناه عنده التنبيه على عدم اعتماد النسخة القديمة خصوصاً وقد زاد في الجديدة أشياء لم تكن في الأولى وحذف منها ما تعثر فيه قلمه من الأخطاء، وكلا النسختين في متناول اليد. . . و (درة التيجان ولقطة اللؤلؤ والمرجان في الإعلام بغرر الأنساب وذكر بعض الأشراف ذوي الأحساب) للإمام الكبير محمد بن محمد بن محمد الدلاني البكري و (شرحها) للعلامة المشارك محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القادر الفاسي و (الدر السني في بعض من بفاس من أهل النسب الحسني) للعلامة الكبير الشريف عبد السلام بن الطيب القادري و (التنبيه من الغلط والتلبيس في بيان أولاد الإمام محمد بن إدريس) للفقيه العالم المؤرخ الشريف محمد بن أحمد بن علي الكتاني، وكتاباً في (الأنساب) للشيخ الإمام أبي بكر بن محمد السيوطي المكناسي، وكتاباً آخر في (الأنساب) أيضاً لولده الإمام النسابة أبي زيد السيوطي و (عقد اللآلئ المستضيئة النورانية لنفي ظلام التلبيس في سلالة مولانا إدريس بن إدريس) له أيضاً، وكتاباً فيه الجواب على أسئلة تتعلق بالسبطين) للشاعر الكاتب أحمد بن عبد القادر القادري و (الروضة المقصودة والحلل الممدودة في مآثر بني سودة) و (السر الظاهر فيمن أحرز بفاس الشرف الباهر من أعقاب الشيخ عبد القادر) كلاهما للأديب الكبير العلامة الشريف سليمان بن محمد الحوات و (سلوك الطريق الوارية في الشيخ والمريد والزاوية) للصوفي الواعظ الكبير الشريف محمد بن علي المنالي الزبادي و (تحفة الحادي المطرب في رفع نسب شرفاء المغرب) للمؤرخ الأديب الشهير أبي القاسم بن أحمد بن علي بن إبراهيم الزياني و (الدرة الفائقة في أبناء علي وفاطمة) للعلامة الشريف الزكي بن محمد المدغري و (الإشراف على بعض من بفاس من مشاهير الأشراف) للعلامة المؤرخ القاضي محمد الطالب بن حمدون بن الحاج و (الدرر البهية والجواهر النبوية) للعلامة النسابة الشريف إدريس بن أحمد الفضيلي
وأما الكتب الموضوعة فيهم خاصة فعرفت منها (الكوكب الساني في النسب الكتاني) للفقيه العالم المدرس مبارك بن عمر العبدي الأسفي و (نظم الدر واللآل في شرفاء عقبة ابن صوال) للقاضي ابن الحاج صاحب كتاب الأشراف المتقدم ذكره، وشرفاء عقبة هو اللقب الذي كان يعرف به أسلاف الإمام في القرن العاشر كما ذكرت قريباً و (الروضة المنيفة في النسبة الكتانية الشريفة) لقاضي حد كورت الحالي العلامة المؤرخ عبد الحفيظ الفاسي و (الرياض الربانية في الشعب الكتانية) لوالد المترجم شيخ الإسلام الشريف جعفر الصادق و (النبذة اليسيرة النافعة التي هي لأستار جملة من أحوال الشعب الكتانية رافعة) للإمام المترجم و (الجوهر النفيس في النسب الكتاني) لأخي المترجم العلامة الكبير الشريف عبد الرحمن و (منتهى الأماني في التعريف بالنسب الكتاني) و (الجوهر المكنون في ذكر فرع الحلبي المصون) كلاهما للعلامة الشريف طاهر بن حسن الكتاني و (المظاهر السامية في النسبة الشريفة الكتانية) لصاحب التراتيب الإدارية
هذا مجمل تاريخ أسلافه في المغربين - الأقصى والأوسط - وبهذا فقط اعتنى مؤرخو المغرب وكنت أحسب كغيري أن سلفه لم يرحلوا إلى الشرق قديماً وبالحري أن يكون لهم فيه ذكر أو تاريخ حتى كشف (الغيب) عن خطئي وتقصير جميع مؤرخينا إذ ثبت لهم أن بالشرق الأقصى - جاوى - تاريخاً خالداً ومجداً لا يبيد
لما رجع الأستاذ الهاشمي التونسي من رحلته الطويلة لبلاد جاوى مر في طريقه على مصر فاستقبله الصحافي السيد محي الدين رضا مندوباً عن جريدة المقطم ليسأله عن حالة جاوى العامة، فأجابه الرحالة التونسي بحديث مسهب نشرته المقطم في عدديها الصادرين في 13 و 14 سبتمبر سنة 1929 ونقلته عنها مجلة الدهناء الجاوية التي تصدر بمدينة سورابايا في عدديها (19 و 20) من السنة نفسها الموافق لربيع الثاني سنة 1348. أقتطف من هذا الحديث ما يتعلق ببحثي، قال الأستاذ الهاشمي:
(. . . دينهم - الجاويين - الإسلام اعتنقوه في أواخر المائة الثامنة من الهجرة وأوائل القرن التاسع على يد طائفة من رجالات المغاربة من أسرة الكتاني الموجودة إلى اليوم في مراكش حسبما هو مكتوب ومنقوش على المشاهد وألواح المرمر التي فوق قبور أولئك الدعاة والتي لا تزال ماثلة واضحة القراءة بخطوط بديعة، وهذه القبور تعرف حتى الآن بين عامة الجاويين بقبور المغاربة في مدينة (نبتام) في أقصى الجزيرة الغربي ومدينة (سوربايا) في أقصى الجزيرة الشرقي ومدن (الطوبان) و (شربون) و (سومدانج) و (دماك) في قلب الجزيرة الجاوية ومن يراجع تاريخ سديو الفرنسي ير في الفصل المعقود لتقدم العرب في الملاحة كيف أن عرب الأندلس والمغرب أول من أجتاز جزائر الخالدات إلى خليج غينيا ورأس الرجاء الصالح متوجهين رأساً إلى أقصى الشرق من طريق أقصى الغرب
وحين كنت بالأزهر الشريف سنة 1353 سألت عن هؤلاء المغاربة الدعاة الطلبة الجاويين - وهم كثير بالأزهر - فأجابوني بما معناه: من الطفل الرضيع إلى الشيخ الفاني في جاوى كلهم يعرفون أن الكتانيين المغاربة هم من هدى الله للإسلام على يدهم خمسين مليوناً من القطر الجاوي، وهذه أضرحتهم الفخمة في مختلف مدن بلادنا لا تزال ناطقة بذلك ما دامت جاوى جزءا من أجزاء المعمور)
ولما كنت لا أعتبر تاريخ دخول الإسلام لجاوى رابطة عائلية فحسب بل أعتبره صلة متينة بين جاوى والغرب
ولما كنت لا أعرف سوى ما قصه عليه الأستاذ الهاشمي وأيده لي الطلبة الجاويون بالأزهر
ولما كنت في شك مما نشر في المقطم حيث تتبعت كل ما كتبه زعيمنا الإسلامي العلامة شكيب أرسلان في تعاليقه على حاضر العالم الإسلامي فلم يذكر كون الدعاة الناشرين للإسلام بجاوى هم من آل الكتاني، على أنه صرح بأنهم مغاربة، وتركني أشك في هذا ما أعتقده فيه من الإطلاع الواسع الذي (أعدم نظيره) في هذا العصر على الدقيق والجليل من أحوال الأقطار الإسلامية النائية ويكفي للتدليل على ما أقول تعاليقه الريانة فوائد وعلوماً على (حاضر العالم الإسلامي) فضلا عن عشرات المؤلفات التي يتحف بها العالم الإسلامي بين حين وآخر وكلها مشهورة بل محفوظة عن (ظهر قلب) فأنا أرجو من سمو الأمير وحضرة الرحالة التونسي وسماحة العلامة الكبير مؤرخ جاوى الحبيب محمد ابن عبد الرحمن ابن شهاب العلوي الحضرمي ومن كل له من له خبرة واطلاع على الموضوعات أن يفدونا - مشكورين مأجورين - عن وقت دخول هؤلاء المغاربة الكتانيين إلى جاوى، وعن أسمائهم وتراجمهم وما سبب رحلتهم هذه الطويلة - من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق - وهل تركوا عقباً بها، وبماذا يعرف اليوم مع ذكر المصادر بأي لغة كانت المطبوع منها والمخطوط
محمد المنتصر الكتاني