مجلة الرسالة/العدد 212/جلالة الملك فاروق الأول
→ ../ | مجلة الرسالة - العدد 212 جلالة الملك فاروق الأول [[مؤلف:|]] |
تاج مصر ← |
بتاريخ: 26 - 07 - 1937 |
اجتمع لجلالة الفاروق أعز الله نصره ما لم يجتمع لملك قبله من المزايا والخصائص فأحببناه أكثر من أخ، وأجللناه أكثر من ملك: شباب كمنضور الربيع كله حياة وجمال وخصب، وخلق كعَبْهريِّ النسيم فيه الرَّوْح والريحان واللطف؛ ونشأة كنشأة الأخيار المصطفَيْنَ أقامها الله على أدب الدين وخلال الفتوة؛ وجاذبية كشعاع الروح الإلهي تجذب القلوب الصاغية بالهيام والحب؛ وشخصية على طراءة السن تبهر العيون بالجلالة وتملأ الصدور بالهيبة؛ وديمقراطية على عزة الملك كرحمة الله تُقر في الأذهان معنى السمو وسر العظمة؛ وعهد كإشراق الشمس قبله السرى المجهد والغسق الداجي، وبعده الصباح المسفر والضحى الماتع؛ وتاج كدارة النور أو هالة القدس حلاه (مينا) بالشمس وزينه (المعز) بالقمر، فهو يتألق على جباه العصور بالقمرين لا بماس الأرض ولا بلؤلؤ البحرين؛ وببعض هذه الخصائص والمزايا قدس الشعوب الملوك في الأمس البعيد، وفضل الناس الملكية في اليوم الحاضر
مَن مثل فاروق جمع أطراف المجد فورث ملك الفراعنة وخلافة الإسلام وسلطان العرب، فكان رمزاً لأول حضارة مدنت الإنسان، وأقوم رسالة هذبت الحياة، وأعدل أمة حكمت الأرض؟ أليس هذا التاج المعنوي الذي يضعه الشعب على مفرقه يوم الخميس المقبل خليقاً بأن يسامي أضخم التيجان ملكا وأرفعها مكانة؟ وهل يغض من خطر التاج أن انحسرت ظلال ملكه بعد أن ورفت على أكثر بقاع الكون؟ إن قيمة التاج في خلوص جوهره وأثالة مجده وسطوع تاريخه؛ وهذا التاج الذي له ملك مصر وهذه الملايين العرب والمسلمون ينظرون إليه نظرهم إلى الشعاع الهادي والأمل الباسم، هو من هذه الصفات الثلاث أعظم تاج على جبين ملك
لا جرم أن فاروقاً الأول هو أول ملك في تاريخ مصر القديم والحديث
نَشَّأته الأمة على طبعها وحسها، وأعدته لعرشها بنفسها، وتوجته
بطوعها ورضاها هذا التتويج الدستوري الشعبي الحر، ففتحت به عهداً
لم يسبق، وسنت به سنة لم تكن، وفصلت بالفاروق بين ماض كليل
بغى فيه الاحتلال على سيادتها واستقلالها، واعتدت فيه (الامتيازات) على أنفسها وأموالها، وبين حاضر زاهر يزخر فيه النيل بالحياة،
ويجيش بالقوة، ويفيض بالأمل، ويقيم مُلكه على الديمقراطية، وعرشه
على الدستور، وحكمه على العدل، وصلته بالدول على المساواة. فهل
تعجب إذا انقلبت البلاد من ضفاف الشلال إلى أرياف الدال، بشراً
يتهلل في الوجوه، ومرحاً يتنزى في الأفئدة، وزينة تتخايل في الأرض،
وأعلاماً تخفق في الجو، ودعاء يصَّعَّد في السماء، استعداداً للاحتفال
بتتويج الفاروق سيد أعزاء مصر، وزين شباب الإسلام، وملك ملوك
العرب؟
إن لابتهاج الشعب بتولي الفاروق حقوقه الملكية بواعث شتى: بعضها يرجع إلى شخصه، فشخصه عذب الروح قوي الجاذبية؛ وبعضها يرجع إلى عهده، فعهده أول عهد مصر بالسيادة والحرية؛ وبعضها يرجع إلى حكمه، فحكمه حكم الدستور والديمقراطية؛ ولكل أولئك ملابسات ومناسبات توزعت عواطف هذه الأمة الوديعة المطيعة المخلصة، فغرقت كما ترى في نشوة من نشوات الروح، فيها بهجة القلوب بالحب، وغبطة النفوس بالعزة، ولذة الحواس بالطمأنينة.
مولاي الفاروق!
إن من دلائل الفوز التيسير. ومالك الملك الذي اصطفاك لخلافة هذا المجد العريق قد يسر لشعبك في مستهل عهدك ما تعسر عليه الحقب الطوال من سيادته على أرضه. فتول القيادة العليا للسفين على هدى من الدستور ووحي من شمائلك الحرة؛ وأفِض من شبابك الفردوسي على ما خمد من عزائم هذا الشعب لطول ما كابد من عنت الأحداث وطغيان الدخيل؛ واطبع النَّشء من شعبك الهين اللين على غرارك في ثقافة العقل وثقافة الطبع وثقافة الجسم، فإنك المثل الأعلى لكل ذلك. ومثلك الفريد يا مولاي هو ما تحتاجه مصر في تجديد ما رث منها، وتكميل ما نقص فيها، وتوفير مواهب الإنشاء بها، وتنظيم قوى الدفاع عنها، وتوثيق أسبابها العمرانية والاجتماعية والسياسية لتربط بين أملاك العروبة وملكك، وتصل طرفي المجد بين عرش (مينا) وعرشك. ثبت الله ملكك بالسلام، ونضر عهدك بالوئام، وجمل حكمك بالرخاء والصفاء والسكينة
أحمد حسن الزيات