مجلة الرسالة/العدد 212/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 212 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 26 - 07 - 1937 |
المستشرقون
تأليف السيد نجيب العقيقي
للأستاذ الحوماني
يكاد يكون الاستشراق علماً بنفسه له أصوله وفروعه، وله مقدماته ونتائجه؛ ويكاد يكون رجاله، على رغم شتاتهم، شعباً خاصاً له أفقه الخاص به، وحياته القاصرة عليه، وقد مر بهذا الشعب وبرجاله في العالم قرون لم يكتشفه، كما هو، عالم ولا أديب ولكن هنالك بضعة من الكتاب نقلوا لنا وللغربيين نتفاً من أخبار هذا الشعب. . . في معرض النقد أو التقريظ، والناقل إما شرقي يشكر للمستشرق إنصافه أو ينعى عليه تعصبه، وإما غربي يشكر له عصبيته أو ينعى عليه إنصافه.
نقرأ في بعض الكتب وفي كثير من الصحف أشياء عن هذا الشعب شعب المستشرقين، ونقرأ أشياء لكثير من أفراد هذه الجماعة جماعة الاستشراق عما يكتشفون في عالمهم من آثارنا نحن الشرقيين.
أما أن نسمع بكاتب جميع شتات هذا الشعب في مختلف الأزمنة والأمكنة، ولم شعثه، ثم عن كشف آثاره بين جلدتين تشتملان على كتاب وبلسان شرقي عربي يصور لنا حياتهم قديمة وحديثة، ويبعث فينا آثارهم مكتسبة ومورثة، ويكشف لنا آراءهم خاطئة وصائبة، ويمحص لنا أقوالهم جائرة ومنصفة، ويمعن في البحث عن أغراضهم وأهوائهم، ويعلل أفعالهم وأقوالهم، ويحلل آراءهم وأفكارهم، بعيداً عنهم وهو في الصميم من جماعتهم، منصفاً في الحكم عليهم والقضاء لهم، أما هذا الكاتب فلم نسمع أو لم أسمع أنا به على الأصح فيمن غبر أو حضر من كتابنا ماخلا هذا الشاب المثقف (النجيب) صاحب كتاب (المستشرقون) المؤلف الحديث الذي أخرجته لنا في الأيام الأخيرة مطبعة الاتحاد البيروتية في مائتين وخمسين وجهاً من القطع الوسط يحمل اسم مؤلفه (نجيب العقيقي)
لا أحب أن أعرض لعروبة الكتاب والناحية البيانية فيه فإن مؤلفه واحد من هؤلاء الشباب الذين عمروا قلوبهم بالثقافة الأجنبية في معاهد إنما شيدت لقتل العروبة في بلادنا لغة وخلقاً ومعتقداً، وإذا قرأت في الكتاب جملا فصيحة فإنما هي نتاج الغريزة العربية في المؤلف، وثمرة حبه للأدب العربي وغرامه بالديباجة العربية الذي حمله على إلا يدع مؤلفاً عربياً، قديماً أو حديثاً، سمع به واستطاع الوقوف عليه، إلا اتصل به وأخذ منه، فهو كاتب عربي في مؤلفه هذا بما قرأ لا بما درس. من أجل ذلك كانت ديباجته فيه عادية لا روعة فيها ولا سحر، وربما وقفت عند كثير من جملة تتبين ما تشتمل عليه من معان أبهمها الاعجام.
فالكتاب في لغته بسيط، وهذا لا يحط من قيمته العلمية، فإنما يؤخذ مؤلفه بما أودعه من فكرة لا بما نمق فيه من ديباجة.
ما أحببت أن أعرض في نقدي هذا لشيء من ذلك ولكني أحب أن أعرض لمواطن الجمال في الكتاب معللا ببضع خلال خبرتها في نفس الكاتب.
عرفت نجيباً منذ أنشأت عروبتي ولم أزل أعرفه حتى اليوم؛ ولأول نظرة ألقيتها عليه شربت روحه ولم أزل أشربها حتى الآن
قرأت في شمائله الحرية في غير أنانية ولا أثرة، والصراحة في غير مراء ولا صلف، ولمست فيه الروح الوثابة والعمل الجبار؛ قرأت في شمائله كل ذلك ولم أزل أقرأه فيها حتى ساعتي هذه
توسمت فيه إذ ذاك النجابة ولم يكن قد أنتج بعد، فكتابه هذا هو باكورة عمله، وإذا كان وليد أدبه الغض وشبابه الناضر فماذا نرقبه من أدبه الكهل؟ ثم ماذا سيطلع علينا به وقد أشرف على الأربعين سن الحكمة والنضج؟
الحرية في نجيب حملته على ألا يتقيد في كتابه بدين درج عليه في البيت وتلقنه في المدرسة حتى كان جزءاً من دمه الفائر ونفسه الجبارة، ولم يحل دون تحرير فكره في مؤلفه هذا هيبة المستشرقين في نفوس الضعفاء من كتابنا حتى تحامى أكثر هؤلاء إبرام ما نقض أولئك من حق أو نقض ما أبرموه من باطل.
عرفت العقيقي حراً في زيارته لي وتحدثه إلي؛ عرفته حراً في شمائله، حراً في جدله، حراً في رأيه. وهأنذا أقرأه اليوم في مؤلفه الجديد حراً في درسه وتفكيره، حراً في بحثه وتحليله، حراً في نقضه وإبرامه.
والصراحة في نجيب حملته على أن يكتب في الأدب للأدب، ويبحث في العلم للعلم، ويجهر بالحق للحق.
فإذا نقم على المستشرق لتعصبه الذي يدفعه إلى الطعن على الإسلام (مثلا) فإنما ينقم عليه للحق الذي يراه دون رياء أو تزلف يتملق بهما المسلم حباً للمال أو سعياً وراء الشهرة التي يحسبها النفر الخامل من متأدبينا في الضجة الفارغة واللقب الكاذب.
العقيقي صريح في كتابه إلى أبعد حد في الصراحة لم يراع معه نعي الرجعيين من قومه عليه فيما يحمل على عصبية المستشرقين لدينهم أو عنصرهم، ولا حذر انتقام الجهلاء من غير قومه فيما يصوب من حملات الغرب على الشرق.
والروح الوثابة في نجيب حملته على ألا يترك أديباً إلا جلس إليه ولا كتاباً إلا وقف عليه، حدت به هذه الروح إلى أن يبحث ما اتصل به من علم، وأن يدرس ما استطاع درسه من فن، حتى بدا له أن يبدع فيما ينتج فولدت هذه الروح فيه فكرة الكشف عن هذا الشعب شعب الاستشراق المبعثر هنا وهناك.
ويهجر العقيقي أصدقاءه بضعة أشهر فلا يزورهم خلالها إلا لماماً، ويمعن في البحث والتنقيب، والكتابة والترجمة، ثم يطلع عليهم بعد عام وقد سهم وجهه وتغضن جبينه، فإذا به يتأبط كراريس تشتمل على قلب نابض بالحياة، وإذا بضربات هذا القلب تقرع الأسماع، وإذا بهذا القرع يملأ الأفق دوياً.
يتناول نجيب في كتابه رأي المستشرق في لغة العربي أو أدبه أو خلقه أو معتقده فيمر به في طريقه إلى الحكم على وطن المستشرق وعلى مدرسته وعلى كنيسته ثم على حكومته، فإذا توفر لديه البحث عن وطنه كيف غادره، وعن مدرسته كيف تخرج منها، وعن كنيسته كيف اعتنق دينه فيها، وعن حكومته وكيف كانت منزلته منها، استطاع إذ ذاك أن يمحض هذا الرأي فيرجعه إلى المستشرق نفسه مجرداً عن الأهواء أو إلى أحد هذه العوامل متأثراً به إذ قلما استشرق غربي دون أن يتأثر بواحد منها
وهو يثبت في كتابه أن الاستشراق غالباً مدفوع بسياسة الغرب ودينه لغزو الشرق واستعماره وقتل القومية فيه حتى تتوفر الغلبة للغرب عليه.
هذا ما أحببت أن أشير إليه من موضوعات الكتاب ويكاد يكون أروع موضوعاته، فالشرق جد محتاج إلى مثل هذا المؤلف وما أحوجنا إلى كتاب آخر من هذا النوع يخلقه قلم العقيقي ويطلق عليه اسم (الغزاة) يعني فيه بالإرساليات التبشيرية عنايته بالاستشراق
وبعد فليس لي في ختام كلمتي هذه إلا أن أعلن إعجابي بهذا الأثر، وأدعو كل عربي أديب إلى الوقوف عليه والإمعان في درسه. فهل يرينا المستقبل من أبنائنا من يضرب على هذا الوتر فيحرر نفسه من العبودية بين يدي كل غربي مستشرق؟؟؟
(بيروت)
الحوماني
صاحب العروبة
في قصيدة الدكتور عزام
كان في قصيدة (دمشق) للدكتور عبد الوهاب عزام التي نشرت في العدد الماضي - كلمات يتعذر فهمها بغير الشكل، وقد أهمل شكل بعضها - فنعيد هنا نشر الأبيات التي وقع فيها ذلك:
حطّ الرحال فهذا جهرةً بَردى ... وذي دمشق. هَناك الأهل والدار
نسرٌ يرى اللُّوح منه هامة عطلا ... لكنه ذنبَ الطاووس جرار
وقد وقع تحريف في الأبيات الآتية وصحتها كما يلي:
خافي المطامع طماح المنى عزم ... على الشدائد والسراء ثوار
شجا فؤادي عفاء في مدارسها ... والدهر بالناس دولات وأدوار
إني أرى المجد قد أضفى أشعته ... وأشرقت فيه دولات وأمصار