مجلة الرسالة/العدد 212/إلى سدَّة المليك الشاب
→ عاش الملك | مجلة الرسالة - العدد 212 إلى سدَّة المليك الشاب [[مؤلف:|]] |
تتويج رعمسيس الثاني ← |
بتاريخ: 26 - 07 - 1937 |
شعب يبايع
للأستاذ محمد غنيم
النِّيل تَحْمِلُ سِبْطَ إِسْماعِيلاَ ... أرأيتَ نِيلاً جاَء يَحْمِلُ نِيلاَ
لو كانتِ الأملاكُ تَحْدُو مَرْكَباً ... لرأيتَ بَيْنَ حُدَاتِهاَ جِبريلاَ
سارتْ فغضَّ البحرُ من غَلَوَائه ... ومَشَى كما تَمشي الجيادُ ذَلُولا
هبَّتْ عواصفُه فَكُنَّ حِياَلَها ... رَهْواً كما هَبَّ النَّسيمُ عَليلا
ما لاطَمَتْ أمواجُه جَنَباَتِها ... بَلْ أوسَعَتْ جنباتِها تقبيلا
لو أَنَّ زَاحِفَةً تَفُوهُ لكبَّرتْ ... نِيناَنُهُ ولَهَلَّلتْ تهليلا
يا بحرُ فوقَكَ دُرَّةٌ هيْهات أَنْ ... تَلْقَى لها فيما حَوَيْتَ مَثيلا
أَوَلَسْتَ تَعرِفُ فيه مَنْ أَجْدَادُهُ ... قَطَعُوكَ عَرْضاً بالسَّفِينِ وَطُولا؟
فَلَطاَلَماَ مَلأُوا المياهَ مَراكباً ... ولطالما ملأوا السهولَ خيولا
عَرَفَتْهُمُ الأيامُ إِنْ هُمْ حَارَبُوا ... أُسْداً وَإِنْ حَكموا الأنام عُدُولا
أشْرِقْ بنُورِك في البلاد فإنَّما ... صَبْرُ البلاد على فراقِكَ عِيلاَ
الشَّعبُ يا فاروقُ صَادٍ. نِيلُهُ ... مِنْ يوم بُعْدِكَ لا يَبُلُّ غليلا
ما كان يُسْعِدُهُ التجلُّدُ سَاعَةً ... لو لم يكُنْ بِكَ قلبُهُ مأهولا
ما غبتَ عن بَصَرِ البلاد وسَمْعِها ... يوماً وَلا بَعُدَتْ رِكابُكَ مِيلا
كانت تُطَالِعُ ما تقول فَتَنْتَشي ... طرَباً. وَإِنَّ مِنَ المقالِ شَمُولا
وتَرى على القرطاسِ رَسْمَكَ زاهياً ... غَضَّا فيُصْبحُ طَرْفُها مَكْحُولا
قد كنتَ أَنت حديثَها وسكُوتَها ... حتَّى غدا بكَ وقتُها مَشْغُولا
زُرْتُ الممالكَ داعياً فكَشَفْتَ عَن ... مِصْرَ الفتاةِ حِجابَهاَ المسْدُولا
أَنْعِم بِشَعْبٍ أَنْتَ عُنْوانُ لَهُ ... وَكَفَى بُعنْوان الكتابِ دَليلا
تمشي الممالكُ في ركابك أينما ... تمشي وتَحْني هاَمَها تبجيلا
سَمِعُوا بمجد الأقدمين وأبْصَرُوا ... بعيُوُنِهم للأقدمين سَليلا
كيْ يَعْلموا أَنَّ الكنانَة أُمَّةٌ ... طابت فروعاً في الورى وأُصُو إِنَّا لفي زَمَنٍ يفيض دِعايَةً ... كادتَ تَدُقُّ به الشُّعٌوبُ طُبُولا
هم يُعْلِنون عن الشُّعُوب كأنها ... سِلَعٌ وَنَرْضَى بالسُّكوتِ خُمُولا
مَنْ راح ينشُرُ للبلاد دِعايةً ... فكأنه يَبنْي لها أُسْطُولا
وَليَ الأُمُورَ بمصرَ أَصْيَدُ ياَفِعٌ ... بَزَّ الأوائلَ فِتْيَةً وكُهُولا
جَاشَتْ بِصَدْري يَوْمَ قُلِّدَ عَرْشَهُ ... ذكرى فراعِنَةِ القُرُونِ الأولى
ما أبهجَ الإِكْليلَ فوق جبينهِ ... هذا الجبينُ يُزَيِّنُ الإِكليلا
هذا هو الفاروقُ أشْرَق وجْهُهُ ... فَسَل الغزَالةَ هل تُرِيدُ أُفُولا؟
أفديه منْ مَلِكٍ أغرَّ وراَءهُ ... شَعبٌ يُرَتِّلُ حمدَه ترتيلا
يَعْنوا لطَلْعَتِهِ ويهتف باسمِهِ ... ويكادُ يتلو قوْلًهُ إنجيلا
مَلِكٌ تواضُعُه يزيدُ جَلاَلَهُ ... ليس الغشومُ المستبدُّ جليلا
يُنسيك من فَرْط التواضُع تَاجَهُ ... فتكادُ تحْسَبُهُ أخاً وزميلا
يَرْنو إليه الطَّرْفُ غيرَ مُنَكَّسٍ ... والبدرُ يظهَرُ من سَناَهُ خَجَولا
يَقضي لُباَنَتَهَُ الغنيُّ ببابه ... ويرى الفقيرُ دُعاَءهُ مَقبولا
لَبِقُ الحديث كأنما هو مُلْهَمٌ ... وقد أدْرَكَ المعقولَ والمنقولا
لا تُحْصِ أعْمَارَ الملوكِ فإِنني ... أجدُ الملُوكَ مَدَاركاً وعُقولا
ما قلتُ: قد بلغ الرشادَ بسِنِّه ... فَعَلَيْهِ كان بطبعْه مَجْبولا
إِنَّا عَهِدْنا الرُّشْدَ فيه سجَّيةً ... ما كان في يومٍ عليه دَخِيلا
ما ضَرَّ غَرْساً طاب قَبْلَ أوانِهِ ... أنْ كان حُرّاً في النَّبات أصيلا
قد كان ذو القرنين مثلَكَ يافعاً ... وأركما تَتَشاَبَهاَن مُيوُلا
هيهاتَ أنتَ أجلُّ منهُ حضارةً ... وأعَزُّ أوطاناً وأكرَمُ جيلا
فاروقُ تلك عناية الله التي ... قد حَقَّقَتْ في عهدِك المأمولا
إن الكنانَةَ ظنَّتِ اسْتِقْلاَلَهاَ ... حُلْماً فكنتَ لحُلْمها تأويلا
وهي المشاكلُ كلُّها وَجَدَتْ لها ... في عهْدِك الزاهي السَّعِيد حُلُولا
عَهْدٌ قصيرٌ غيرَ أَنَّ غُضوُنهَ ... في جَبْهَةِ التاريخِ صرْن حُجُولا
لو حاكت التِّيجاَنٌ تاَجَك لم يَجِدْ ... يوماً إليها الثائرون سَبيلا ليتَ الذينَ وَلُوا العُروشَ جميعهمَ ... كانوا على حُكم الشُعوب نزولا
أسِّسْ على الدُّستور مُلكَ وَابْنِه ... تَبلُغَ به الشُّمَّ الرَّواسيَ طولا
كم ثَلَّ الاستبدادُ عرشاً بعدما ... أجرى حواليْه الدماَء سُيُولا
مَنْ لم يعزِّزْ تاجهَ وسريره ... باللهِ والدستورِ كان ذليلا
إِنَّ الكنانَةَ بايَعَتْكَ فكُنْ لها ... ظِلاَّ كما كان الجدودُ ظليلا
وَهَبَتْ لعرشِك مالها ودماَءها ... إِنْ شئت تَلْقَ كِلَيْهما مَبذولا
فَامْلأَ بلادَك حكمةً وَمعارفاً ... واجْعَلْ بلادَك في المناعَة غِيلا
لن يسْتقمَ لِشَعْبٍ اسْتِقلاله ... يوماً إِذا حَمَلَ السِّلاحَ كليلا
أين المدافعُ كالرُّعود دَوِيُّها ... والخيلُ تَصْهَلُ بالجنود صهيلا
يا رُبَّ طائرةٍ سمعتُ أَزِيزَها ... فحسبته في مَسْمَعَيَّ هَديلا
فانهض بمصْرَ وجيشها حتى يرى ... شَبَحُ المنيَّةِ طيْفهَا فيميلا
واكبحْ جِماحَ الطامعين وقُلْ لهم ... لا تطمَعَوا في أُخت عِزْرائيلا
وهُنا تُعادي مَنْ تشاءُ عِدَاَءهُ ... مصرٌ وتأْخُذُ من تشاءُ خليلا
فاروقُ يَفْدِيك الحمى بهلاله ... وصليبه. وأرى الفداَء جليلا
أصبحتَ في مرح الشَّبابِ ولَهْوِهِ ... عن خير شَعْبٍ في الورى مسؤولا
حَمَلَ الشبابُ يَرَاعَهُ وكتابهَ ... وحملتَ عِبْئاً كالجبالِ ثقيلا
أوْلَتْكَ مِصْرُ قيادَها فأَعِدْ لها ... مجداً بناهُ الأقدمون أثيلا
وسُس الأُمورَ إذا جَمَحْنَ بمُصْطفى ... تَلْقَ الْحُزونَ إذا مشيتَ سُهولا
هو صارمٌ ماَضِي الغِرارِ أليِلُهُ ... فاحِملْهُ عَضْباً في يديك صَقيلا
قد أفْرَغَتْ مصرٌ كنانَتهاَ فما ... رضيت به بين السِّهام بَديلا
وإذا تحوَّلَتِ الجبالُ فمُصطفى ... عن حقِّه لا يَقْبَلُ التَّحويلا
يا مصطفى لَهِجَتْ بذكرك أمَّةٌ ... أَبناؤُها لا يَجْحَدُون جميلا
ولقد تولَّيتَ الأمورَ فلم تكنُ ... سيفاً على رأس الحمى مَسْلولا
لا تَثْنِيَنَّكَ عن طريقك عُصْبةٌ ... ملأت حَناجِرُها البلادَ عَويلا
إِنَّا بلوناهم فكانَ فَعَالُهُمْ ... مُرَّا وكان كلامُهُمْ مَعْسُولا فَلَيَنْصِبوُا في غير مصرَ شِباكهُمْ ... حَسْبُ البلادِ وَحَسْبهُم تدْجِيلا
سِرْ في طريقك. لا تُعِرْهمْ مَسْمَعاً ... واعْلَم بأَنَّ من الكلام فُضُولا
أنَّى اتَّجَهْتَ وَجَدْتَ خَلْفَكَ أُمَّةً ... ورأيتَ رَبَّكَ بالنجاح كَفِيلا
(كوم حماده)
محمود غنيم