مجلة الرسالة/العدد 211/بين الجد والمجون
→ مختارات من أدب الرافعي | مجلة الرسالة - العدد 211 بين الجد والمجون [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 19 - 07 - 1937 |
فجيعة في ساعة
وساعةٍ كالسِّوارِ حوْلَ يدِي ... ضاعت فأوْهى ضَياعُها جَلَدِي
مازال يطْوي الزمانَ عقرَبُها ... حتى طواها الزمانُ للأبدِ
ضيَّعها نجليَ الصغيرُ وكم ... حمَّلني من خَسارةٍ ولدِي
قالوا: فداءٌ لَهُ فقلتُ لهم: ... كلاهما فلذتان من كَبِدي
قالوا: التمس غيرَها. فقلتُ لهم: ... وهَلْ معي ما يُقيمُ أَوَدِي؟
مَنْ مُسعِدي إنْ أكُن على سفرٍ؟ ... ومَنْ يفي لِيَ بالوعد إِنْ أَعِدِ؟
إِلْتَبَسَت أَيَّامي عَلَيَّ فَلاَ ... أَفْرقُ ما بين السبتِ والأحدِ
واختلَّ وقتيَ فإِنْ وعَدْتُكَ أَنْ ... أَزُورَك اليومَ جئتُ بعدَ غَدِ
كم رُمْتَ عَدَّ الساعاتِ مُهتدياً ... بالشمس لكنْ غَلِطْتُ في العددِ
روَّضْتُ نفسيَ على السُّؤَالِ وما ... حَمَلت ذلَّ السؤالَ من أَحَدِ
جَهْلُ الفتى بالزمانِ أهونُ مِنْ ... سُؤَالِ غَيْرِ المَهْيِمِنِ الصَّمَدِ
أمست يدي بعدها مُعَطَّلَةً ... منظرُها في العيونِ كالرَّمَدِ
فَمَنْ لِعَيْنِي بحُسْنِ طَلْعَتَها؟ ... ومَنْ لأُذُني بصوتِها الغَرِدِ؟
كم آنَسَتْ وحشتي بِدَقَّتها ... فالآنَ أصبَحْتُ شِبْهَ مُنْفرِدِ
لاغَرْوَ إِنْ أَقْضِ حَقَّ عِشْرَتِها ... عِشْرَتُها ليَ طويلَةُ الأمَدِ
قد لازَمَتْ مِعْصَمِيَ سنين إلى ... أَنْ أَصبحت قِطْعَةً من الجسدِ
ناطقةً بالصواب أن سُئِلَتْ ... إِنْ قُلْتَ كَمْ لَمْ تَنْقُصْ وَلم تزِدِ
على الصراطِ السّوِيِّ سائرةٌ ... إنْ حادت الشمسُ عنْهُ لم تَحِدِ
أَرْنو إليها إذا مَشَيْتُ وإنْ ... جَلَسْتً في مجلسٍ كَشَفْتُ يَدِي
ألم تُشَاهِدْ ذا نعمةٍ حَدَثَتْ ... إذا مَشَى في ثيابهِ الْجُدُدِ؟
صَبَرْت صَبْرَ الكرامِ آمُلُ أَنْ ... تَعُود لي ثانياً فَلَمْ تَعُدِ
فلُذْتُ بالأولياءِ عَلَّ لهم ... سِرّاً وإن كنتُ غير مُعْتقِدِ
مَنْ ليَ بالعرَّافينَ أسألُهم ... عنها وبالنفَّاثات في العًقدِ أسأتُ بالأصدقاءِ كًلِّهِمِ ... ظَنِّي ففتَّشْتُهُمْ فلم أجِدِ
شَتَّان بينَي وبينَ لاقِطِها ... بات قرِيراً وبتُّ في كَمَدِ
ليت الذي طُوِّقت بها يَدُهُ ... في جيدِهِ حَبْلٌ شُدَّ مِنْ مَسَدِ
محمود غنيم