مجلة الرسالة/العدد 211/البريد الأدبي
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 211 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 19 - 07 - 1937 |
الشيخ منصور المنوفي لم يكن شيخا للأزهر
ذكرت في العدد (209) من مجلة الرسالة الغراء ارتيابي فيما نقله الأستاذ محمد عبد الله عنان عن رحلة الشيخ عبد الغني النابلسي من أن الشيخ منصوراً المنوفي الضرير كان شيخاً للجامع الأزهر وقت قدومه في رحلته إلى مصر. وبنيت هذه الارتياب على أمرين: أولهما اضطراب ما ذكره الشيخ عبد الغني النابلسي في ذلك، وثانيهما مخالفته لما جاء في الكتب التي عنيت بذكر شيوخ الأزهر وترتيب ولايتهم له. من تاريخ الجبرتي والخطط التوفيقية وكنز الجوهر في تاريخ الأزهر، وقد خرجت من ذلك بترجيح هذه المصادر على هذا المصدر المضطرب.
ولكن هذا الترجيح الذي ذهبت إليه وهو المتعين عندي في هذه المسالة لم يرض به الأستاذ محمد عبد الله عنان لوجهين: أولهما أن القول بأن الشيخ منصوراً المنوف كان شيخاً للأزهر في ذلك الوقت قول معاصر وشاهد عيان عرف الشيخ وحادثه بنفسه، ولا يصح أن يسبغ عليه هذه الصفة عفواً، وثانيهما أن الشيخ النابلسي يقدم إلينا بياناً صحيحاً عن أكابر الحكام والمشايخ في مصر وقت مقدمه، ومن الصعب أن نعتقد أنه يخطئ في تعرف شيخ الأزهر، وهو من الشخصيات البارزة التي يهمه أن يتصل بها، وقد رأى في التوفيق بين هذا المصدر وتلك المصادر السابقة أنه من الممكن أن الشيخ المنوفي لم يمكث في ذلك سوى أشهر أو أسابيع قليلة، وأن يكون هذا هو السبب في إغفال تلك المصادر له في ثبت مشايخ الأزهر
ولا شك أن من يرجع إلى ما نقلته في ذلك من رحلة الشيخ النابلسي يرى أنه ذكر أنه قابل في صباح يوم الأحد 28 من شهر ربيع الثاني الشيخ منصوراً المنوفي شيخ الجامع الأزهر، ثم ذكر أنه قابل في اليوم الثاني (يوم الاثنين 29 من شهر ربيع الثاني) الشيخ أحمد المرحومي شيخ الأزهر، فإما أن يكون للأزهر في ذلك الوقت شيخان وهو غير مقبول، وإما أن الشيخ منصور المنوفي قد عزل في اليوم الأول وولى الشيخ أحمد المرحومي مكانه في اليوم الثاني وهو غير مقبول أيضاً. لأنه لو حدث مثل هذا في ذينك اليومين لأشار إليه الشيخ النابلسي في رحلته.
على أن الشيخ النابلسي يعود بعد هذا فيذكر أنه قابل الشيخ الأول في يوم 10 من جمادي الثاني. وقابل الشيخ الثاني في يوم 25 من جمادي الثاني. وهو في ذلك أيضاً يصف كلا منهما بما وصفه به في الأول من أنه شيخ الجامع الازهر، والظاهر من هذا أنه يجري فيه على وصف ثابت لهما في هذه المدة التي كانت بين المقابلتين، فلو أخذنا كلامه في ذلك على حقيقته لاجتمع للأزهر في ذلك الوقت شيخان معاً، وهو ما لم تجر العادة به في الجامع الأزهر، ولا في التقاليد الإسلامية.
ولاشك أنه لا يمكن الأخذ بقول الشيخ النابلسي في ذلك مع هذا الاضطراب الذي نجده فيه، ولعل كلا من ذينك الشيخين كان شيخ رواق من أروقة الازهر، فالتبس من أجل هذا على الشيخ النابلسي ذلك الأمر، وما هو إلا بشر يصيب ويخطئ والعصمة لله وحده.
عبد المتعال الصعيدي
تعديل جديد في عقوبات جرائم النشر
يصعب على الذهن الحر أن يسيغ أي حجر على حرية الرأي أو أي اتجاه إلى التشديد في المؤاخذة على زلات القلم؛ وقد كانت النصوص الخاصة بجرائم النشر في مصر موضع تعديلات كثيرة في الأعوام الأخيرة بسبب التطورات السياسية والدستورية المختلفة التي وقعت في هذه الفترة؛ وأخيراً رأت السلطات المختصة أن تجري تعديلا جديداً في هذه النصوص، وأن تشدد العقوبة في بعض المواطن قمعاً لنوع سيئ من القذف هو التهجم على الأعراض والكرامات الشخصية؛ وقد كان القانون يعاقب بالحبس أو الغرامة على أمثال هذه الكتابات القاذفة، وكان اتجاه القضاء في الغالب إلى التخفيف والاكتفاء بعقوبة الغرامة، فنشاً عن ذلك أن ذاع هذا الأسلوب المستهجن من الكتابة في الآونة الأخيرة ذيوعاً مثيراً، فرأى الشارع في التعديل الجديد وجوب الحكم بالحبس على من يدينه القضاء في أمثال هذه الكتابات
والذي يهم الكاتب أن يسجل من الناحية الأدبية هو أن حرية القلم والرأي لا يمكن أن تتأثر بتشديد النصوص الجنائية في مثل هذه المواطن، فالقلم يجب أن يتحلى إلى جانب الحرية الرأي بخلة الأدب والتعفف عن مس الكرامات والأعراض الشخصي؛ وما يبعث على الأسف هو أن يضطر الشارع إلى الالتجاء إلى النصوص في تحقيق هذا المثل الذي يجب أن يحققه القلم لنفسه دون إرغام؛ وقد كان خيراً لو استطاع الكتاب أنفسهم أن يضعوا لأنفسهم دستورهم الخاص. وأن تحدد حدود الجدل والنقد بسائر صنوفه بحدود متينة من النزاهة والعفة والترفع عن لغو القول؛ والقانون الإنكليزي يعاقب السب والقذف الشخصيين بعقوبات شديدة رادعة، ولكن يندر أن تتورط صحيفة إنكليزية في مثل هذا الجرم؛ والصحافة الإنكليزية تضرب أرفع الأمثال لأدب الحوار والجدل وعفة النقد والمناقشة؛ فماذا يضيرنا أن نهتدي نحن في كتاباتنا بهذه المبادئ السامية؟
وثيقة دبلوماسية فرعونية
أضحت مواثيق الاعتداء من أهم عناصر السياسة الدولية الحاضرة؛ ولكن هنالك ما يدل على أن هذه المواثيق التي استحدثتها السياسة الدولية بعد الحرب، ليست من ابتكار الدبلوماسية الحديثة وحدها، ففي تراث المصريين القدماء ما يدل على أنهم عرفوا مواثيق الاعتداء قبل آلاف الأعوام؛ وهنالك وثيقة مدهشة من هذا النوع عثر عليها الأستاذ دنكان العلامة الأثري الأمريكي ترجع إلى نحو ثلاثة آلاف عام، وتعتبر بحق أقدم وثيقة دبلوماسية وصلت إلينا
وهذه الوثيقة عبارة عن نقش على صفحة فضية يحتوي على نصوص ميثاق بعدم الاعتداء عقد بين الملك رمسيس الثاني وبين ملك الحيثيين خيثاسار، وذلك في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ومن الغريب أن هذه النصوص لا تبعد كثيراً عما تستعمله الدبلوماسية في عصرنا عدا بضع فروق وصيغ يسيرة؛ فعنوان الوثيقة مثلاً هو: (ميثاق سلام وأخوة دائمة)، ويلي ذلك نصوص الميثاق وهي مدمجة في ثماني عشرة مادة هذه أهمها: (يتعهد الحيثيون والمصريون كل قبل الآخران أن يلجئوا في تسوية جميع الخلافات التي تنشأ بين الدولتين إلى الوسائل السلمية وألا يلجئوا في تسويتها إلى القوة والعنف). فأي فرق بين هذا النص وبين النصوص المماثلة في مواثيق عدم الاعتداء المعاصرة؟ أما ضمان التنفيذ في هذا الميثاق القديم. فقد رجع فيه إلى ما يتفق وروح العصر الذي وضع فيه؛ ومن ثم فقد نص فيه على ما يأتي: (إذا ارتكب أحد الفريقين المتعاقدين ما يخالف هذا الميثاق الأبدي، فقد حلت عليه لعنة جميع الآلهة المصرية والآلهة الحيثية).
ولم يقل لنا التاريخ القديم كم دام مفعول هذا الميثاق بين الفريقين المتعاقدين؛ ولكن الأستاذ دنكان يؤكد لنا أنه قد دام بلا ريب اكثر مما دام مفعول ميثاق تحريم الحرب الأمريكي بين الدول، أو ميثاق لوكارنو بين ألمانيا والحلفاء السابقين
وإن هذا الاكتشاف لأقدم وثيقة دبلوماسية يضيف آية جديدة إلى تراث الفراعنة. وما يزال هذا التراث كل يوم يتكشف عن عجائب وحقائق جديدة تدلل على ما وصلت إليه الحضارة الفرعونية في النضج وروعة الابتكار
قرآن. . .!
يتلو القراء في النقلة (138) في هذا لجزء من (الرسالة) قرآن ذاك الأعرابي الجلف أو القرآن الأعرابي أو تلك الأفكوهة ضاحكين. وإني أضيف في هذا الموطن أن هناك قرآناً إلحادياً مجوسياً دسه الداس بل الدساس في سورة (النجم): (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى - تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن ترتضى - ألكم الذكر وله الأنثى، تلك إذن قسمة ضيزى) وهناك قرآن فارسي شعوبي بثه راويه الخبيث المتحذلق الغبي في القرن الثاني أو الثالث مرفوعاً معنعنا وحشره في سورة (العصر): (والعصر إن الإنسان لفي خسر - وإنه فيه آخر الدهر - إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) وهناك غير ذلك، وعند الطيالسي والترمذي ما عندهما. وأنى يكون ما كذبوا؟ كيف وهناك ثلاثة وأربعون كاتباً من كتاب الوحي، وقد جمع القرآن قبل أن أظلمت بفقد رسول الله هذه الدنيا، وقد كتبت النسخ غير المعدودة، الكثير في زمن النبي (صلوات الله عليه) وصاحبيه وقد ملأت المصاحف في وقت الفاروق بلاد الإسلام كلها جمعاء (وإن لم يكن عند المسلمين إذ مات عمر مائة ألف مصحف من مصر إلى العراق إلى الشام إلى اليمن وما بين ذلك - فلم يكن أقل) كما قال ابن حزم وما مصحف عثمان إلا المصحف النبوي البكري العمري، مازاد وما نقص. وقد عرف ذو النورين ألحان العرب - ولسان الكتاب المضري - والعربية لغات، والعرب أمم، وقد انتشروا في الأرض، ورأى الاحتفاظ بإملاء القرآن، فكتبت تلك المصاحف المسماة بالعثمانية. وأعجب العجب وأكذب الكذب هذه الرواية: (لما فُرغ من المصحف أتى به عثمان فنظر فيه فقال: قد أحسنتم وأجملتم أرى فيه شيئاً من لحن ستقيمه العرب بألسنتها) وقد حار أبو بكر السجستاني صاحب (كتاب المصاحف) في هذا الكلام - وقد رواه - فقال: (هذا عندي يعني بلغتها وإلا لو كان فيه لحن لا يجوز في كلام العرب جميعاً لما استجاز أن يبعث إلى قوم يقرءونه) ثم سطر السجستاني بعد قليل: (. . عن الزبير أبي خالد قال: قلت لأبان ابن عثمان: كيف صارت (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة) ما بين يديها وما خلفها رفع وهي نصب؛ قال من قبل الكتاب الخ) فهل كان الزبير أبو خالد يعرف هذا الاصطلاح المولد في فن النحو أعني الرفع والنصب؛ وهل كان نحو أو شيء منه في أيام أحد من الصحابة أو بعدهم بمدة طويلة؟ وهل هذا لحن أو خطأ وقد بينه سيبويه في كتابه وأوضحه علم العربية؟ وكيف لم يستفد السجستاني وأمثاله من (الكتاب) وقد جاءوا من بعد صاحبه وقرءوا علم الخليل وأماليه فيه؟ وهل بنى العلماء (علم العربية) إلا على قرآن العربية؟ وكيف اجترأ السجستاني أن يروي عن سعيد بن جبير أن مثل (فأصدق وأكن من الصالحين) لحن وهو في القرآن وهو في كلام العرب وشعرهم؟
دعني فاذهب جانباً ... يوماً وأكفف جانباً
وقد كشف الخليل (قاعدته) أيما كشف، وبيانه في (الكتاب).
إني لأقول هازئاً: الحق أن في الكتاب لحناً - كما افترى المفترون على عثمان وكما قولوه - لكن العرب ما أقامته بألسنتها ولن تقيمه أبداً، وما أقتدر في هذا الدهر على إقامته وإصلاحه إلا أمثال رجال التضليل (أي مبشري البروتستانت) وهاشم العربي (بل الأعجمي) في (تذييله) على (مقالة في الإسلام) معلمين الخليل وسيبويه والكسائي والفراء ما جهلوه، وهاذين العرب الصرحاء الأقحاح إلى الذي لم يعرفوه. وهو الحياء فإذا فارق المرء فارتقب كل عجيبة.
وبعد فإن كان كتاب كل أمة أو ملة في تبديل وتحريف وفيه زيادة ونقصان؛ وفيه الخطأ والخطل، وكان كاتبه غير صاحبه ف (ذلك الكتاب لا ريب فيه) (إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون)
النشاشيبي