مجلة الرسالة/العدد 199/العَالم المسرحيّ والّسِينمائِي
→ الكتب | مجلة الرسالة - العدد 199 العَالم المسرحيّ والّسِينمائِي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 26 - 04 - 1937 |
اليتيمة
على مسرح الأوبرا الملكية
إخراج الفرقة القومية المصرية
استأنفت الفرقة القومية موسمها الثاني ابتداء من مساء الأحد الماضي 18 أبريل الجاري، مفتتحة هذا الشطر من الموسم بمسرحية محلية هي (اليتيمة) من وضع الأديب السعيد يوسف موسى
وقد عالج المؤلف في مسرحيته ناحية من نواحي النقص الاجتماعي في البيئة المصرية، إذ جعل من بطل الرواية وبطلتها ضحيتين للتقاليد القديمة الموروثة المتسلسلة في دماء الطبقة العليا في الشعب، الذين لا يزالون يستمسكون بمعتقداتهم في أن الله جعل الناس طبقات في الغنى والجاه والحسب والنسب، وليس في العلم والفضل والقيمة الاجتماعية، ولا يعترفون بعاطفة إلا ما وافق منها تلك العادات البالية.
لهذا نرى صبري باشا يقف حائلا شديد الكثافة بين ولده ووحيده ثابت الطالب الذي يدرس الاقتصاد السياسي في فرنسا وبين ابنة ناظر زراعته المتوفى (أمينة) على الرغم من أنها نشأت في بيت الباشا نفسه وتعلمت وتثقفت كابنته، وعلى الرغم من تعلق ولده بها وولع كل منهما بصاحبه وتعاهدهما على الوفاء والزواج
لا يعبأ الباشا بهذه الاعتبارات، فينتهز فرصة عودة ابنه إلى فرنسا لإتمام دراسته، ثم يرغم حبيبة ابنه على الزواج من أحمد أفندي ناظر زراعته الذي حل محل أبيها
ولما كان هذا الزواج بإكراه وإرغام، فقد اعترى الفتاة يأس وأصابها غم، فاستحال بيت الزوجية جحيما، وانقلب نعمى ذلك البيت الوادع بؤسا وشقاء، واستمر الخصام بينها وبين زوجها واتصلت أسباب التشاحن والتغاضب حتى كره الزوج حياته وكره نفسه.
وفي صباح يوم نشبت بينهما مغاضبة اشتركت فيها (أم أحمد) وجعلت تعير الفتاة وتهجوها وتقول إن الناس يتقولون على بيتهم منذ دخلته إذ يزعمون إنها ما زوجت من ناظر الزراعة إلا لأن ابن مخدومه عبث بها ولوث شرفها وفوجئت الفتاة بهذا الاتهام فدهشت له وأدركها الحزن واليأس.
وجاء الباشا يعلن أن ابنه عاد من باريس وأنه قادم إلى هذا البيت ليرى (أمينة) وهو لا يعلم أنها تزوجت من أحمد أفندي
ويفزع الزوج لهذا الخبر ويجزع من رؤية هذا اللقاء، فيستعفي الباشا ويذهب إلى الدائرة ويأخذ الباشا في تهدئة الفتاة التي تشكو إليه ظلمها وتتضرع إليه أن يعفيها من هذا العذاب
وبينما هما في ذلك إذ يدخل (ثابت) فتهرع إليه الفتاة وتتعلق بعنقه ويكون بينهما لقاء تطرب له قلوب العشاق وتنفطر له مرائر الأزواج الذين يكرهون على مثل هذه الزوجية، ويطول بينهما العناق وتستمر شكواهما حتى يقول الفتى: أحبك إلى الأبد فيقول الباشا: حتى ولو كانت متزوجة؟. .
وينزل الخبر على الفتى نزول الصاعقة ويموت رجاؤه وينفصل عن الفتاة، فترجوه وتبثه آلامها وتقول إنها أرغمت وأكرهت على هذا الزواج، ولكنه يقول إنها لوثت ودنست بالزواج فهو لذلك يتركها ويدفن أماله فيها.
وحين تيأس الفتاة منه تلقي بنفسها من النافذة وتنتهي القصة
وإلى هنا نجد أن المؤلف عالج الموضوع أوفى علاج وكشف عن مستور هذه العلة وبين سوء أثرها في المجتمع موفقا في ذلك أعظم توفيق، ولذلك نعتقد أن الفرقة أنصفت حين اختارت هذه المسرحية وأخرجتها.
أما إخراج الرواية فقد تولاه مخرج الفرقة الأستاذ عزيز عيد وليست لنا ملاحظات على إخراج هذه المسرحية إلا أنه في الفصل الثاني حين استيقظت (أمينة وثابت) وهما في بيت أحمد أفندي ثم جاء الناظر وأمه طلب هذا إلى والدته أن تجيئهم بطعام الإفطار فخرجت لهذا الغرض، ولكنهم لم يذكروا شيئا عن ذلك فيما بعد ولم يحضر الطعام.
وقد أدى (أحمد علام) والسيدة زوزو حمدي الحكيم دوري البطولة في هذه الرواية وبذلا فيه جهدا جبارا كان عاملا كبيرا في نجاح الرواية إلى أبعد الحدود وفي آخر فصل من الرواية أظهرت (زوزو) منتهى ما تصل إليه عبقرية الممثلة
وكان جميع الممثلين يعرفون أدوارهم ويفهمونها تمام المعرفة والفهم، فظهروا بمظهر الإتقان البالغ الذي يستحقون عليه التهنئة الحارة الصادقة.
الحل الأخير
إخراج أستوديو مصر
لم يكن أصحاب شركات السينما الناشئة في مصر يعنون في الروايات التي يخرجونها بالموضوع والمغزى. ولعلهم لا يرون الموضوع عنصراً مهماً في روايات السينما. وبحسبهم العناية بالمناظر والإخراج، وأن يكون الممثلون من الشخصيات المعروفة. فكانت رواياتهم خالية من المغزى أو هي ذات مغزى تافه، وكان ذلك من أهم المآخذ التي تؤخذ عليهم
نذكر هذا أمام التحدث عن رواية الحل الأخير التي عرضت بسينما رويال، وهي الرواية الثانية لاستديو مصر، وهي من الروايات المصرية القليلة التي تتضمن مغزى وتدور حول فكرة، وموضوعها من صميم الحياة. يسرد المؤلف حوادثها في تسلسل طبيعي حتى ينتهي إلى المغزى الاجتماعي الذي يرمي إليه؛ والمخرج صور هذه الحوادث على طبيعتها من غير تهويل ولا خروج عن الحقيقة. وقد فهم الممثلون ما يرمي إليه المؤلف فقاموا بأدوارهم كأنهم أبطالها الحقيقيون لا ممثلون على الشاشة البيضاء، فتم بذلك التعاون بين التأليف والإخراج والتمثيل على تصوير الغرض وإبراز الحقيقة
ولم يجر المؤلف في هذه الرواية على عادة كثير من المؤلفين في وضع الأدوار والمواقف لتناسب أشخاصا معينين، بل وضع روايته كما يقتضي انسجام الحوادث، ثم اختار لها الممثلين الموافقين فجاءت منسجمة متماسكة. وعمل المخرج على إبراز هذه الحقيقة فوجه عنايته إلى تنسيق المشاهد تنسيقا طبيعيا أكسبها روعة وجلالا، وتجنب المواقف المصطنعة أو المناظر المستفزة للمشاعر
وتعد هذه الرواية بحق مثلا يحتذى في روايات السينما المصرية وتدل على اتجاه أستوديو مصر إلى الإتقان في صناعة السينما، وقد تنبه إلى أهم عنصر من عناصر النجاح في الروايات، وهو الموضوع والمغزى، فإنه الأثر الذي تتركه الرواية في نفوس الجمهور؛ والحوادث التي لا تخرج عن مجال الحقيقة الرائعة إلى التهويل والمبالغة تشعر الجمهور بروعة الحياة الطبيعية التي يعيش فيها إحساسه وفكره فلعل المتصدين لصناعة السينما يلتفتون إلى هذه الحقائق ويعملون بها، متجهين إلى الفن في ذاته، نابذين غير ذلك من الوسائل التي لا تغني ولا تجدي
(ع)