الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 194/الألفاظ العربية

مجلة الرسالة/العدد 194/الألفاظ العربية

بتاريخ: 22 - 03 - 1937


الإسلامية، المولدة، المعربة، العربية، العبرانية، السريانية

استعمال لفظة في محلها: (سد بوزك)

للأستاذ محمد اسعاف النشاشيبي

الألفاظ في العربية أقسام:

قسم عربي بحت، وهو الذي وضعته اللغة في (الجزيرة) أو جاء من عند غيرها وخالط ألفاظها فعد كأنه منها، وهو أعجمي تعرب، والعربية عربية قوية، فكان مثل (الهرمزان الذي أسلم وبدَّل ثيابه، وتسمى بعرفطة. .) كما جاء في (الطبقات) لابن سعد.

وقسم إسلامي أظهره الإسلام، وما كان في الجاهلية يعرف، أو كان له معنى فيها غير الذي استجد، وهو مثل: المؤمن، المسلم، الكافر، المنافق، المخضرم، الجاهلية، الدجاجلة، الفاسق؛ قال ابن الأعرابي: (لم يسمع قط في كلام الجاهلية ولا في شعرهم (فاسق) قال: وهذا عجيب وهو كلام عربي، ولم يأت في شعر جاهلي. وفي الصحاح نحوه).

وقسم مولّد محدَث، ولد في غير (الجزيرة) مثل الطنز (أعني السخرية) والكابوس الذي يقع على النائم - وفي هذا الزمان يقع على النائم واليقظان - والمطرمذ وهو الكذاب الذي له كلام وليس له فعل، وما أكثر الطرمذة في الناس! والفشار - وهو الهذيان - وجُلّ الناس أو كلهم - كما يقول بعضهم - فشارون. .

ومن المولد الطرش والتشويش والمخرقة والقازوزة والبحران ومنه (ستي) في قولهم: يا روحي، يا ستي! بمعنى يا سيدتي

وقسم معرب وتعريب الاسم الأعجمي أن تتفوه به العرب على منهاجها تقول: عربته العرب وأعربته

في (الصحاح): المهندز الذي يقدر مجاري القني والأبنية، معرب. وصيروا زايه سينا فقالوا: مهندس لأنه ليس في كلام العرب زاي قبلها دال

ومن المعرب (قالون) قال الثعالبي في فقه اللغة: (سأل علي شريحاً مسئلة فأجابه؛ فقال له: قالون: أي أصبت بالرومية) وفي (الفائق) للزمخشري (أو هذا جواب جيد صالح. ومنه حديث ابن عمر (رضي الله عنهما) أنه عشق جارية له (رومية) وكان يجد بها وجداً شديداَ، فوقعت يوماً عن بغلة كانت عليها، فجعل يمسح التراب عن وجهها ويفديها، وكانت تقول له: أنت قالون (أي رجل صالح) فهربت منه بعد ذلك فقال:

قد كنت احسبني (قالون) فانطلقت ... فاليوم أعلم أني غير (قالون)

ومن المعرب الشُشقلة وهي أن تزن الدينار بازاء الدينار لتنظر أيهما أثقل، قيل ليونس: بم تعرف الشعر الجيد؟ قال: بالششقلة

ومنه (البوس) بمعنى التقبيل. ومن المعرب (خوداي) أي واجب الوجود وهو الله. وفي كتاب (المدهش) لابن الجوزي: (وقف أعجمي عند الكعبة والناس يدعون وهو ساكت، ثم أخذ بلحيته فرفعها وقال: يا خوداي، شيخ كبير!!!)

ومن المعرب (الخز والديباج) وكون هذين معربين - شيء محقق

ومنه الفالوذج واللوزينج والجوزينج ومن يقدر أن يماري في تعريب ذلك؟؟

ومنه (الدهدر) أي الباطل وهو تعريب (دَهْ دُلِه) أي صاحب عشرة قلوب، والمراد به الرجل المتقلب. (قلت): والرجل المتقلب ذو مائة قلب ومائة وجه

ومنه البشم: التخمة، ولا ريب في أنها معربة فما يجيء البشم إلا من الإفراط في الأكل، ومتى كان الشبع في الجاهلية حتى يكون البشم؟!

وكمه أيضاً: (أيضا) فارسيتها أيدي كما يقول كتاب الألفاظ الفارسية المعربة

ومن المعرب: (شاقرد) أو شاجرد ومعناه متعلم، تلميذ تعريب شاكرد قال الأعشى:

وما كنت (شاجردا) ولكن حسبتني ... - إذا (مسحل) سدّي لي القول - أنطلق

وقال موسى بن عبد الله البختكان:

قد كنت شاكردي فيما مضى ... فصرت أستاذي ولا ترضى

ومن المعرب: التوت أو التوث وهو الفرصاد في العربية الأولى. قال محبوب بن أبي العشنط:

لروضة من رياض الحزن أو طرف ... من القُرَيّة جرد غير محروث

للنوْر فيه إذا مج الندى أرَج ... يشفي الصداع وينقي كل ممغوث

أحلى وأَشهى لعيني إن مررت به ... من كرخ بغداد ذي الرمان والتوث وفي تذكرة الشيخ تاج الدين بن مكتوم بخطه: (قال نصر بن محمد بن أبي الفنون في كتاب أوزان الثلاثي: سين العربية شين في العبرية، فالسلام شلام، واللسان لشان، والاسم اشم)

وقول ابن أبي الفنون يذكرنا بكلام لابن حزم في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام) وهو:

(إن الذي وقفنا عليه وعلمناه يقينا أن السريانية والعبرانية والعربية التي هي لغة مضر وربيعة لا لغة حمير - واحدة تبدلت بتبدل مساكن أهلها فحدث فيها جرش كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نغمة أهل القيروان، ومن القيرواني إذا رام لغة أهل الأندلس، ومن الخراساني إذا رام نغمتهما

ونحن نجد من سمع لغة أهل (فحص البلوط) وهي على ليلة واحدة من قرطبة كاد يقول إنها لغة أخرى غير لغة أهل قرطبة. وهكذا في كثير من البلاد فإنه بمجاورة أهل البلدة لأمة أخرى تتبدل لغتها تبدلاً لا يخفى على من تأمله، ونحن نجد العامة قد بدلت الألفاظ في اللغة العربية تبديلاً، وهو في البعد عن أصل تلك الكلمة كلغة أخرى، ولا فرق، فنجدهم يقولون في العنب: (العينب) وفي السوط (أسطوط) وفي ثلاثة دنانير (ثلثدا). وإذا تعرب البربري فأراد أن يقول الشجرة قال (السجرة)؛ وإذا تعرب الجليقي أبدل من العين والحاء هاء فيقول (مهمداً) إذا أراد أن يقول (محمداً) ومثل هذا كثير. فمن تدبر العربية والعبرانية والسريانية أيقن أن اختلافها من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان واختلاف البلدان ومجاورة الأمم، وإنها لغة واحدة في الأصل

ومن الألفاظ المولدة في العربية لفظة (البوز) التي استعملها الجمهور في مدينة يافا من أعمال فلسطين منذ أربع سنين حينما كان الوطنيون في دار القضاء (المحكمة) يحاكمون، فقد قال عامل عربي من عمال الشحنة أو الشرطة - البوليس أو البلوص كما يقال في بعض الجهات - فإنه قال كلمة منكرة فاحشة أنكرها الجمع العربي حتى أن النيابة وهي كلمة إنكليزية أنكرتها وقسرته على أن يرجعها فرجعها؛ فلما قالها صاح الناس هناك: (سد بوزك)

وقد ظن بعضهم أن هذه اللفظة عامية والصحيح أنها معربة أو مولودة وهي - إن لم تكن نوحية - ألفية عمرها ألف سنة، وقد استعملها كبار الأدباء، وهذه حكاية أوردها ياقوت في كتاب (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) وقد جاءت فيها اللفظة المذكورة: (حدث غرس النعمة محمد بن هلال قال: حضر يوماً (ابن جني) - الإمام اللغوي - في الديوان يتحدث مع أبي اسحق الصابي، وكان له عادة في حديثه بأن يميل شفتيه ويشير بيديه، فبقى أبو الحسين القمي شاخصاً بصره يتعجب منه فقال له ابن جني: ما بك يا أبا الحسين، تحدق إلي النظر وتكثر مني التعجب؟

قال: شيء ظريف!

قال: ما هو؟

قال: شبهت مولاي الشيخ وهو يتحدث ويقول ببوزه كذا ويده كذا بقرد رأيته اليوم عند صعودي إلى دار المملكة وهو على شاطئ دجلة يفعل مثلما يفعل مولاي الشيخ

فامتعض أبو الفتح بن جني وقال: ما هذا القول يا أبا الحسين (أعزك الله)؟ ومتى رأيتني أمزح فتمزح معي، أو أمجن فتمجن بي؟

فلما رآه أبو الحسين قد غضب قال: المعذرة أيها الشيخ إليك والى الله (تعالى) أن أشبهك بالقرد، وإنما شبهت القرد بك

فضحك ابن جني وقال: ما أحسن ما اعتذرت! وعلم أنها نادرة تشيع فكان يتحدث هو بها دائماً)

ويستعمل بعضهم (البوز) لبرطيل الكلب. فيقول: بوز فلان مثل بوز الكلب

وإذا كانت اللغة خصت بها هذا الحيوان فيكون استعمالها لنوع من بني الإنسان مجازياً، والمجاز باب واسع. . .

فقول الجمهور لذلك (الشُّرْطي) حين خرج الذي خرج من فيه، من فمه، من بوزه: (سد بوزك) - استعمال من جهة اللغة في محله. . .

محمد اسعاف النشاشيبي