مجلة الرسالة/العدد 19/بلياس ومليزاند
→ الحارس | مجلة الرسالة - العدد 19 بلياس ومليزاند [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 15 - 10 - 1933 |
للفيلسوف البلجيكي موريس ماترلنك
ترجمة الدكتور حسن صادق
مليزاند: خل سبيلي. . . قد يباغتنا أحد. . .
بلياس: كلا، كلا، لن أطلق سراحك الليلة، أنت سجينتي، وستظلين كذلك الليل كله. . .
مليزاند: بلياس! بلياس!
بلياس: لن تستطيعي الفكاك بعد ذلك. . . إني أربط شعرك حول الأغصان. . . لم أعد أتألم وسطه. . . أتسمعين قبلاتي ترقص على امتداده؟ إنها تتسلقه، ويجب أن تحمل كل شعرة إليك قبلة. . . أنظري. . . أستطيع الآن أن أفتح يدي. . . أترين؟ هاتان يداي مفتوحتين طليقتين، ومع ذلك تعجزين عن هجري والابتعاد عني!
(يخرج من البرج يمام ويطير حولهما)
مليزاند: أوه! آلمتني. . . ما هذه الطير التي تحوم في الفضاء حولي؟
بلياس: اليمام خرج من البرج. . لقد أفزعته فطار
مليزاند: أنه يمامي يا بلياس! اذهب من هنا ودعني وحدي لن يعود إلي يمامي!
بلياس: ولماذا؟
مليزاند: سيضل في الظلام. . . دعني أرفع رأسي. . . إني، أسمع وقع أقدام. . . اتركني بربك. . . إن (جولو) مقبل علينا! أعتقد أنه هو! لقد سمع حديثنا. .
بلياس: انتظري! انتظري! شعرك عالق بالأغصان. . وقد اشتبك في سواد الليل. انتظري!
انتظري!. . . التف الكون بالظلام. . .
(يدخل جولو من الطريق المستديرة)
جولو: ماذا تصنع هنا؟
بلياس: ماذا أصنع هنا؟. . . إني. . .
جولو: أنتما طفلان. . . مليزاند، لا تنحني هكذا على النافذة. . ستسقطين. . . أنسيتما أن شطراً كبيراً من الليل قد تردى في هوة الماضي؟. . . كاد الليل أن ينتصف. . . لا يجوز أن تلعبا في الظلام كما تفعلان الآن. . . أنتما طفلان. . . (ثم يقول في انفعال شديد) أ طفلين، أي طفلين!
(يخرج مع بلياس)
المنظر الثاني:
(كهوف تحت القصر. يدخل جولو وبلياس)
جولو: أحترس. . . من هنا من هنا. . . ألم تلج قط هذا المكان؟
بلياس: بلى، مرة واحدة. . . وقد مضى على ذلك زمن طويل
جولو: إذن أنتظر. . . ها هو ذا الماء الراكد الذي حدثتك عنه. . أتشم رائحة الموت التي تنبعث منه؟ هلم نتقدم حتى نبلغ آخر الصخرة المطلة على الماء، ثم انحنى عليها قليلاً. . . ستهب عليك الرائحة وتصدم وجهك. . انحنى ولا تخف، سأشد أزرك. . أعطني لا. لا. . لا أريد يدك. . أخشى أن تفلت من يدي. . أعطني ذراعك. . . أترى الهاوية؟ بلياس؟ بلياس؟
بلياس: نعم. أعتقد أني أرى قاع الهاوية. . . أهو النور الذي يهتز هكذا؟. . . أنت. . .
جولو: نعم. إنه المصباح في يدي يهتز. . انظر، إني أحركه لأنير الجدر. .
بلياس: إني أختنق في هذا المكان. هلم نخرج
جولو: لك حكمك
(يخرجان في صمت)
المنظر الثالث:
(شرف عند مخرج الكهوف)
بلياس: آه! الآن أتنفس بعد ضيق. . . اعتقدت، لحظة؛ أن الدوار سيصرعني في هذه الكهوف الهائلة. . كنت على وشك السقوط. . في ذلك المكان المخوف هواء رطب ثقيل كأنداء من الرصاص، وظلمات كثيفة كعجين مزج بالسموم. . وهاأنذا أملأ رئتي بهواء البحر كله!. . إني لأجد نسيما منعشاً نضيراً، كزهرة تفتحت في هذه اللحظة وسط أوراق صغيرة خضراء. . آه! لقد سقيت منذ قليل الأزهار المغروسة أمام الشرف، والنسيم يحمل إلينا رائحة العشب المبلل ويفوح بشذى الأزهار وعطرها. . حان وقت الظهر أو كاد، وآية ذلك أن ظل البرج قد أدرك الأزهار. انتصف النهار، لأني أسمع دق النواقيس وأرى الأطفال يجرون نحو شاطئ البحر للاستحمام. آه! أنظر. أمنا وميلزاند في إحدى نوافذ البرج
جولو: نعم إنهما لجأتا إلى ناحية الظل يعصمهما من حرارة الشمس. . وبمناسبة ميلزاند أقول لك إني سمعت ما جرى وما قيل أمس مساء. إنه حديث أطفال يلعبون، وأعرف ذلك جد المعرفة ولكن يجب ألا تعودا إلى ما كنتما فيه من حديث ولعب. إنها رقيقة الحس ورقيقة الأعصاب، وحالها تتطلب معاملة فيها حسن السياسة ولطف الكياسة، لأنها فوق ما ذكرت تحمل في أحشائها جنيناً وستصبح أماً في القريب العاجل. وأقل انفعال قد يصيبها بمكروه. وليست هذه بأول مرة أرى فيها ما يجعلني أظن أن بينك وبينها أشياء. . إنك أكبر منها سناً، ويكفي أن أقول لك ذلك. . تجنبها ما استطعت، ولكن في غير تصنع. . أسمعت؟ في غير تصنع (يخرجان)
المنظر الرابع:
(أمام القصر. يدخل جولو وولده إينيولد الصغير)
جولو: تعالي نجلس هنا يا إينيولد. تعالي. على ركبتي. سنرى من هذا المكان ما يجري في الغابة. لم أعد أراك يا بني منذ أيام كثيرة. أنت أيضاً تهجرني وتزوَّر عني معرضاً! إنك في كل حين عند أمك الصغيرة (يعني مليزاند). . . آه! ها نحن أولاء نجلس تحت نوافذها مصادفة. . لعلها في هذه اللحظة تؤدي صلاة المساء. . ولكن دعنا من هذا وقل، يا بني: إنها تقضي أكثر وقتها مع عمك بلياس، أليس كذلك؟