مجلة الرسالة/العدد 188/من هنا ومن هناك
→ الفنون | مجلة الرسالة - العدد 188 من هنا ومن هناك [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 08 - 02 - 1937 |
الاثنولوجيا الجديدة وهر هتلر
الأثنولوجيا أو علم الأجناس البشرية هو علم حديث لا يزيد عمره على الخمسين أو الستين سنة، وأشهر العلماء الذين ساهموا في مباحثه هم هكسلي وولفرد بلنت وجريفث تايلر وسير. ف. بتري والأستاذ ج. ف هورابين الذي وضح بالرسوم خلاصة التاريخ لولز ثم الأستاذ العلامة إليوت سميث الذي يتعصب لمصر القديمة ويعترف أنها صاحبة الفضل في تثقيف العالم. ولقد كانت الاثنولوجيا القديمة تحصر الأجناس البشرية في السلالات الثلاث التي تنتسب إلى أبناء نوح وهم حام وسام ويافث، وقد نسخت الأثنولوجيا الحديثة تلك النظرية البالية وأصبحنا نرد الشعوب في أقاصي الأرض إلى أصول أقرب إلى الحقيقة وإن يكن الجدل لم ينته بعد حول هذه الأصول
وقد أثار العداء الناشب بين هر هتلر وبين اليهود الجدل من جديد حول الأصول الأثنولوجية وكانت النتيجة الهائلة أن طرد اليهود من ألمانيا وأن حرمت ألمانيا التزاوج على أبنائها من غير الآريين، وهي تخص بهذا التحريم الشعوب السامية وإن تكن تقصد - كما صرح ساستها - أنها تعني اليهود من بين الشعوب السامية قاطبة!!
وبعد أن نهضت اليابان نهضتها الحاضرة أصبح علماء الأثنولوجيا في شك مريب من القيم الذهنية التي كانوا يخصون بها بعض الشعوب. ونحن لا تعنينا هذه القيم الآن وإنما أردنا أن نقدم للقارئ خلاصة مفيدة عن الأجناس التي تعترف بها الأثنولوجيا الحديثة
1 - فهم يرجعون الأصول الإنسانية إلى العصر الباليوليتي الأقدم واشهر أناسيه هم: إنسان هيدلبرج والإنسان النيندرتالي وإنسان بلتدن ثم الإنسان الراقي الذي هو الجد الأول للشعوب
2 - ثم يأتي العصر الباليوليتي الحديث وتنقسم أناسيه إلى مجموعتين كبيرتين: المجموعة الكروماجنارديه والمجموعة الجريمالديه وهذه المجموعة هي مجموعة الزنوج وقبائل البوشمان والأستراليين والطسمانيين والأندمانيين
3 - أما المجموعة الجريمالديه فهي مجموعة الجناس الراقية وتتفرع إلى ثلاث شعب: الأجناس النورديه والأجناس السامية والأجناس المغولية 4 - على أن بعض العلماء يطلق اسم (الجنس القوقازي) على سكان أوروبا وغرب آسيا، ويقسم القوقازيين إلى (نورديين) وهم أهالي شمال غرب أوروبا ثم (أيبريين) وهم أهالي البحر البيض و (ألبيين) وهم سكان اللب والجبال الممتدة منها
5 - وهناك أجناس مولدة (خلاسية) من النورديين والأيبريين أهمها الأيرلنديون والقلتيون والغاليون
6 - وإذا ذكر الآريون فإنما يجيء ذكرهم عند الكلام عن الفيلولوجيا (التي تعني علم فقه اللغات) ويشملون الإنجليز والفرنسيين والألمان والأسبان والإيطاليين والإغريق والروس وأهل أرمينيا. والفرس وشمال ووسط الهند ويسمون - أو
7 - وتشمل شعبة الساميين المصريين والعرب والشآميين والفرس والسامريين والدرافيد (الهند) والسياميين وأهل ملايو
8 - أما شعبة المغول فتشمل الهون والترك والمنغوليين والإسكيمو والأمرنديين واليابانيين والصينيين والتتار
9 - ويتكون من أجناس المجموعة الراقية الكروماجنارديه مزيج وسط يطلقون عليه (البرونيتيين) وهم شعوب الثقافة الهليوليتية
ولا يحسبن القارئ أن هذه الأجناس صافية مستقلة بأصولها محتفظة ببذرتها فقد تزاوجت كثيراً وتداخل بعضها في البعض الآخر. ومن أنفع الكتب التي تفيد المستزيد في هذا الباب كتاب الأستاذ إليوت سميث (هجرة الثقافة في العصور القديمة)
د. خ
لويجي بيراندللو:
مات الأديب الإيطالي العظيم لويجي بيراندللو منذ شهرين فخسرت فيه إيطاليا ملكا أكبر من الحبشة! وإمبراطورية أوسع من إمبراطورية سبط يهوذا. وشتان بين فتح مغتصب، وأدب خالد مكتسب!
لقد استطاعت إيطاليا أن تساهم في الثقافة العالمية منذ القدم إلى اليوم بطائفة من الأدباء الأفذاذ الملهمين، لولاهم لتأخر موكب الإنسانية، ولتباطأت النهضة (الرنيسانس) عن تاريخها منذ خمسة قرون، ولاستطالت العصور الوسطى، ولتبدل مجرى التاريخ. وهذه الأسماء البارزة في تاريخ الفكر الإنساني: فرجيل، هوريس، شيشرون، سنكا، دانتي، بوكاشيو، جاليليو، كوبرنيكوس رفائيل، سانازارو، كارو، كاسا، كاستليوني، ليوباردي، بترارك الخ. هي أسماء عظيمة لاشك، وقد ضم إليها ورقد إلى جانب أصحابها لويجي بيراندللو فزاد التراث وعظمت إيطاليا
ولد براندللو في جيرجنتي إحدى مدائن صقلية وشب في أسرة كثيرة المتاعب والخصومات، وقد ماتت أمه فتزوج أبوه وكان أباً شهوانياً مولعاً ببنات الهوى، وقد ظل متصلا بابنة عمته الأرمل برغم زواجه، وقد حملت منه سفاحاً فأرضاها بهبة مالية على أن تهاجر إلى بلد آخر
ويظهر أثر هذه الحياة العائلية المضطربة في بيراندللو، وقد سجل فضيحة أبيه في درامته (إكساء العراة) حيث يصور العلاقة الأثيمة بين الفتاة أرزيليا ومخدومها الذي شغف بها حباً واتصل بها ثم أولدها. فلما حاولت الانتحار ولم تستطعه ألحف عليها مخبرو الجرائد ليتعرفوا سبب محاولتها الانتحار حتى اضطرت أن تعترف لهم بكل شيء ثم أفلحت آخر الأمر في أن تنتحر.
وفي درامته (إيف - و - لين) يصور لنا شاباً مالياً يتزوج من الفتاة الجميلة (إيفلين) ثم يقع في عسر مالي فيهرب ويتركها وقد ولدت منه طفلاً جميلا - وتتصل إيفلين بمحامي زوجها فتتزوج منه وتلد له طفلة بارعة الجمال. . . وتمضي الأيام. . . ويعود الزوج الأول وقد هاجه الشوق إلى زوجته ولكنه يجدها متزوجة محاميه وقد ولدت له هذه الطفلة - وكان كل منهما يدللانها فيدعوها الأول (إيف) ويدعوها الثاني (لين) - وهنا تظهر براعة بيراندللو في تصوير العواطف المتباينة في قلب هذه المرأة وحيرتها بين حبها القديم وواجباتها الزوجية الحاضرة، وبين حبها لطفلها الأول الذي اصبح اليوم شاباً وطفلتها الأخرى من زوجها الآخر. . . ثم لا يسعها إلا الرضى بما قسم لها. . .
ولم ينبه ذكر بيراندللو إلا بعد إصداره درامته الخالدة (ماتياس باسكال) والتي يصور فيها حياة رجل ضج بالحياة وتبرم بزوجه وحماته فهرب منهما واعتزم الرحيل إلى الدنيا الجديدة. ولكنه مر في طريقه على مونت كارلو بلد الميسر والمقامرة فرأى أن يجرب حظه على الروليت فربح أرباحاً طائلة - ولكنه قرأ في الجرائد أن جثة غريق ظهرت في النهر وأنها لرجل يدعى (ماتياس باسكال) فضحك ماتياس. وهنا خطر له أن يستغل الحادث وأن يعيش عيشة رجل مجهول طليق من الأوضاع الاجتماعية ولكنه سرعان ما يفقد شخصيته ويحس كأنه ميت حي!
وبعد صيت بيراندللو فعين أستاذاً للآداب في جامعة رومة، ولكن مهنته الجديدة زادت في متاعبه، فقد كان يعلم التلميذات في الجامعة وكن ظباء كلهن، واضطرمت الغيرة في قلب زوجته، وكثيراً ما اتهمته بميله إليهن وغرامه بهن؛ وغلى هو في التبرؤ إليها ولكنها ازدادت حقداً عليه بزعم غلها يده في نفقته الشخصية حتى لم تكن تسمح له إلا بدريهمات لا تغني. . . ثم تضاعفت غيرتها وساورتها الشكوك فكرهت أبناءها وقلبت بيتها جحيماً لا يطاق، فاضطر بيراندللو آخر الأمر أن يلجأ بها إلى مستشفى للأمراض العقلية
وقد أرسل بولديه إلى الميدان في الحرب الكبرى فأسر الأكبر وجرح الأصغر، ثم وصل إليه أبوه المفلس الأعمى من صقليه، فزادت أشجانه وتضاعفت متاعبه ولاسيما بعد أن لفظت الألسن وولغت في عرض أبنته التي اضطرت أن تقضي بقية حياتها في دير بعيد منفردة بعد أن فشلت في الانتحار غير مرة. . . . . . فمن هذه الفذلكة السريعة يدرك القارئ كيف أثرت تلك الحياة المشجونة القلقة التاعسة في كاتب إيطاليا العظيم، حين أصدر درامته الخالدة العبقرية (ستة أشخاص يبحثون عن مؤلف) والتي ملأها بكل مخاوفه وأحزانه
وقد تأثر بيراندللو بالكاتب الروسي دستوئفسكي، وبين دراماته وقصص دستوئفسكي صلات وثيقة، ولا نكاد نقرأ قصة أو درامة لبيراندللو إلا ونلمح أثر البطل راسكو لنيكوف ومناظر (بيت الموتى) ماثلة فيها - وقد تأثر كذلك بالسيكولوجي النمساوي فرويد وقد غادر منصبه في الجامعة سنة 1922 ليتفرغ للمسرح، وقد كان يصحب فرقته التمثيلية إلى مختلف العواصم الأوربية والأمريكية ليباشر إخراج دراماته بنفسه
ومن أخلد دراماته وقصصه: هنري الرابع - و - أنت تضحك - وزوجها - كوميديا الموت - وحصان في القمر - والفخ - وشهوة الشرف. . . الخ.
ومما يؤخذ على بيراندللو إغراقه في الخيال وتجزئ الشخصيات والغموض الشديد في بعض مواقف دراماته المملوءة بالمنازعات
وقد نتناول بعض دراماته بالبحث والتحليل في إعداد تالية
د. ح