مجلة الرسالة/العدد 184/النقد
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 184 النقد [[مؤلف:|]] |
العالم المسرحي والسينمائي ← |
بتاريخ: 11 - 01 - 1937 |
سلسلة الموسوعات العربية
معجم الأدباء
للدكتور عبد الوهاب عزام
أخي صاحب الرسالة:
أود أن تفسح لي قليلاً في صفحات رسالتك فإني مضطر إلى التوسع قليلا في الكتابة. وسأضن كما ضننت من قبل بصفحات الرسالة القيمة فاقتصر على سرد أغلاط المعجم سرداً واثقا بفهم القارئ، مكتفياً باللمحة الدالة والإشارة الموحية، ولو استوعبت الأغلاط وأسهبت في بيان الأدلة لكان لنا معجم أخر
ابدأ مقال اليوم بكلمة في نقد الأستاذ الفاضل محمود مصطفى وأخرى في نقد الأديب الكريم عبد العظيم قناوي وثالثة في مقالات الأستاذ عبد الخالق عمر
وأود أن يتنبه الكاتبون إلى أمرين؛ الأول: أننا في شان كتاب قديم ينشر. فكل همنا أن يكون الكتاب كما راده مؤلفه. فإذا أثبت الناشر أو المصحح كلمة تدل القرائن على أن المؤلف لم يكتبها فهي غلط على المؤلف ولو كان لها محمل في اللغة
والثاني: أن مقياسنا في النقد هو اللغة التي نتعلمها ونعلمها ونكتب بها، ونعرف أن المؤلف كتب بها، فالأوجه الشاذة والمحامل الضعيفة ليس لها مساغ هنا
أقول بعد للأستاذ محمود مصطفى:
1 - جاء في مقدمة ياقوت: (إذ كل همه تحصيل المأكول والمشروب.) والقارئ بين أن يقرا هَمُّه فيخرج الكلام على وجه قوي، وبين أن يقرأ (هَمَّه) فيحمل الكلام علة وجه ضعيف، لان هَمَّ لازمة أصالة عرض لها التعدي توسعاً، واهمَّ متعديه وضعاً، وهي لغة القران. وليس من حقنا أن نعدل عن الراجح إلى غيره دون ضرورة. على أن المصححين أنفسهم اعترفوا بان عبارة المؤلف (هَمُّه) بالضم وأستدركوها في أخر الجزء الرابع فلا موضع للجدال
2 - وجاء في الكتاب: (ومعاوية بفارسٍ) فقلت إنها ممنوعة من الصرف. فنقل الأستاذ ع القاموس أن فارسَ الفرسُ أو بلادهم. وقال إن التذكير والتأنيث في أسماء القبائل والمواضع جائز فيجوز فيه الصرف والمنع. وأنا أقول: إن فارس في عبارة ياقوت ليست الفرس أو بلادهم، ولكنها ولاية في الجنوب الشرقي من بلاد الفرس. فليرجع إلى الكتاب. وأما الصرف ومنعه بنية التذكير أو التأنيث فهو من مماحكات بعض النحويين. وقد جرت اللغة على تأنيث ألفاظ وتذكير أخرى، وإجازة الوجهين في غيرها. فلا ينبغي أن ننوي التذكير في لفظ جرت اللغة على تأنيثه. فذلك ضرب من التأول لا حاجة إليه. وقد جرى العرب على تأنيث فارس. جاء في الحديث: (خدمتهم فارس والروم) وشواهد هذا كثيرة. وهؤلاء مؤرخو المسلمين هل تجد من يقول (فُتِحَ فارس) أو هم جميعاً يقولون: فتحت بالتأنيث؟ وما أرى الأستاذ في هذا النص: قال ياقوت نفسه في معجم البلدان: (قال أبو علي: فارس اسم البلد وليس باسم الرجل؛ ولا ينصرف لأنه غلب عليه التأنيث. . . وليس بأصله بعربي بل هو فارسي معرب بارْس)
3 - وأما ميسرة فقال الأستاذ فيها إنها مثلثة. ولا أضنه يجادل أن المختار فيها الفتح وبه جاء القران. فضبط كلمة مثلثة على غير الوجه المختار فيها غلط. وكان على المصحح أن يتركها لاختيار القارئ أو يعين الوجه المختار فيها. على أن المصحح اعترف في مقاله له بالمقطم أن (ميسُرة) غلط مطبعي. فان أراد الأستاذ من بعد أن يجادل فيها فليجادل المصحح نفسه
4 - جاء في ياقوت (لغوياً نابهاً ثبتاً) فقلت الصواب: (ثبتاً) بالسكون. والثبت بالفتح البرهان اسم لا وصف. فقال الأستاذ: إن القاموس أجاز فيها الفتح، وظن أني وهمت حين قرأت قول شارح القاموس: (وقيل للحجة ثبَتَ بفتحتين إذا كان عدلا ضابطا) فذهب بالي (كما يقول) إلى أن الحجة هنا الدليل والبرهان. أقول: هل يظن الأستاذ حقاً أني إذا قرأت هذه العبارة والشارح يقول فيها: (إذا كان عدلاً ضابطاً) يذهب بالي إلى أن الحجة هنا البرهان؟ ثم أقول له: لا ريب أن الوصف ثبْت بالسكون، وأن الثبَتَ مصدر. قال صاحب اللسان: (ورجل له ثبت عند الحملة بالتحريك أي ثبات). ويقال للبرهان ثبت. قال في اللسان: (لا احكم بكذا إلا بثبت أي بحجة. وفي حديث صوم يوم الشك: ثم جاء الثبت أنه من رمضان. الثبت بالتحريك الحجة والبينة). فإذا قيل للرجل المتثبت ثبت، فذلك كما يقال له حجة، وكما يقال رجل عدل. كل هذا وصف بالمصدر للمبالغة. فأما الوصف الأصيل الدائر على السنة المحدثين فهو ثبت بسكون الباء، وهو الذي تحمل عليه عبارة ياقوت. فضبط الباء بالفتح أن لم يكن غلطا فهو عبث
5 - جاء في ص 115 ج1: أُضقْت أضاقة شديدة الخ. قلت الصواب أَضَقت. ويريد الأستاذ محمود أن يصوبها مبنية للمفعول. كأن الرجل يقول: أضاقني الزمن فأضقت أي صرت ضيقا. وهذا تعسف لنصر الغلط على الصواب. والوجه أن يقال: أضاق الرجل كأعسر. قال صاحب اللسان: (أضاق الرجل فهو مضيق إذا ضاق عليه معاشه. وأضاق أي ذهب ماله) فما بالنا نعدل عن النهج الواضح إلى بنيات الطريق؟
6 - وجاء في ص 209: نزل ثغر المُصَيْصَة. قلت الصواب: المَصيصَه، وقال الأستاذ إنها المِصيِّصة، واحتج بكتابه إعجام الأعلام. وأيد حجته بقولين متناقضين: قول صاحب القاموس بأنها كسفينة؛ وقول صاحب التقويم إنها مِصيّصة. ثم خطأ الناقد والمنقود وجعلني أوفر نصيباً من اللوم؛ وأنا أحتج عليه بقول ياقوت نفسه، قال في معجم البلدان: (المَصيِّصة بالفتح ثم الكسر ثم التشديد وياء ساكنة وصاد أخرى. كذا ضبطه الأزهري وغيره من اللغويين بتشديد الصاد الأولى الخ) ومثل هذا في اللسان. ثم أقول للأستاذ إن كان الناقد حين يخطئ اجدر باللوم من المنقود، فما تقول في خطأ ناقد الناقد؟
7 - جاء في الكتاب ص 240: أنه من غُمار الناس وصغارهم. قلت الصواب غِمار بالكسر. وصوب الأستاذ الوجهين، واعترف المصحح أن الكسر أولى، وأن الضم غلط المطبعة؛ وأنا أقول مع الأستاذ محمود انه لم يخطئ في هذا ولم تخطيء المطبعة
وبعد فأسال الأستاذ الفاضل: ما رأيه في بقية الغلطات التي أخذت على الجزء الأول؟ لماذا لم يتعرض لها في مقاله؟ وإن كان راضيا بها فلماذا لم يصرح بهذا؟
وأما الأستاذ عبد العظيم قناوي فقد شارك الأستاذ مصطفى في كلمتي (هَمَّه وميسُرة). وقد تقدم الكلام فيهما. وبقي من رده قوله في البيت
أمغط مني على بصري بالحب ... (م) أم أنت أكمل الناس حسناً
أن هذا الضبط جائز - وهذا غلط بين، فالشطر الثاني خطاب لامرأة. وهو لا يستقيم مع هذا الضبط. ثم المسالة ليست مجالاً للرأي بل هي رواية يجب أن تتبع، والبيت في كتب الثقات كما رويته. وقد اعترف المصححون أنفسهم بالوجه الصحيح الذي نبهت أليه
وقوله انه يجوز في (أماكنهم ويزيدونني) حذف النون. وذلك حمل للكلام على الأوجه الشاذة. وقد تقدم القول فيه
وجاء في الكتاب ص 212
يخال بأن العرض غير موفر ... عن الذم أنه يدال له الوفر
فقلت الصواب يذال - وقال الأستاذ (ويدال ليست خطأ بل لعلها أوقع في المعنى الخ) وأنا أقول إنها خطأ لأن البيت في مدح رجل. ومعناه أن هذا الممدوح يظن أن عرضه لا يبرأ من الذم إلا إذا بذل ماله وأذيل أي امتهن - وإذا قرأت (يدال) كان البيت ذما. ويكون معناه انه يظن أن عرضه لا يسلم إلا إذا أديل له المال أي صار غنيا. وهذا ليس من المدح في شيء
واختم بشكر الأستاذ على حس ظنه، ولومه على مبالغته في الثناء علي. والله يهدينا جميعا للتي هي أقوم
وأما أستاذنا عبد الخالق عمر فقد وجهت إليه كلمة بارة في المقال السابق، ثم اطلعت على مقالات له في المقطم. وأنا أسال الله أن يعينني على تناسي هذه المقالات. وارى أن من الخير لي وله ألا أناقشه فيما قال. فسأستمر في نقدي فارضاً أنني لم أقرا ما كتب متمنياً انه لم يكتب
ثم أعود إلى الموضوع متمماً نقد الجزء الثاني من الكتاب، وقد وعدت في المقال السابق أن أبين ما أخذته على تعليق الناشرين، ولكني أتقدم بتبيين أغلاط كتبتها ثم سهوت عن إلحاقها بأخواتها في ذلك المقال
ص 199: قول البديع يرد على الخوارزمي هجاء الصحابة
هلا نهتك الوجنة الموشومة ... عن مشترَى الخلد ببئر رومه
والصواب مشترِي بالكسر. ومشتري الخلد الخ هو عثمان بن عفان، وقصة شرائه بئر رومة في المدينة ووقفها على المسلمين معروفة. ثم هذا البيت لم يستحق تفسيراً من الناشرين الذين يكلفون في مواضع أخرى بان يفسروا الماء بالماء
ص 237: فقال هذا زِنبيل الحوائج الخ - وفي الحاشية! وفي الأصل زبيل الحوائج تحريفا - أقول التحريف ما فعله المصححون، فأما الزبيل فهو افصح من الزنبيل أو هو معربه، وقد اقتصر عليه صاحب القاموس ولم يذكر الزنبيل، وذكره صاحب اللسان بعد الزبيل ثم قال: وقيل الزنبيل خطأ وإنما هو زبيل أهـ. وقال المعري:
أيها الجامع الكنوز أزر ... أم هي زِبال من نملة في زبيل
وأما الحوالج فالظاهر إنها جمع حالجة المرأة تحلج القطن، وزبيل الحوالج يجمع فيه ندافة القطن، وقد جعل في الكتاب مثلا فليرجع أليه
ص 242: في أخبار جحظة البرمكي انه كان يلقب خَنْياكِر وفي الحاشية: (كلمة فارسية معناها المغني). وهذا التفسير صحيح، ولكن كيف ضبطت الكلمة هذا الضبط؟ هل أجراها المصححون مجرى الأعلام الأعجمية وجروا فيها على المذهب الذي نشر في المقطم فأجازوا فيها كل تحريف؟ والصواب خُنَياكَر
ص 258
ماذا ترى في جَدْيِ ... وفي عقار بوارد
وقهوة ذات لون ... يحكي خدود الخرائد
والوزن لا يستقيم في الشطر الأول فينبغي أن يكون: ماذا ترى في جُدَيً - تصغير جدي. ولا يضره الصغر إذا كان لحمه لذيذاً
ص 272: قول جحظة البرمكي في قصة رجل أعطاه ثياباً وعتيدة وهي وعاء للطيب: (فخرجت كأني لص قد خرج من بيت قوم، على قفا غلامي الثياب والعتيدة كارة) والكارة حمل الثياب. فرأى المصحح أن يحذف كلمة (كارة) كرها ويضع مكانها كلمة (كلها) وكتب في الحاشية: كانت رواية الأصل كارة، ولا معنى له) وقد عرف القارئ أن له معنى وأن المصحح غير متن الكتاب غلطاً، وقدمت لهذا نظائر وسيأتي:
ص 279: قول جحظة:
يا من دعاني وفر مني ... أخلفت والله حسن ظني
قد كنت أرضى بخبز رزّ ... ومالح أو قليل بُنّ
وأرى من الصواب في القافية الثانية بُنيِّ بالياء. وهو ضرب من السمك لا يزال معروفا بهذا الاسم في مصر والعراق. وفي بعض الأغاني العامية المصرية بني يا سمك بني.
وليت الناشرين فسروا كلمة بن هنا فهي في حاجة إلى التفسير
ص 280 يقول بعض الشعراء إلغازاً عن الدواة والأقلام:
أحاجيك. ما قبر عديم ترابه ... به معشر موتى وأن لم يكفنوا
سلوت عن التبيان مدة قبرهم ... فان نبشوا يوما من الدهر بينوا
وهو إلغاز عن الأقلام في الدوى القديمة
والتحريف في كلمة سلوت، والصواب سكوت الخ
ص 283 في الكلام عن أبي نصر الباهلي الذي يقال انه ابن أخت الأصمعي: (وكان اثبت من عبد الرحمن يعني ابن أخت الأصمعي وأسن). والمعروف أن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي لا ابن أخته. وصاحب الأمالي يكثر الرواية عن عبد الرحمن عن عمه (الأصمعي)
ص 285 وكان يسكن باب الأزَجِّ. والصواب الأزَج بغير تشديد. وهو اسم محلة كبيرة كانت في الجانب الشرقي من بغداد
ويضيق مقال اليوم عن الكلام في مآخذ التعليق على هذا الجزء فموعدنا العدد الآتي أن شاء الله. والله ولي الهداية إلى الصواب
عبد الوهاب عزام