مجلة الرسالة/العدد 184/الفاكهة المحرمة
→ العالم المسرحي والسينمائي | مجلة الرسالة - العدد 184 الفاكهة المحرمة [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 11 - 01 - 1937 |
للأستاذ احمد عبد الرحمن المحامي والأستاذ محمد السوادي
وأخيراً وبعد صراع عنيف بين لجنة قراءة الروايات في الفرقة القومية، وبين المؤلفين قدر لهذه المسرحية أن تظهر على مسرح الاوبرا، وأن يستمتع الجمهور بمؤلفة مصرية ممتازة نالت رضا رواد المسرح واستحسانهم، لأن الرواية تمس جانباً من حياتهم. ولعل في النجاح الذي تعاون عليه المؤلفان وممثل الدور الأول الأستاذ احمد علام ما يجعل الفرقة القومية ورجال اللجنة تعطي الأفضلية للروايات المصرية، فليس من شك أن الفاكهة المحرمة نالت من الإقبال ما لم تنله الروايات الأخرى في هذا الموسم
لئن عيب على المسرحية المصرية أنها ما برحت تفتقر إلى الطابع الأصيل الذي يميزها عن الروايات الغربية لخلو أدبنا القديم من هذه الصورة من الأدب، فان هذه الرواية تختلف عن هذا النوع، إذ تتميز بهذا الطابع تميزاً ظاهراً، فهي قطعة من صميم الحياة والبيئة المصرية، تتصل بحياتنا وتقاليدنا وروحنا أوثق اتصال؛ وهي تقوم على الصراع بين الشباب الذي يأبى لنفسه أن يهن أمام الشيخوخة التي لا تعرف من الدنيا إلا الاعتزاز بالثروة، وعلى الصراع بين المنطق المستمد من الحكمة وجموح الرغبة، ولكن. . . في ظل التقاليد!!!
ليس من شك في أن أدبنا يفتقر إلى الوراثة المهذبة في فن صياغة المسرحية، فليست لنا تقاليد ولا آثار سابقة كما قلنا؛ ولهذا فان كتابنا الذين يعالجون المسرحية ما برحوا يأخذون بتقاليد المسرح الغربي وينحون نحوه. فالمؤلف في مصر يقف بين ثقافتين الثقافة اللاتينية والثقافة السكسونية؛ فالأولى تهتم بالمفاجئات والحركات المسرحية المتصلة والشخصيات المشتبكة المعقدة؛ والثانية تعنى بخلق الجو الهادئ والشخصيات الواضحة البسيطة
فضل مؤلفا هذه المسرحية الثقافة اللاتينية، بل قل المدرسة الفرنسية فجعلا الحوادث تتجدد، وجاءا بشخصيات تعاون على إبراز الشخصيات الرئيسية في المسرحية، وبهذا كثرت الحركة المسرحية والنشاط؛ ولكن في رأييأنهما لو سلكا الطريق الآخر وأعطيا هذه العناية للشخصيات الرئيسية لكان توفيقهما أتم. فهذه شخصية (فاضل) ذلك الصديق الذي يحب (درية) وشخصية (زوزو) ابنة صاحب الجريدة التي تحب (حسن) لو فكر المؤلفان في الاستغناء عنهما أو الاستغناء عن الشخصية الثانية وتصحيح موقف الشخصية الأولى منذ بدء الفصل الثاني، فأنا زعيم بان ختام المناظر يكون اهدأ وافعل في النفس أثراً، ولرأينا صورة بارزة من المسرح المتزن الذي يجعلنا نلتذ للتكشف الهادئ للحادثة ويصدم أذهاننا فيبعثنا على التأمل والاعتبار بالحوار ومناقشة الرأي. ولو أن لي أن أشير بنصيحة لطالبتهما بهذا الإصلاح
على أن هذا الرأي قد يكون متأثراً بعض الشيء بثقافتي السكسونية وحبي للمسرح الإنجليزي، ولكني القي به مع اعتقادي بان المسرحية قطعة أدبية ممتازة بشخصياتها الرئيسية الكاملة التصوير، والجو المصري الخالص الذي تعيش فيه هذه الشخصيات، والأسلوب الرائع الملموس في نواحي المسرحية
اشترك في تأليف المسرحية الأستاذان احمد عبد الرحمن قراعة المحامي المعروف ومحمد السوادي الصحفي؛ وقد يصعب على الناقد أن يفرق بين عمل مؤلفين أتما رواية واحدة معا، ولكن المسرحية من حيث الأسلوب وطريق التفكير والشخصيات تنم عن قراعة اكثر مما تنم عن زميله
يقول (بيفون) الكاتب الفرنسي الكبير: إن الأسلوب هو الرجل. وليس من شك في أن أسلوب قراعة القوي قد نم عليه، وليس الأسلوب وحده، بل كذلك الشخصيات وطريق التفكير؛ والمأساة تدل على أن له النصيب الأوفر في هذا العمل
فنحن نرى الشخصيات تنحني أمام قوة التقاليد، وحتى حسن ودرية، وهما من أصحاب الثقافة العالية، لا يفكران في الثورة على التقاليد والنظم بل يخضعان ويقبلان التضحية من اجل والديهما؛ ثم النهاية القاسية التي تفرق بين حسن ودرية، لان الشرع يحول دون زواجهما - تنم عن روح قراعة ربيب بيت التقاليد وبيت الإفتاء
الإخراج والتمثيل
ظهرت هذه المسرحية من غير مخرج، فقد كانت من نصيب الأستاذ زكي طليمات، وقد بدأ فعلاً في تدريب الممثلين، فلما ترك الفرقة وقامت العقبات في سبيل ظهور هذه المسرحية أهملت، وأبى الأستاذ عزيز عيد أن يتم إخراجها، فقام الممثلون أنفسهم بهذا العمل وعاونهم الأستاذ أدمون تويما منظم المسرح وافلح الممثلون في مجهودهم، كما وفق الأستاذ أدمون تويما في اختيار المناظر واختيار ألوان الضوء وتوزيعه كما يتناسب وجو المسرحية. وأقرر أن هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها مسرحية مصرية اكتمل فيها الضوء وكان عونا للممثلين؛ وأرجو أن تهتم الفرقة بهذه الناحية، وتسند إلى الأستاذ نويما الإضاءة دائما
قام الممثل الأستاذ احمد علام بالدور الأول، فكان لظهوره رنة فرح بين جمهور المعجبين به الذين احتجب عنهم زمناً غير قصير. ولقد اظهر براعة فائقة في دور حسن بك وإني بهذه لأذكر له موقفه البديع في الفصل الأول وهو يكاشف درية بحبه، وفي الفصل الثالث بعد عودته إلى البيت وحديثه مع درية زوجة ابيه، ذلك الحديث الهادئ الذي يدل على ما يضطرم في نفسه من شتى الاحساسات الألم والحب المكبوت وما إليها
وكذلك في الفصل الرابع وهو يتحدث مع شقيقته، وبعدها وهو يتحدث إلى درية، ويعرف أنها تضمر له الحب، يسمو في هذه المواقف ويصل إلى قلوب النظارة فيحركها بالألم
ويأتي بعد علام في النجاح السيدة ثريا فخري التي مثلت دور الدادة، فقد وفقت فيه توفيقاً كبيراً وأدته أداء طيباً يعجز ممثلات الفرقة عن إدراكها فيه. وكان سراج منير موفقاً في إبراز شخصية والد درية، وكانت (روحية خالد) بديعة في تأدية دور شقيقة حسن، وكانت حسنة الإلقاء خفيفة الظل، كما كان محمود رضا عذب الروح في دور نسيم أفندي مضحك الأسرة
وقامت الآنسة فردوس حسن بدور درية، وهو الدور الأول في هذه الرواية؛ فبذلت مجهوداً لا باس به، إلا إنها لم تعن العناية الكافية بإبراز عاطفتها واحساساتها في شتى المواقف، وأن تكون اقل سرعة في إلقاء كلماتها. والأستاذ منسي فهمي قام بدور محيي بك، ويخيل إلى انه لم يهتم به اهتمامه بأدواره السابقة ولم يعره جانب عنايته، ولكنه في الفصل الرابع أبدى بعض العناية فأنقذ الشخصية في النهاية
يوسف تادرس الناقد الفني