مجلة الرسالة/العدد 171/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 171 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 12 - 10 - 1936 |
الشيخ عفا الله
تأليف الأستاذ محمود تيمور
175 صفحة - قطع متوسط - طبع المطبعة السلفية - غلاف
أنيق فاخر - خمسة قروش
بفلم محمود البدوي
يكتب محمود تيمور لقصة منذ أكثر من عشر سنوات، ويوجه إليها كل عنايته وجهده وفنه. والذي قرأ مجموعة تيمور القصصية الأولى ثم يقرأ (الشيخ عفا الله) الكتاب الذي بين أيدينا الآن يرى مبلغ ما وصل إليه المؤلف من توفيق، ويرى أيضاً أنه يتطور ويخطو نحو الكمال الفني خطوات سريعة، وأنه كلما تقدم في السن أكسبته الحياة تجارب، وصقلت فنه وهذبت أسلوبه، ووسعت دائرة فكره، وفتقت ذهنه، وعمقت إحساسه، وجعلته دقيق الملاحظة بعيد النظر، حتى أصبح من نوابغ كتاب القصة القصيرة في مصر ومن الآخذين بيدها القابضين على زمامها الذين يوجهونها خير توجيه وأحسنه.
والذي يعرف تيمورا، وهو يقف من أبطال قصصه موقف الملاحظ المشاهد دائماً ولا ينزل إلى ميدان أبداً، قد يدهش عندما يراه يصور الطبقات الدنيا من الشعب، ويتغلغل في حياتها، وينفذ إلى أعماق نفوسهم ويتكلم بلسانهم ويصور أحلامهم وأمانيهم تصويراً دقيقاً فيه الكثير من الصدق. . على أن هذه الدهشة لا تلبث أن تنقلب إلى إعجاب وتقدير متى أدرك القارئ أن تيموراً وإن كان ينظر إلى هذه الطبقة من بعيد ولكنه يراها بعيني قلبه، ويحس بالعطف والشفقة والحنان على هؤلاء التعساء المساكين الذين يعيشون أبداً في الظلام مستسلمين صاغرين.
وتيمور قصصي واقعي يصور الحياة المصرية على بساطتها وسذاجتها أبدع تصوير، وقد يحيد بعض الأحيان عن الواقع ويميل إلى المغالاة في بسط الحوادث ليخلق المفاجأة ويرهف حس القارئ ويأسر لبه، على أن ذلك لا يكون إلا في سبيل فكرة سامية جليلة.
وأول ما يسرك في هذا الكتاب أن صاحبه تمشى فيه مع كتاب القصة الحديثة في أوربا الذين خضعوا راغبين لعلم النفس، فبسطوا النظريات النفسية وحللوا الإنسان تحليلاً دقيقاً على ضوء هذا العلم الجليل الشأن العظيم الأثر، وعنوا عناية فائقة بالغرائز وخفايا اللاشعور، ووفقوا وبرعوا في سبر أغوار النفس البشرية والوصول إلى أعماقها. . وتصوير أدق خلجات الفؤاد، ورد كل ما يجيش في صدر الإنسان وعقله من عواطف وخواطر وانفعالات إلى أسبابه وبواعثه الحقيقية. لقد كشف هؤلاء العلماء الأفذاذ الإنسان البشري - بعد جهل طويل - وجردوه من لباسه المستعار وأبرزوه في ضوء النهار أمام هؤلاء المتزمتين العاجزين الذين يشوهون بنفاقهم حقائق الوجود.
والشيخ عفا الله أولى قصص الكتاب الإحدى عشرة هي أوضح صورة قوية على ما قدمنا، فيها الكثير من التحليل النفسي العميق. فهذا الرجل الذي يحب ويكبت الغريزة فيضطرب ويكاد يجن ثم يضعف أمامها ويتركها تسير في طريقها ويقوم منها على صوت ضميره القوي الملح عليه. . الذي يأخذ عليه دائماً السبيل ويبرز أمامه جرمه مجسماً على أبشع صورة هي قطعة حية من صميم الحياة وصميم النفس وصميم الواقع.
و (قصيدة غرام) هي وصف رائع لحياة طبيب شاعر عاشق فيها الكثير من الصدق والحرارة والإخلاص، وتعرف من خلال سطورها أن المؤلف كتبها بعناية وحرارة، وأنه أفرغ فيها كل فنه، ولولا أنه أقحم فيها مسألة الزواج إقحاماً وجرى في ذلك مع العرف والتفكير المصري الساذج ليوافق هوى القراء فحاد بذلك عن الفن وانحرف عن السبيل لكانت من أروع ما كتب تيمور عن الحب وصور. وفيها إحساس صادق يعرفه المسافرون الراحلون عن أوطانهم. . وليس ذلك لأن المؤلف قام بدور البطل نفسه، بل لأن المؤلف قام بهذه الرحلة - كما يبدو لي - ومن هنا يدرك القراء مبلغ الصدق في التصوير عندما يكون المؤلف جزءاً من البطل فكيف به إذا كان البطل كله؟
ثم قصة (الشيخ علوان) هذا الرجل الذي يضرب بتقاليد المجتمع وأوضاع الناس عرض الحائط ويعيش على هامش الحياة لا يتقيد بعرف ولا يخضع لنظام ولا يتورع عن التزوج بزوجات أخيه الثلاث. . . ولا يأنف من أن يفرض على الموسرين من الشبان ضريبة ليطعم وينعم ويعيش، كما يعيشون وينعمون ويلتذون!. . . لو رأيت الشيخ علواناً هذا في الطريق لصافحته بحرارة!
ومحمد عوف مجلد الكتب في (الكسيح) هذا الرجل القوي الشخصية الجبار الجسم الذي بسط سلطانه على صبيه، فأسره وأحاطه بالأغلال والقيود، فما استطاع الغلام التملص أو الفكاك من الأسر حتى بعد أن بتر الترام ساقي معلمه وغدا عاجزاً كسيحاً يصب لعنته على الناس أجمعين.
وعادل الدرديري في (إفلاس) هذا الشاب الطموح الجامح القلق، الذي ضاق ذرعاً بالمدينة وتقاليدها وسخفها ومفاسدها ونفاقها، وحن إلى الريف في هدوئه وبساطته وطهره. . فلما اختبره اجتواه وارتد عنه حائراً لا يدري كيف يعيش ولا كيف يعيش هؤلاء السعداء على نسق ونظام وقانون!
وعلى هذا المنوال الحسن باقي قصص الكتاب، وكلها من أقوى القصص المصرية الرائعة.
وأبطال تيمور على العموم مرضى يحيون في دائرة ضيقة خانقة، ويحسون بثقل الحياة عليهم، ومع هذا لا يتحركون ولا يفكرون في التحرك. . لتغيير مآلهم. . أبداً خاضعين مستسلمين لمن هو أقوى منهم، ولهذا لا تأسف على فراقهم ولا ترسل الدمع وراءهم، وهم يخرون صرعى في ميدان الحياة، لأنك تشعر في أعماق نفسك بأنهم لا يصلحون لغير الموت.
وتيمور مغرم بهذا النفر المريض من الناس غراماً كبيراً، وهذا ما كان يعيبه النقاد على تشيكوف، وهو أنه ضيع عمره وقضى حياته في وصف قوم مرضى لا خير فيهم، ولكن هؤلاء المرضى هم غالبية الطبقة العامة التي يصورها المؤلف. وتشيكوف كان يصف روسيا المريضة، وتيمور يصف مصر المريضة أيضاً. . والقصصي الواقعي ينتزع أبطاله من صميم الواقع. . . فإلى أن ينشأ جيل قوي جديد بدل هذا الجيل المريض العاجز سيستمر تيمور يعالج حياة هؤلاء المرضى ويسخر منهم ويتركهم صرعى عاجزين.
وبعد فهذه كلمة قصيرة عن كتاب جديد يستحق عليه صاحبه التهنئة والإعجاب والتقدير.
محمود البدوي
قصص مختارة من الأدب التركي تعريف خلف شوقي أمين الداودي
181 صفحة - قطع متوسط - طبع مطبعة عيسى البابي
الحلبي
في هذا الكتاب أكثر من خمس وعشرين قصة قصيرة اختارها المعرب لطائفة من أدباء الأتراك الذين تغني شهرتهم عن التقريظ كما يقول! ومن بينها قصص (محاكمة الحاجة فطومة) و (النار الموقدة) - نشرت في الرسالة - و (اعترافات سيدة) و (الكلب بوبي). وهذه الأخيرة فيها القليل من الفن القصصي، أما الثلاث الأولى فكل ما يمكن أن يقال عنها أنها تقرأ.
هذا ونرجو أن يوفق المترجم في كتابه المقبل إلى ما وهو أحسن من هذا وأفضل وإن كنا نرجو لكتابه هذا ما يستحق من تشجيع وتعضيد.
البدوي