الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 171/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 171/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 171
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 12 - 10 - 1936


كتاب جديد عن الشاه

يعتبر جلالة رضا خان عاهل إيران من أعظم قادة العصر وملوكه؛ ومن أعظم زعماء الإصلاح في الشرق؛ وقد استرعت شخصيته وأعماله الباهرة اهتمام كثير من الكتاب والمؤرخين المعاصرين، فصدرت عنه عدة كتب بمختلف اللغات؛ ومن ذلك كتاب صدر أخيراً بالألمانية عنوانه: رضا شاه بقلم الكاتب الألماني (هوبرت ملتسج ويستعرض المؤلف في كتابه منذ مولده في سنة 1878 في قرية علشت من أعمال مزنداران، ووفاة والده وهو طفل في نحو الخامسة، وتربيته على يد أخيه الجنرال نصر الله خان. ومما يذكر عن الشاه أنه تلقى تربيته العسكرية في فرقة القوازق الروسية الشهيرة حيث اشتهر بالفروسية والبراعة في الأعمال العسكرية؛ وفي سنة 1921 حينما اضطربت شؤون فارس وتجاذبها النفوذان الروسي والإنكليزي زحف رضا خان على رأس كتيبة من الجند الوطنيين على طهران، وعاون على تأليف وزارة وطنية برآسة السيد ضياء الدين، ودخلها هو وزيراً للحربية؛ ومن ذلك الحين يقوى نفوذ رضا خان في الحكومة وفي توجيه السياسة الإيرانية، وكان معظم من ورائه يشد أزره، وما زال يتحين الفرص حتى قام بضربته الأخيرة، وتولى العرش سنة 1925، وأقصى عنه أسرة فاجار الملوكية التي سقطت إيران في ظلها إلى الحضيض.

ويصف المؤلف شخصية الشاه ووسائله في الحكم، ويقول إنه يؤثر سياسة الروية والتريث على سياسة الاندفاع والتسرع التي يأخذ بها الكماليون في تركيا؛ وهو قد استطاع أن يحرر بلاده من النفوذ الأجنبي، وأن يلغي المعاهدات الأجنبية المجحفة، وكذلك الامتيازات الأجنبية والمحاكم القنصلية، وكل ما يعترض السيادة القومية، ولكنه قطع هذه الخطوات في روية وتمهل، ونجح إلى أبعد حدود النجاح، وأبدى براعة سياسية تخلق بأعظم الزعماء والساسة، ثم عمد رضا خان بعد ذلك إلى الإصلاحات الداخلية فأصلح الدستور والقوانين، وأدخل النظم والعادات العصرية في المجتمع الإيراني، ومع ذلك فلم يعمد إلى العنف أو الاندفاع وإنما سار في كل ذلك بطريقته الرفيقة المستنيرة معاً.

ويكتب المؤلف بأسلوب قوي واضح معاً؛ ويعتبر مؤلفه خير ما أخرج في موضوعه ف العهد الأخير.

ترجمة ضحى الإسلام إلى الفارسية

وصل إلينا بالبريد ترجمة الجزء الأول من (ضحى الإسلام) تأليف الأستاذ الجليل أحمد أمين مترجماً إلى اللغة الفارسية، وقد قام بترجمته الأستاذ عباس خليلي صاحب جريدة (اقدام)، وطبع بطهران طبعة أنيقة على ورق مصقول جيد، وهو يقع في نحو 450 صفحة، وسنعود إلى الكلام عن الترجمة في مقام آخر.

الطب والحركة الهتلرية

عقد أخيراً في مدينة درسدن مؤتمر للطب والطب الطبيعي، وقد ألقى خلاله الجراح الألماني الكبير الدكتور فرديناند زاور بروخ خطاباً استرعى الأنظار بقوته وجرأته؛ ذلك أنه حمل فيه على سياسة النظام الجديد (أعني النظام الهتلري) في محاربة الجامعة الطبية القديمة، وأطرى المدرسة القديمة التي كانت قائمة قبل حكم النازي؛ وقال إنه يحب ألا ننسى أن هذه المدرسة هي التي اشتركت في تكوين أعظم الأساتذة، وفي معتركها سقط كثير من الأساتذة والطلبة.

ودعا الدكتور زاور بروخ إلى وقف المناقشات العقيمة ورد الهدوء إلى الجامعة، لأن الهدوء ضرورة لابد منها لمتابعة المباحث العلمية؛ وحمل على الجهود الجديدة التي تبذل لإحلال الطب الطبيعي مكان الطب الفني، وقال إنها جهود زائفة من الوجهة العلمية، وأنه لا يوجد طب دون درس ودون تقاليد، وأن العلم لا يمكن أن يفنى في فكرة قومية، بل إن مملكة العالم لا تقف عند هذا العالم، ويجب أن يبقى العلم مخلصاً لغايته الأبدية، وهي البحث عن الحقيقة بإخلاص.

وقال أيضاً إن أسلحة الذهن ضرورية لمستقبل الأمة كضرورة الأسلحة المادية، وإن الفلسفة هي امتياز للرجال الناضجين، وليست ميدان الأحداث الناشئين.

وقد أحدثت خطبة العلامة الكبير امتعاضاً في الدوائر النازية، وصدرت الأوامر للصحف النازية بعدم إذاعتها؛ ولكنها أذيعت مع ذلك في جميع الصحف الأجنبية.

فرنسا وثقافة البحر الأبيض المتوسط تهتم فرنسا دائماً بأن تساهم في توجيه الثقافة في حوض البحر الأبيض المتوسط مساهمة قوية، ففي روما وفي أثينا، وفي مصر وسوريا، وفي تركيا، تقوم معاهد فرنسية كبيرة لنشر الثقافة الفرنسية؛ وفي موناكو (جنوب فرنسا) تقوم أكاديمية خاصة تسمى أكاديمية البحر الأبيض المتوسط، مهمتها أن تساهم في تأدية هذا الدور الذي تضطلع به فرنسا، وقد أذيع أخيراً أن هذه الأكاديمية أنشأت معهداً عالياً للتربية يسمى (كلية البحر الأبيض المتوسط) تعقد فيه محاضرات ودراسات عالية في الحضارات والثقافات الخاصة بأمم البحر الأبيض المتوسط منذ العصور الغابرة إلى يومنا، ويقوم على توجيه هذه الدراسات عدة من علماء فرنسا ومفكريها الأعلام، وفي مقدمتهم المسيو بول فاليري الشاعر الكبير ورئيس مركز هذه الدراسات، ومسيو شارل فيلاي، وأندريه بونيه العالم الأثري، وجان دستيه المتخصص في آداب البحر الأبيض، وغيرهم من كبار الأساتذة والمفكرين.

ويرجع اهتمام فرنسا بتوجيه الثقافة في أمم البحر الأبيض المتوسط إلى عهد الصليبيين؛ وقد بدأت فرنسا بهذه المهمة فعلا في بلاد لبنان منذ القرن الرابع عشر الميلادي، ولعبت المعاهد الفرنسية في تثقيف الشعب اللبناني دوراً كبيراً.

وفاة ملك النوَر

توفي أخيراً في سانت بلتن من أعمال النمسا ملك النوَر بطرس فادوس وقد يبدو غريباً أن نتحدث عن ملك النوَر ولكن الواقع أن النوَر (أو الغجر) وهم في أواسط أوربا ولا سيما في بولونيا والمجر ورومانيا كثرة تبلغ نحو المليون لهم ملك يختارونه بالانتخاب، وقد كان فادوس آخر ملوكهم، وهو من النوَر النمسويين؛ وعند وفاته ازدحمت سانت بلتن بالوافدين عليها من زعماء النور وأعيانهم من جميع أنحاء النمسا والمجر، وغمر منزل الملك المتوفى بالزهر، وتولى السهر على جثته طبقاً للعادات النوَرية اثنا عشر من خاصة أسرته؛ واقتيد نعشه إلى القبر في موكب حافل، وكان المشيعون رجالاً ونساء يرتدون الثياب الرسمية، وهم زهاء ألف من مختلف الطبقات والأعمار. ولما ووري التراب أخذ النساء ينشدن الأغنية المحزنة وفي تقطيع شعورهن طبقاً للعادة؛ ثم طاف الجميع بالقبر حفاة الأقدام. ولما كان قانون النوَر يقضي بانتخاب الملك الجديد في مدى ثلاثة أيام من وفاته سلفه، وكانت السلطات النمساوية قد منحت المشيعين أربعاً وعشرين ساعة فقط، فقد سهر الجميع طول الليل وأتموا انتخاب ملكهم الجديد.