مجلة الرسالة/العدد 17/من طرائف الشعر
→ في الأدب العربي | مجلة الرسالة - العدد 17 من طرائف الشعر [[مؤلف:|]] |
يوم التل ← |
بتاريخ: 15 - 09 - 1933 |
غرام الشعراء
الغيرة
للشاعر الوجداني الأستاذ احمد رامي. من رواية ينظمها بهذا العنوان
في هذا الموضوع
(في دار الولادة بنت المستكفى بقرطبة. الشاعر أبو الوليد احمد بن زيدون يزور الدار أول مرة في صحبة صديقه أبي حفص بن برد. بعد التعارف والتفاهم تحتفل الولادة بقدوم ابن زيدون فتدعو القيان. بعد الرقص والعزف يقبل الوزير ابن عبدوس في رفقة نديمه خليفة لزيارة الولادة جريا على عادته)
ابن عبدوس: وقد سمع آخر الغناء مخاطبا خليفة.
مطبل وزامر ... فمن يكون الزائر؟
خليفة:
أحسبها توقعت ... حضورنا نسامر
وهذه تحية ... ترسلها المزاهر
أدخل فقد طاب الهوى ... بما يحب الخاطر
ابن عبدوس: (قد اجتاز الباب ورأى ابن زيدون)
من أرى؟
الولادة: (مقدمة اليه)
هذا ابن زيدون
ابن عبدوس: وما لي أراه شارد اللب حزين!
قد عرفناه طروباً ينثني ... مرحا عند سماع العازفين
ابن زيدون: (في لهجة حازمة)
وأراني ربما أحزنني ... من صدى الاوتار شدوٌ أو رنين
ابن عبدوس: (في شئ من السخرية) هذه حال الذي أودى به ... لاعج الأشواق أو مسُّ الجنون
ابن زيدون:
نعم أهوى ولا أخفي غرامي ... ومن شرف الهوى أني صريح
وأما إن سئُلت من اصطفتي ... سكتّ فما استرحت وما أريح
ابن عبدوس:
ومن لك أن تقول صفا هواها ... وقلب الغانيات مدى فسيح
ابن زيدزن:
وغّرك من عهد ولآدة ... سراب تراءى وبرق ومض
أراك تفوقْ سهم النضال ... وترسلها لو أصبت الغرض!
ولادة:
وما هذا التراشق بالأحاجي ... وما هذا التوثب للهجوم؟
أرى عينيكما رمتا شرارا ... وأخشى النار ترعى في الهشيم!
(بعد صمت)
ألم يجمعكما سبب متين ... على حفظ المودة والأخاء؟
ابن زيدون:
وألفنا على الإخلاص عرشاً ... نفدّيه ونخلص في الفداء
ابن عبدوس:
وهل أخلصت للعرش المفدى ... وقمت على الرعاية والولاء؟
وأنت العمرَ تقضيه هباء ... صريع الكأس أو خِلْبَ النساء
ابن زيدون:
خسئت فان لي الِقْدح المعلى ... إذا خفّ الرجال إلى العلاء
تأسس ملك قرطبة وقامت ... دعائمه وكانت من بنائي
وناولت ابن جهور صولجانا ... على جنباته تجري دمائي
ابن عبدوس:
ومن بين الممالك لا يبالي ... بهدم العرش أو هدّ اللواء ولادة:
كفى ما قلتماه فان داري ... مراح الشعر أو مغدى الغناء
تباعَدَ نازلوها عن حوارٍ ... يجر إلى القطيعة والعداء
ومالي والسياسة وهي بحر ... أتُّي الموج مربدّ السماء
طغت أنواؤه فهوت بأهلي ... وطاحت بالرفاق الأوفياء
(بعد صمت)
يا خليليّ أما كان لنا ... نُدْحة عن ذلك القول الهراء!
ابن زيدون: قد تحداني
ولادة: وماذا قال لك؟
ابن زيدون: قال إني أصرف العمر هباء
ابن عبدوس: بل تصدى لي
ولادة: وماذا قال لك؟
ابن عبدوس: قال يغويني سراب في سماء
ولادة:
وهل الدنيا سوى أخيلة ... من ظلام اليأس أو نور الرجاء
وهل الأيام إلا ساعة ... ينعم القلب بها حيث يشاء
خلّياناالذي فات ولا ... تذكرا الماضي إذا الماضي أساء
وِصلا حبل التصافي واعلما ... أن هذي الدار نادي الأصفياء
ابن زيدون: (في لهجة المعاتب)
درجنا مع الود منذ الصبى ... وكانت رباه لنا ملعباً
وألفنا أمنيات الشباب ... زهت كوكباً وسمت مطلباً
ومرت بنا عاديات الزمان ... فكنا على غدره قُرَّبا
ابن عبدوس:
ومالك أنكرت مني الوفاء ... وقد ذقته صافيا طيباً؟
ولادة: حنانيكما لا تطيلا الملام ... ولا تسألا القلب من أذنبا
بدت جفوة بين نفسيكما ... ومرَّت كلمح شهاب خبا
وما أجمل الود بعد العتاب ... وأبقى الصديق إذا أعتبا!
(تدخل عتبة وصيفة الولادة)
عتبة: سيدتي!
ولادة: ماذا جرى؟
عتبة: رسول
ولادة: لمن؟ وممن ذلك الرسول؟
عتبة: من صاحب الأمر إلى الوزير
ولادة: (في حيرة) أي الوزيرين عني الأمير؟ ومن يكون حامل الرسالة؟
عتبة: المكَّرى حاكم المدينة.
ابن عبدوس: (في لهجة المتشفي)
أحسبني أمنية ابن جَهْوَر ... أتأذنين لي بلقيا المكري؟
يا خليفة!
خليفة: أنا يا مولاي ما بين يديك
ابن عبدوس:
عد إلى الدار سريعاً ... ربما احتجت اليك
(ينصرف خليفة في شيء من اللؤم)
إغفري لي أني أسأت إليكم ... بحضوري فجاءة وذهابي
نازعتني اليك نفسي فأقبلت ... على خلوة من الأحباب
لم أكد اقرأ التحية حتى ... نالني منكم رشاش السباب
(ينصرف ابن عبدوس غاضبا)
ابن زيدون:
هل تبينت كيف نمت عليه ... نظرة الحقد في العيون الغضبان
وسمعت الذي يعبر عما ... ينطوي في ضميره المرتاب شهر الحرب عامدا وتصدى ... يرسل اللوم في سياق العتاب
ثم ولي يقول نحن بدأنا ... هـ ولم نرع حرمة الآداب