الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 17/بلياس ومليزاند

مجلة الرسالة/العدد 17/بلياس ومليزاند

مجلة الرسالة - العدد 17
بلياس ومليزاند
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 15 - 09 - 1933


للفيلسوف البلجيكي موريس ماترلنك

ترجمة الدكتور حسن صادق

مليزاند: بل يتحدث إلي في بعض الأوقات: إنه لا يحبني وقد قرأت في عينيه. ولكنه يبادلني الحديث حين يقابلني في طريقه

جولو: لا تحقدي عليه ياميلزاند: إن في طبعه بعض الشذوذ والغرابة. . سيغير الزمن هذا الطبع. . . إنه في معية الصبا وزهرة العمر. . .

مليزاند: ليس هذا إياه. . .

جولو: إذن ماذا؟ أتعجزين عن رياضة نفسك على السكون إلى الحياة التي نحياها في هذا القصر؟ أحقا انه عتيق معتم يخيم عليه سكون رهيب، والطبيعة حوله حزينة صامتة، والغابات الكثيفة تحجب عنه نور السماء، ولكن الإنسان يستطيع بالإرادة الحسنة أن يألفه ويطمئن اليه. . ابتهلي كل فرصة لإدخال الإنس على نفسك وابتهجي بالحياة كما هي. وتكلمي وأفصحي عن رغبتك. سأسير على حكمك وأقف عند مشيئتك

مليزاند: أني لم أر قط السماء صافية. . . لقد رأيتها لأول مرة في هذا الصباح

جولو: أهذا هو الذي أبكاك يا زوجي العزيزة؟! أتستخرطين في البكاء لأنك لا ترين السماء؟! كيف ذلك؟! لست في العمر الذي يبكي الإنسان فيه على مثل هذه الأشياء التافهة. . . جاء الصيف أو كاد، وسترين السماء في كل يوم. . . وفي العام المقبل. . . هاتي يدك. . . أعطني يديك الصغيرتين (يمسك يديها) أوه انهما صغيرتان أستطيع سحقهما كما أسحق الأزهار الرقيقة. . . آه! أين الخاتم الذي أعطيتك إياه؟

مليزاند: الخاتم؟

جولو: نعم. خاتم العرس أين هو؟

مليزاند: اعتقد. . أعتقد أنه سقط

جولو: سقط؟: أين؟ هل فقد؟

مليزاند: لقد وقع. . ولكني أعرف أين هو

جولو: أين؟ مليزاند: أتعرف الكهف القائم على شاطئ البحر؟

جولو: نعم أعرفه حق المعرفة

مليزاند: الخاتم فيه. . . لابد أن يكون هناك. . . نعم أذكر أذكر الآن شيء. ذهبت اليه في هذا الصباح لأجمع بعض القواقع

لأنيولد الصغير. . . في الكهف منها أنواع ذات شكل وجمال. . وأثناء ذلك انزلق الخاتم على إصبعي ووقع في البحر. . . وحان وقت رجوعي إلى القصر فغادرت الكهف قبل أن أجد الخاتم.

جولو: هل توقنين أنه حيث تقولين؟

مليزاند: نعم. نعم. شعرت به وهو ينزلق

جولو: يجب أن تذهبي إلى الكهف للبحث عنه في الحال

مليزاند: آوه! الآن؟ وفي الحال؟! ألا ترى الظلام الحالك؟!

جولو: اذهبي في الحال وفي هذا الظلام الحالك. أحب إليّ ان أفقد كل ما عندي من أن أفقد هذا الخاتم! انك لا تعرفين قيمته ولا تدرين من أين جاء. . . سيعلو البحر الليلة ويبلغ جدار الكهف ثم يستحوذ على الخاتم دونك. . . أسرعي

مليزاند: لا أجرؤ. . . لا أجرؤ على الذهاب وحدي

جولو: اذهبي. . . استصحبي معك أي إنسان. . . أسرعي. . . تقدمي إلى بلياس أن يصحبك

مليزاند: بلياس؟! أأذهب إلى الكهف مع بلياس؟! ولكنه لن يقبل. . .

جولو: سيعمل كل ما تسألين إياه. إني أعرف بلياس أحسن منك، اذهبي وأسرعي. لن أنام حتى استرد الخاتم

مليزاند: آوه! لست سعيدة! ما أعظم شقائي (تخرج باكية)

المنظر الثالث (أمام كهف. يدخل بلياس ومليزاند)

بلياس: (يتكلم وهو مضطرب الأعصاب إلى حد كبير) نعم. إنه هنا. لقد بلغنا غاية السرى. الظلام حالك يحجب عن الأبصار مدخل الكهف، وكأني به قطعة من الليل البهيم. والنجوم لا تطل على هذه الناحية المتلفعة بالظلمة الداجية. فلننتظر حتى يمزق القمر عن نفسه ستر هذا السحاب الكثيف، وينير الكهف بأشعته الباسمة، فنستطيع الدخول آمنين. ولا يغرب عن بالك أن من الأمكنة ما هو شديد الخطر، والمستدق ضيق وعمر يقع بين بحيرتين لم يسبر غورهما بشر. . . ولم يخطر ببالي أن أحمل معي مشعلا أو سراجا منيرا. . . ولكني أعتقد أننا سنجد على ضوء مسماء هدى. . ألم تلجي هذا الكهف يوما؟

مليزاند: كلا

بلياس: فلندخل. . . يجب أن تملئ عينيك بالمكان الذي فقدت فيه الخاتم كما قلت له ليتسنى لك وصفه إذا سألك عنه. . . إن الكهف كبير فسيح، ورائع بهيج، تموج فيه ظلمات تضرب إلى الزرقة بعضها فوق بعض. وإذا أشعل إنسان فيه مصباحا صغيرا خيل اليه أن القبة مغطاة كالسماء بنجوم وكواكب. . . لا ترتعدي هكذا! خلي عنك الخور فليس هنا من خطر، وسنقف في اللحظة التي يغيب عنا الضوء المنبعث من اليم. ما الذي يفزع جنانك؟ أهو صوت الهواء الضارب في بطن الكهف؟ أتسمعين عجاج البحر خلفنا؟ كأني به غير سعيد الليلة!. . . آه! ها هو ذا النوء!. . (في هذه اللحظة ينير القمر مدخل الكهف وجزء من داخله، ويرى فيه ثلاثة شيوخ بيض الشعور في أسمال بالية، ينامون على الأرض متلاصق ورؤسهم متكئة على صخرة كبيرة)

مليزاند: آه!

بلياس: ماذا جرى؟

مليزاند: أرى. . . أرى. . . (ثم تشير بإصبعها إلى الفقراء الثلاثة)

بلياس: نعم. لقد رأيتهم أنا أيضا

مليزاند: هلم نخرج. . . لنذهب من هنا،

بلياس: انهم ثلاثة شيوخ نيام استبدت بهم الفاقة. . . لماذا فزعوا إلى الكهف يستعدون فيه النوم على الألم؟ بالبلاد قحط ألم. . .

مليزاند: تعال معي نغادر هذا المكان!

بلياس: سكني روعك وتكلمي بصوت خافت حتى لا يستيقظ هؤلاء المساكين. . . إنهم ناعمون في نوم عميق. . . تعالي

مليزاند:. . . دعني، أفضل المسير وحدي. . .

بلياس: سنعود في يوم آخر. . . (يخرجان)

الفصل الثالث - المنظر الأول: (أحد أبراج القصر تطل احدى

نوافذه على طريق مستديرة)

مليزاند: (في النافذة تغني وهي تمشط شعرها المرسل)

شعري الطويل يتدلى

حتى يصل إلى أسفل البرج

شعري ينتظر مقدمك

مسبلا على الحائط طول النهار

أقسم بالقديس دانيال وزميله ميشيل

بالقديس ميشيل ومثيله القديس روفائيل

إني ولدت حقا يوم أحد

يوم أحد عند منتصف النهار

(يدخل بلياس من الطريق المستديرة)

بلياس: هيه! هيه!

مليزاند: من المنادي؟

بلياس: إني بلياس. . . هأنذا. . . ماذا تفعلين في النافذة. وأنت تغنين كطير ليس من هذه الناحية؟

مليزاند: أرتب شعري استعدادا لليل

بلياس: أهو هذا الذي أراه على الحائط؟. . . ظننت انه شعاع من نور. . .

مليزاند: فتحت النافذة لأن الحر شديد في البرج. . . ما أجمل الجو الليلة!

بلياس: أرى في السماء نجوما كثيرة. . . لم أر قط مثل هذا العدد الوفير الذي أراه في هذا المساء! ولكن مالي لا أرى البدر؟. . إنه ما يزال مطلا على البحر. . . ابتعدي عن الظل يامليزاند وانحني قليلا حتى أرى شعرك المحلول (تنحني مليزاند على النافذة)