الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 169/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 169/الكتب

بتاريخ: 28 - 09 - 1936


رسائل الأهالي

على طريق الهند

للأستاذ عبد الفتاح السرنجاوي

رسالة قيمة أخرجتها إلى شباب الشرق جريدة الأهالي التي كانت تصدر في بغداد وعُطلت وا أسفاه منذ طويل، وهي بحث علمي قوي رجع كاتبه الفاضل فيه إلى أكثر من تسعين مرجعاً من السجلات والمحفوظات الرسمية والأوراق البرلمانية وتقارير الخبراء العسكريين والدبلوماسيين ونصوص المعاهدات، وكتب المؤلفين المهتمين بدراسة شؤون الشرق أمثال أندريو وبوشام وتشرشل وكرزون وفوكس ومون وإسكويث والسير وليم ولكوكس والسير ارنولد ولسون وغيرهم.

وقد تبدأ هذه الرسالة بمقدمة جغرافية عن أهمية الخليج الفارسي وسواحله العربية والفارسية والشمالية، ثم يجاوز الكاتب هذا إلى كلام في تاريخ الخليج، ثم يثبت أن المصالح المادية وتجارة أوربا مع الشرق كانت سابقة للأطماع السياسية، وينتهي إلى أن الإنجليز إنما سيطروا على الخليج الفارسي في سبيل الهند موضحاً أهمية الهند للرأسمالية الإنجليزية وكاشفاً في قوة وجرأة عن سياسة هذه الرأسمالية واستخدامها الهنود لمصلحة الاستعمار وارتكابها الأخطاء الوحشية في سبيل تحقيق ذلك كله. ويرى الكاتب الفاضل أن وادي الفرات أقرب الطرق إلى الهند؛ ويشرح موقف إنجلترا إزاء المسألة الشرقية، واهتمامها بطريق السويس والفرات؛ ويبين ما نشأ من نزاع بين الرأسمالية الدولية من أجل سكة حديد بغداد حتى قيام الحرب العالمية.

ويرى كاتب الرسالة فوق ما تقدم أن الثورة الصناعية جعلت الإنجليز في حاجة إلى كثير من المواد الغفل، وقد يكون اهتمامهم بالعرق لأنها طريق الهند أولاً ولأنها أيضاً حقلٌ يستطيعون أن يحصلوا منه على القطن والحبوب، وتفسير ذلك اهتمام الإنجليز بمشروعات الري العراقية التي أسفرت عن فشل مروّع. ثم يشير إلى مرحلة أخرى كشف فيها النفط ودعي الجنرال فيشر إلى الاستعاضة به عن الفحم وما بذلته إنجلترا في سبيل تأسيس الشركات وعقد الصفقات والمقاولات حتى سنة 1931.

وينتقل إلى أن الحالة السياسية كان لها أثرها في علاقات الإنجليز بالشرق، فقد قامت النهضة التركية وسيقت تركيا لإعلان الحرب وتقاسم الاستعماريون أملاكها، ثم كان أخيراً انتصار مصطفى كمال والقضاء على الأطماع البريطانية في تركيا ذاتها.

كذلك ظهر السيد جمال الدين الأفغاني ونشر آراءه الحرة في إيران فقامت حركات دستورية واضطرابات عنيفة سنة 1905 و 1908. ثم قامت الحركة الوطنية بعد 1917 فخذلت الاستعمار البريطاني ونصَّبت رضا شاه بهلوي ملكاً على إيران الجديدة.

كذلك قاتل الأفغان ضد الاستعمار تحت راية أمان الله حتى الحرب العامة التي أعلن أمان الله بعدها الاستقلال وأسس العلاقات السياسية مع روسيا. ثم جاوز هذا حرب الإنجليز وعقد معهم صلح (راوال بندي)، وسار في سبيل الإصلاح الداخلي والنهوض بالأفغان حتى قامت عليه الثورة المدبرة التي أنزلته عن عرشه وأجلست مكانه نادر شاه.

وتشير الرسالة إلى بوادر ليقظة في الهند بعد فظائع الاستعمار البريطاني مما أدّى إلى عقد المؤتمر الوطني الهندي ونجاحه في الدعوة إلى الثورة في وجه الإنجليز حتى سنة 1912، ثم اقتربت الحرب العظمى فاستملت إنجلترا الهنود لتضمهم إلى صفوفها. وبعد انتهاء الحرب عمد الإنجليز إلى إصلاحات سنة 1919 ثم قامت الحركة الوطنية بزعامة غاندي فحكم عليه وانقسمت الجبهة الوطنية ودارت مفاوضات مؤتمر الطاولة المستديرة وانتهى الأمر بتخاذل غاندي وانصرافه عن قضية الوطن الهندي إلى قضية المنبوذين.

كذلك مصر قامت فيها حركة وطنية بدأها محمد علي الكبير ورعاها إسماعيل والطبقة الأرستقراطية؛ وهنا يناقش الكاتب الوضع الاقتصادي للبلاد، ويتتبع أدوار الوطنية التقليدية على يد عرابي ومصطفى كامل وسعد زغلول، ويبين كيف أن اتحاد الجهات العليا مع الإنجليز، وتآمر الأرستقراطيين مع السياسة الاستعمارية جعل الوطنية التقليدية على وشك الزوال. ذلك ختام الفصل الذي تعرضت فيه الرسالة لمصر. على أن ما شهده العالم من تضحيات الشباب المصري، وتكوين الجبهة الوطنية ممثلة جميع الأحزاب، وعقد معاهدة 1936، لا شك يجعل الوطنية التقليدية التي شار إليها الكاتب الفاضل تدخل في دور جديد يُقضى فيه على مساومة المستعمرين وخذلان قضية الوطن برعاية مصالح الطبقة الخاصة.

ثم يناقش الكاتب الفاضل بعد هذا تعاون روسيا السوفيتية مع الشرقين الأوسط والأدنى، وإلغاء الامتيازات، وعقد المعاهدات مع تركيا وإيران وأفغانستان، وتكوين الجبهة الشرقية ضد الاستعمار، وما كان فوق ذلك من أثر النظام السوفيتي في حكومة تركيا الجمهورية مستدلاً بمشروع السنوات الخمس التركي.

وببحث الفصل الأخير من فصول هذه الرسالة القيمة في النزاع الاستعماري في الشرق الأدنى وكيف أن الإنجليز يستعينون بأمراء العرب ضد الوحدة الإسلامية، وكيف أن سياستهم قد انخذلت في الشرق بعد الانقلاب الروسي، فعمدت إنجلترا إلى سياسة جديدة هي مفاوضة فرنسا وعقد المؤتمرات لتوزيع العروش والتيجان، وبذلك حكمت جبهة الدفاع في البلاد العربية واتخذت العرق مقراً لها. وأخيراً يشير إلى المعاهدة العراقية الإنجليزية ويرى أن الخلاص لا يكون إلا بالانتباه إلى مكائد الاستعمار للعراقيين ولشعوب الشرق على حد سواء، وبالاستفادة من موقع العراق الخطير على إنقاذ أنفسهم من ويلات المستعمرين، وأن يتذكروا دائماً أن خلاصهم من الاستعمار منوط بتعاون شعوب الشرق كافة وبزوال الاستعمار من جميع البلاد الشرقية.

ذلك نموذج سام للكتابة القومية الشرقية التي لا يختص بها قطر دون آخر من بلاد الشرق، والتي تريد أن تجعل من الشرق بأسره جبهة قوية في وجه الاستعمار. والواقع أن الشعوب المغلوبة على أمرها في أشد الحاجة إلى مثل هذه الكتابة الشعبية التي تنير لها سبل الحياة الحرة وتشعرها بما ينصب فوق رأسها من إرهاق وعسف؛ ذلك هو الأدب الحي الذي يقلب أوضاع الجماعات ويهدم الفاسد من أنظمة الحكم ليقيم محلها أنظمة صالحة تنفذها حكومات صالحة تعمل لصالح المحكومين وتستمد منهم وجودها وقوتها، والشرق العربي والطوراني ظلاً طويلاً مسخرين لصالح الحاكمين والمستعمرين الذين أذلوا الجماعات، ووقفوا في سبيل إظهار مواهب الفرد وقوته، وحالوا دون أن يعمل لصالح الجماعة التي يعيش فيها. ورسائل الأهالي التي نحن بصددها كتابة شعبية صريحة كتبتها أقلام جريئة قوية لا تخشى في الحق لومة لائم ووجهتها إلى شباب الشرق تثير فيه الحماسة وتذكي جذوة القومية الشرقية العزيزة وتجلي عن ويلات الاستعمار ومساوئه وتفتح عين الشرق على خير وسائل الخلاص، وهذه الأقلام المخلصة لا ريب حقيقة بالتعظيم والتقدير.

عبد الفتاح السرنجاوي

مدرس التاريخ بمعهد القاهرة