الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 169/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 169/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 169
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 28 - 09 - 1936


رد وبيان - حول أغلاط مزعومة

نشرت (الرسالة) في عددها الصادر في 31 أغسطس (العدد رقم 165) مقالاً بعثت به إليها أثناء غيبتي في أوربا عنوانه (أسبوع في سبتمانيا: من ذكريات العرب والإسلام في غاليس)، عرضت فيه بعض حقائق وملاحظات أثارتها في نفسي زيارتي لسبتمانيا وقواعدها في أواخر شهر يوليه الماضي.

وقد لُفت نظري عقب عودتي بأيام قلائل إلى كلمة نشرتها إحدى الصحف السورية لكاتب يزعم أنه اكتشف في مقالي أغلاطاً شنيعة في التاريخ والجغرافيا، وينتهز الفرصة فيوجه إليَّ وإلى (الرسالة) وصاحبها فيضاً من الغمز البذيء الذي ينم في كل كلمة منه عن حقد مضطرم وسوء نية يعلم الله وحده مصدرهما والباعث عليهما.

وأنا أربأ بقلمي و (بالرسالة) عن التورط في هذا المعترك الوضيع، معترك السباب والقذف، وأكتفي بالرد على ما جاء في الكلمة خاصاً بالأغلاط المزعومة.

نقل الكاتب عبارتين من مقالي هما موضوع المناقشة، وهذه أولهما:

(ولقد كانت سبتمانيا - وهو سمها القديم، ومعناه ذات المدن السبعة - أو لانجدوك الحديثة، أول أرض إفرنجية غزها العرب عقب افتتاح الأندلس، واتخذوها قاعدة لغزواتهم في جنوب فرنسا، وجعلوها ولاية أندلسية سميت بالثغر أو الرباط لوقوعها على ساحل البحر الأحمر. . .).

وأظن أنه لا يخفى على فطنة أي قارئ أن كلمة (الأحمر) هنا إنما هي خطأ مطبعي أو سهو قلمي لا شك فيه، جاءت مكان (البحر الأبيض)؛ ولا يمكن بداهة - والمقال كله على سبتمانيا وجنوب فرنسا والأندلس - أن يخطر ببال قارئ أن كاتب هذا المقال يقع في مثل هذا الخطأ الساذج. وإذن فالجهل المقرون بسوء النية هو وحده الذي يملي على الكاتب ملاحظته الخرقاء، وقوله إني أجهل الجغرافيا، وأنتقل بالقاري من شواطئ البحر الأبيض إلى شواطئ البحر لأحمر.

وكيف يتصور إنسان سوى هذا الحاقد المصدور أن الخطأ هنا حقيقي وقد كتبتُ مسودة المقال وأنا أتجول في سبتمانيا ذاتها وعلى شواطئ البحر الأبيض نفسه؟ ومن الأسف أنه قد تسربت إلى المقال بعض أغلاط وتحريفات مطبعية أخرى، خصوصاً وأني لم أتول تصحيحه بنفسي كما عادتي نظراً لتغيبي في أوربا، وكان ثمة تحريف آخر هول في شأنه الكاتب تهويلاً سخيفاً؛ فقد نقل العبارة الآتية التي وردت أثناء حديثي عن موقعة رونشفال:

(ولرونشفل ذكرى خالدة في التاريخ والقصص الفرنسيين، فقد كانت مسرحاً للموقعة الشهيرة التي مزق فيها العرب جيش كارل الأكبر (شارلمان)، حين عوده من غزوته لأسبانيا الشمالية، التي نظم فيها رولان وصيف شارلمان أنشودته الشهيرة

والكاتب يظن أنه يقول جديداً حين ينقل إلينا من (لاروس) أن رولان ليس هو ناظم الأنشودة، وأن ناظمها لم يعرف.

ونعود فنقول هنا إن سوء النية الذي يملي على الكاتب كل عباراته أعماه عن أن يرى في العبارة كلها ثغرة ونقصاً يقطعان بأن هناك تحريفاً؛ فقد سقطت في الواقع منها كلمات غيرت كل مبناها ومعناها؛ وقد كان النص، على ما أذكر: (وفي تلك الموقعة، وفي أبطالها الإفرنج ولا سيما هرودلاند أو رولان وصيف شارلمان نظمت الأنشودة الشهيرة) أو ما في معناه.

ومع ذلك فالحديث عن موقعة رونشفال ومصرع رولان وأنشودته يكوّن فصلاً من كتابنا (تاريخ العرب والموريسكيين في أسبانيا)؛ وقد نشر هذا الفصل فعلاً في مجلة (الهلال) الغراء في عددها الصادر في أول فبراير سنة 1934 (ص 453 وما بعدها)؛ وهذا ما ورد فيه خاصاً بهذه النقطة:

(وتضع الرواية الإفرنجية تاريخ الموقعة في 18 أغسطس سنة 778 (ذي القعدة سنة 161)؛ وبينما تقنع الرواية العربية بالإشارة إليها في عبارات موجزة إذا بالرواية الإفرنجية والكنسية تفيض في تفاصيلها إفاضة ظاهرة. وأوثق وأدق الروايات الإفرنجية عنها هي رواية اينهارت مؤرخ شارلمان ومعاصره، فهو يفصل حوادثها ويذكر من هلك فيها من الأمراء والسادة، ومنهم اجهارد رئيس الخاصة، وانسلم محافظ القصر، وهرودلاند حاكم القصر البريتاني. وهرودلاند هو رولان بطل الأنشودة الشهيرة التي نظمت عن هذه الموقعة، والتي ما زالت أثراً خالداً لقريض الفروسية في العصور الوسطى؛ ذلك أن الأسطورة اتخذت من حوادث هذه الموقعة موضوعاً لقصة حربية حماسية حرفت فيها الوقائع الأصلية أيما تحريف، ولكنها تستبقى مكان الموقعة وبعض أشخاص التاريخ.

(وهي نورمانية الأصل ظهرت لأول مرة في القرن الحادي عشر أعني بعد الموقعة بثلاثة قرون، ودونت أولاً في بعض القصص اللاتينية، ثم دونت بالنظم في قصيدة طويلة بعنوان (أنشودة رولان).

هذا ما كتبناه ونشرناه منذ أعوام عن أنشودة رولان، نكرره هنا ليعرف الكاتب أننا لسنا في حاجة إلى تصحيحاته المستقاة من معجم الأحداث.

أما كون رولان كان وصيفاً لشارلمان أم لا، فهذه نقطة لا أهمية لها، وقد كان رولان أو هرودلاند أحد البارونات الإقطاعيين؛ وكان من الشرف الملوكي يومئذ أن يلتحق البارونات بمناصب الوصفاء في البلاط، وكان هرودلاند من هؤلاء.

وبعد، فهذا ما يزعم الكاتب أنه أخطاء شنيعة اكتشفها في مقالنا، وهذا ما يريد أن يتخذه تكأة للتعريض بنا وبالكتاب المصريين والأدب المصري.

وهذه نغمة نعرفها؛ وقد نعرف الباعث عليها.

بيد أن الكاتب يوهم إذ يحسب أنه يستطيع أن ينال منا بمثل هذا الإسفاف.

أما إشارته إلى كتابنا (ديوان التحقيق والمحاكمات الكبرى) فنكتفي بأن نرد عليه بأن المراجع التي ذيلنا بها كل فصل من فصوله تكفي لأن تخرس ألسنة السفهاء والمتحاملين.

محمد عبد الله عنان

الجاحظ في كتاب (تراث الإسلام)

نشرت (الرسالة) الغراء منذ عددين استهلال فصل الفلسفة والإلهيات في كتاب (تراث الإسلام) ورد فيه كلام للجاحظ يتضمن الاعتراف بفضل الفكر اليوناني على أهل الملة الإسلامية؛ ثم نشرت في العدد المضي مقالاً للأديب الكريم محمد طه الحاجري أثبت فيه نص الجاحظ وذكر الكتاب الذي ورد فيه هذا النص.

والذي سيطلعون على فصل الفلسفة والإلهيات في هذا الكتاب سيعرفون من تعليقاتي الجهد الشاق الذي تحملته في البحث عن النصوص التي وردت فيه، ولا سيما أن المؤلف كان في أكثر هذه النصوص لا يشير إلى المراجع التي استقاها منها.

والقراء يعرفون أن الجاحظ قد ألف العديد من الكتب والرسائل وأنه كان يتناول في الكتاب الواحد موضوعات شتى واتجاهات متباينة قد لا يربطها عنوان الكتاب. فمعرفة نص له في كتاب مجهول الاسم أمر عسير كل العسر. ومع ذلك فقد حاولت جهد الطاقة أن أعرف الكتاب الذي ورد فيه هذا النص فلم أوفق؛ فاتصلت بالأستاذ جيوم مؤلف الفصل - في إنجلترا - لعله يهديني إلى الكتاب الذي ورد فيه النص، فرد معتذراً بنسيان المصدر. . . ولما كنت أعلم أن لهذا النص خطره من حيث إنه يحمل اعترافاً له قيمته العلمية فقد تعمدت أن أثبت في ذيل الصفحة التي ورد فيها كلام الجاحظ تعليقاً أوردت فيه نصوصاً لعلماء المسلمين وفلاسفتهم (كالشهر ستاني، وابن خلدون، وابن سبعين) وكلها تؤيد هذه النظرة التي ذهب إليها الجاحظ.

ويستنكر الأديب الكريم من المؤلف استشهاده بهذا النص على أن الفلسفة العربية ليست إلا صورة من الفلسفة اليونانية مشوبة ببعض الفلسفات الفارسية والهندية. وهذه ملحوظة لم أهمل الالتفات إليها والرد عليها في تعليق آخر قد نشرته الرسالة مع المقال وذكرت فيه آراء بعض مؤرخي الفلسفة الإسلامية من علماء الغرب وانتهيت إلى تقرير الرأي بأن للفلسفة الإسلامية كياناً خاصاً يميزها من غيرها من سائر الفلسفات لأن ثمرات من عبقرية أهلها.

على أن هذا الرأي لا ينفي القول بأن الجاحظ وغير الجاحظ من علماء المسلمين وفلاسفتهم قد اعترفوا بما كان لليونان من فضل على أهل الملة الإسلامية؛ بل أسرف أكثرهم فعزا إليهم الفلسفة الإسلامية في شتى آفاقها.

وإني لأشكر للأديب الكريم اهتمامه بالأمر ومسارعته بالرد؛ فلو تأخر رده أسبوعاً واحداً لكان الكتاب في أيدي قرائه. وتعذر علينا تبليغ النص إليهم.

توفيق الطويل

عضو لجنة الجامعيين لنشر العلم

هل للشاعرة ما للشاعر من الحرية في التعبير الشعري؟ حول رسالة آنسة

قلت في إحدى مقالات (شعراء الموسم في الميزان) أثناء نقد قصيدة السيدة منيرة توفيق: (والمرأة المصرية تستمد صمتها من أبي الهول، ولا أعني إلا الإمساك عن التعبير عن الإحساس والعواطف تعبيراً صادقاً؛ فمن شعرت من بنات مصر فإنما تقول في الأخلاق والنصائح، متجاوزة خوالج النفس ودقائق الحس، لأن طبعها الصموت الحي يأبى الحديث عنها، وأعتقد أنها لو فعلت، وكانت موهوبة التعبير والأداء لأتت بالغرائب).

ومنذ أيام وردت إلي هذه الرسالة في بريد (الرسالة)، وهي بعد الديباجة:

(طالعتني الرسالة في عددها - 162 - بكلمتكم الغراء عن المرأة المصرية وتنحيها عن التعبير الشعري في ميادين الأدب بإحساس النفس وخوالجها.

أقول الشعر بالسليقة ثم أخذته دراسة لميلي الفطري، ولدي الكثير في الغزل والوصف والرثاء والحماسة إلى غيره من أبواب الشعر ولكني لا أجرؤ على نشره؛ وقد دفعتني كلمتكم إلى إرفاق مقطوعات من بعض ما لدي دفاعاً عن المرأة المصرية. فإن استشعر أستاذي فيها خيراً أقبلت على النشر وواليت الإنتاج.

أنتظر رأيكم على صفحات (الرسالة) وكم في (الكنانة) من مثيلاتي؛ وتنازل بقبول أسمى تحياتي.

ف. ع. ح آنسة

فهذه الآنسة، وإن كانت تعبر عن إحساسها لا تجرؤ على نشر ما تقول، كما تقول، وتدفع عن المرأة المصرية تهمة القصور باطلاعنا على قطع من شعرها أكثرها في الغزل. . . ونسوق إلى القارئ منه شيئاً:

تقول في أبيات عنوانها (سهام):

كان الفؤاد يقول لو ذقت الهوى ... ونعمت حيناً مثل من ناجى اللوى

ظن الغرام عادة لم يدر ما ... يخفيه من ليل المحب وما طوى

ذكر اللقاء وما به من لذة ... لكنه جهل الصبابة والنوى

فنصحت مهلاً يا فؤادي واتئد ... ليس الغرام كما ظننت بما احتوى

لكنه ما يرعوى عن غيه ... ومضى به شوق الغرام إلى الهوى والآن من سهم اللحاظ معذب ... قد ذاب من وله يود لو ارعوى

وهذه جرأة نجرؤ على أن نقول إن فيها كسباً جديداً للأدب، فإذا كان الشعر يستمد أكثر ما يستمد من العاطفة، فالمرأة هي العاطفة، وهي تلهم الرجل الشعر، فإذ تشعر هي فإنما تنفق عن سعة وتتدفق من معين.

والحق أن المرأة إنما تحجم عن هذا الميدان لأنها تخشى إنكار لرجل عليها، فهي لا تقول الشعر المعبر عن حقائق نفسها لأنها ترى أنها ستقوله لنفسها، فتؤثر الصمت؛ ولعل رسائل الحب الخاصة أفسح مجال لها، فهي تحسن فيها وتبدع، فلو أتيح لها أن تظهر في حلبة الشعر مطلقة الحرية في التعبير لبذت وفاقت.

وبعد، فإلى الآنسة (ف. ع. ح) يساق الحديث:

أشكرك على خطابك الرقيق، وأحيي فيك هبة الشعر التي تبدو فيما بعثت به، وإن كان يعوزه الشيء الكثير من سلامة الأسلوب ومتانة النسج وصحة المعاني، وترتيب الأفكار. ولعل ما قرأته في نقدنا للشعراء يهون عليك وقع هذا الكلام، فقد عاهدنا الحق أن نسلك سبيله لا نحيد عنه. وإن كان هذا بدء معالجتك لقرض الشعر فهو يبشر بالإجادة؛ فأحب لك الآن أن تقبلي على المطالعة والدراسة أكثر مما تقبلين على الإنتاج والنشر.

عباس حسان خضر

عيد جوسلين وذكرى لامارتين

في أوائل شهر سبتمبر أقيم في مدينة ماكون بفرنسا عيد أدبي مؤثر؛ وماكون هي مسقط رأس الفونس دي لامارتين ومرتع طفولته وحداثته؛ ولكن العيد الأدبي الذي أقيم بها لم يكن خاصاً بشخص لامرتين، بل بإحدى منظوماته الشعرية الشهيرة، ونعني (جوسلين) التي مضى على صدورها مائة عام.

احتفل إذن بالعيد المئوي (لجوسلين) في ماكون، وأثيرت ذكرى الشاعر الكبير، ورأس هذه لحفلات المؤثرة مسيو هنري بوردو عضو الأكاديمية الفرنسية، وكان من ضمنها حج أصدقاء الشاعر إلى ضيعته (ميلي) التي قضى فيها أعذب أعوامه وشاد بذكرها في (مذكراته) وإلى قصر سان بوان حيث قضى أعوام مجده، ثم إلى قصر مونصو حيث قضى أعوامه الأخيرة في غمر من البؤس والنسيان.

ما منظومته (جوسلين) التي عرفت أيام صدورها منذ مائة عام أعظم ظفر أدبي يمكن تصوره فتكاد تنسى اليوم إلى جانب منظومات وروايات أخرى للامارتين؛ ذلك أنها لم تكن خير ما نظم من حيث الصناعة والصقل، ولكنها كانت من أبدع ما نظم من حيث الروح، والقوة، والطابع الغنائي.

وجوسلين قصة شعرية كبيرة في أكثر من ثمانية آلاف بيت، وكانت حسبما يريد ناظمها أول قسم من ديوان شعري ضخم يسمى (الرؤى) وبطلها جوسلين وهوفتي يتيم وولد قروية فقيرة، حملته ظروف الأسرة على الالتحاق بمدرسة الكهنة على رغم إرادته؛ وكان ذلك أيام الثورة، فلم يلبث أن طرد من المعهد قبل إتمام دروسه؛ وعندئذ فر إلى الجبال ليتقي المطاردة التي كان يعرض إليها رجال الدين يومئذ، وعاش في كهف في الجبال، وعطف عليه راع كان يمده خفية بالطعام والشراب.

وفي ذات يوم رأى جوسلين شيخاً وفتى يطاردهما القتلة فتقدم لعونهما، وأسلمه الشيخ فتاه، ولكن لم ينج من رصاص لقتلة فخر قتيلاً، بينما التجأ ولده ناجياً إلى كهف جوسلين.

وعاش جوسلين مع هذا الفتى الحدث في وئام وحب أخوي؛ ولكن حدث ذات يوم أثناء هبوب العاصفة أن جرح الفتى، ولاحظ جوسلين دهشاً مرتاعاً، أثناء العناية به، أن يعني بفتاة لا بفتى، فعندئذ هام جوسلين بالفتاة (لورانس)، وأخذ يحلم بالاقتران به.

ولكن الدهر لم يلبث أن فرق بينهما. ذلك أن جوسلين دعاه أسقفه ومربيه وهو على أهبة الموت ليقوم له بالواجبات الأخيرة، ولم ير جوسلين بداً من قبول التضحية، فهرول إلى الأسقف، وقام بواجبه. وفي أثناء ذلك تركت لورانس العنان لأهوائها وغدت فتاة خاطئة، ودارت الأيام دورتها، فالتقى جوسلين ثانية بلورانس يطلب إليها الصفح ويحمل إليها الغفران.

تلك هي خلاصة (جوسلين) والمعروف أنها صورة لقصة واقعة بطلها راهب من أصدقاء الشاعر يدعى الأب (دومون)، كان من رجال الدين أيام الثورة، فعهد إليه ذات يوم أحد أصدقائه الأشراف بصغرى بناته لكي ينقذها من خطر السجن والإعدام فهام كل منهما بالآخر، وأثمر الحب ابنة سميت الآنسة ميلي؛ وعاش القس محترماً مبجلاً يزاول مهنته بعطف ورقة حتى توفي؛ ونظم لامارتين فيه قصيدة مؤثرة؛ وما زال قبره في تلك الأنحاء يعرف بقبر (جوسلين) بطل منظومة لامارتين.

من أرض البكم

صدر أخيراً بالألمانية كتاب عنوانه (من أرض البكم) بقلم الكسندرا آنسروفا: وأرض البكم هي سجون روسيا السوفيتية ومعاقلها التي خصصت لنفي الأحياء وإخراس الألسن؛ والكسندرا آنسروفا هي نبيلة من نبيلات روسيا القيصرية، كانت أيام الثورة فتاة في السادسة عشرة، فقبض عليها البلاشفة وزجوها إلى السجن بين من زج من النبلاء والنبيلات؛ وما زالت الكسندرا تتقلب من سجن إلى سجن ومن منفى إلى منفى بلا تهمة ولا ذنب معين إلا أنها من النبيلات، وتعاني أروع الآلام المادية والمعنوية، تارة في جزر البحر الأبيض الشمالي، وتارة في سيبيريا حتى سنة 1932؛ وعندئذ أفرج عنها بعد اعتقال دام نحو خمسة عشر عاماً، وبعد أن ظهرت براءتها ناصعة؛ فلبثت في موسكو مدى عامين تدون مذكراتها عن (أرض البكم) ثم غادرت بعد ذلك موسكو إلى ألمانيا، وهنالك نشرت كتابها المذكور.

والكتاب يصف السجون والمعاقل الروسية في عهد البلاشفة وصفاً دقيقاً مروعاً، ومنه يتبين أنها ليست في العهد الحالي أقل شناعة وروعة منها أيام القياصرة؛ وفي الكتاب ملاحظات وحقائق غريبة عن الحياة الجديدة في روسي البلشفية.

الثقافة الألمانية في عصر النازي

نشرت الكاتبة الأمريكية دوروثي تومبسون في مجلة (الشؤون الخارجية) الأمريكية مقالاً عن (الثقافة في عصر النازي) استعرضت فيه خواص الحركة الأدبية والثقافية في ألمانيا الحاضرة، ومما قالته إن العالم الخارجي يدهش اليوم لأن أصوات الكتاب الألمان لا تسمع، ولأنهم رضوا طائعين أن يكونوا آلة صماء للسياسة والوحي السياسي، ولكن الحقيقة أن هنالك مبررات قوية لهذا الخضوع المطبق؛ ذلك أن الحركة الفكرية والثقافة كلها قد وضعت في ألمانيا الحاضرة تحت نظام حديدي مطلق، ومن المستحيل اليوم أن يصدر في ألمانيا كتاب أو نشرة ديموقراطية أو اشتراكية، أو أدب يصطبغ بالصبغة الدولية مخالفاً للنزعة القومية الداخلية. وقانون الصحافة الجديد قوامه عصبة من الكتاب المتعصبين لنظريات الجنس هم أعضاء جمعية الصحافة القومية، ولهم وحدهم الحق في الكتابة تحت الرقابة الحزبية، ويعاقب من يخرج منهم على قانون الجمعية أو على مبادئها بالحبس سنة؛ وكل ناشر يشجع كاتباً ليس ملتحقاً بجمعية الصحافة وينشر له شيئاً يعاقب بالحبس والغرامة وكل ما يكتب تفرض عليه رقابة صارمة؛ وتخضع الحركة الفنية لمثل هذا النظام الحديدي؛ وترى مس تومبسون أن ما يسود الحركة الثقافية اليوم من تلون ونفاق أساسه الاضطهاد والخوف يجعلها في نظر العالم المتمدن مأساة مروعة تفوق تلك المأساة التي يعرضها الكتاب المنفيون أنفسهم؛ فبين أولئك المنفيين اليوم أعظم كتاب ألمانيا المعاصرة مثل توماس مان، وأخيه هينريش، وأرنولد زفايخ، وأريك ريمارك، وطائفة أخرى من أقطاب الكتاب اليهود.

والأدب الألماني يصدر اليوم في ظل النازي بكثرة، ولكنه أدب محتضر تنقصه روح الابتكار، وينتظر زعماء النازي عبثاً ظهور العبقريات الأدبية الممتازة. ذلك أن حرية الفكر هي روح كل أدب وفن؛ وما دام التفكير مصفداً والآراء مملاة، فسوف يكون ثمة أدب وثمة كتب ومجلات، ولكن لن يكون ثمة أدب جميل أو رفيع؛ وسيكون ثمة كتاب، ولكن كتاب محترفون أرقاء.

دائرة معارف للجنس الأسود

سيكون للسود في القريب العاجل دائرة معارف خاصة تتحدث عن كل ما يتعلق بهم من الخواص الجنسية والشؤون السياسية والاجتماعية، والتاريخ والمدنية؛ وتعد هذه الموسوعة الجديدة الآن في أمريكا؛ وقد وضع المشروع منذ سنة 1932، وانتخب لرآسة اللجنة المشرفة على تنفيذه زعيم السود الدكتور دي بوا أستاذ علم الاجتماع في جامعة اتلانتا؛ وتشمل اللجنة ممثلين لجمعية تقدم العلوم الأفريقية، ومجلس الجمعيات العلمية الأمريكية ولجنة التعاون الدولي؛ وستعنى الموسوعة بالتحدث عن جميع أطوار حياة الجنس الأسود وتاريخه ومدنيته، سواء في إفريقية أو أمريكا؛ وسيكون لهذه الموسوعة الطريفة شأن عظيم في دوائر الأدب والسياسة والاجتماع؛ وسيعطى لها اسم (موسوعة الرجل الأسود)

مذكرات ملوكية صدرت أخيراً ترجمة إنكليزية لمذكرات الأميرة أولاليا الأسبانية، وهي ابنة الملكة إيزابيلا وعمة الفونسو ملك أسبانيا السابق؛ وتشغل هذه المذكرات زهاء سبعين عاماً تنتهي بقيام الجمهورية في أسبانيا سنة 1931؛ وتتضمن أخباراً وقصصاً ونبذاً كثيرة عن معظم الحوادث التي تمس أسبانيا، وعن جميع القصور الأوربية التي تتصل الأمير أولاليا بمعظمها بصلة القرابة؛ وتبسط الأميرة بنوع خاص الأسباب والعوامل التي أدت إلى سقوط الملكية الأسبانية، والتي شرحتها غير مرة للأسرة المالكة، ولم يحفل بنذيرها إنسان. كذلك تتضمن المذكرات نبذاً كثيرة عن عظماء هذا العصر الذين اتصلوا بالبلاط الأسباني.