مجلة الرسالة/العدد 166/عادة الختان أصلها وتاريخها وانتشارها
→ المرأة في الأدبين العربي والإنجليزي | مجلة الرسالة - العدد 166 عادة الختان أصلها وتاريخها وانتشارها [[مؤلف:|]] |
نهضة المرأة المصرية وكيف توجه للخير العام ← |
بتاريخ: 07 - 09 - 1936 |
بمناسبة المنبوذين والإسلام
بقلم الدكتور مأمون عبد السلام
إنه لمن الصعب على المشتغلين بدراسة طبائع الأمم وأحوالها أن يهتدوا إلى تحديد العصر الذي بدأ فيه الإنسان يختتن. وهم لا يزالون في حيرة من الدوافع التي حملته على تلك العادة، فتقول فئة منهم إن بعض القبائل لجأت إلى الختان كعلامة تميز بها نفسها عن سواها كما يلجأ بعض قبائل السودان إلى تشريط خدودهم أو إلى اقتلاع إحدى أسنانهم القاطعة. ويعلله آخرون بأنه وقاية سحرية، ويظن غيرهم بأنه عقيدة دينية يضحي الفرد بمقتضاها جزءاً من جسمه فداء عن نفسه وتقرباً إلى ربه. ويعتقد آخرون بأنه ميزة أرستقراطية.
وعادة الختان عريقة في القدم، يدل على ذلك انتشارها في أنحاء قاصية من المعمور بين أجناس من البشر قد فصلت الطبيعة بعضهم عن بعض منذ أحقاب سحيقة. فلا تكاد تخلو قارة من شعوب تمارس تلك العادة، فتراها بين قبائل السود من سكان أستراليا، كما أنها توجد بين قبائل الجالا والفلاشه، يهود الأحباش، وبين غيرهم من قبائل الحبشة، وعند قبائل البانتو والمساي والكفار والناندي بأفريقيا، وقبائل الأوتاهيت وسكان جزائر التونجا والبولينزيا وجزيرة فيجي وكاليدونيا الجديدة.
ولما اكتشف الأسبانيون أمريكا منذ أكثر من أربعمائة سنة مضت وجدوا عادة الختان منتشرة بين أقوام الناهواطل وبين أمة الأزتيك سكان بلاد المكسيك القدماء كما شاهدوها بين سكان حوض نهر الأمازون بأمريكا الجنوبية.
وكان قدماء المصريين يختتنون من عصور غابرة قبل سنة 1400ق م. فتراهم قد صوروا ولدين يختتنان على جدران معبد خونسو بالكرنك. وقد ذكر التاريخ أن مصر في عهد مربنبتاح قد غزاها قوم من سكان بحر الروم كانوا يختتنون.
والختان من مميزات الشعوب السامية وخاصة اليهود منهم، فقد كان بنو إسرائيل من قديم الزمان يختنون الرجال وقت زفافهم، فإذا أظهر العريس أي خوف أو وجل كن ذلك دليلاً على نقص في رجولته فتهجره عروسه وتلبسه المعرة. وقد علمت من بعض المعمرين أنه كانت العادة في بلدة التلين بمركز منيا القمح أن يختتن الرجل يوم زفافه.
وقد فرض الله سبحانه وتعالى الختان على سيدنا إبراهيم عليه السلام وعلى ذريته وعبيده، وكان قد أمره بأن يغير اسمه من إبرام إلى إبراهيم لأنه سيكون أبا البشر. فقد جاء في سفر التكوين (17 ? 23 - 27): (فأخذ إبراهيم إسماعيل ابنه وجميع ولدان بيته وجميع المبتاعين بفضته كل ذكر من أهل بيت إبراهيم وختن لحم غرلتهم في ذلك البيت عينه كما كلمه الله، وكان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة حين ختن في لحم غرلته، وكان إسماعيل ابنه ابن ثلاث عشرة سنة حين ختن في لحم غرلته، في ذلك اليوم عينه ختن إبراهيم إسماعيل ابنه وكل رجال بيته ولدان البيت والمبتاعين بالفضة من ابن الغريب ختنوا معه).
ويختن اليهود أولادهم في اليوم الثامن من ولادتهم كما ختن إبراهيم ابنه اسحق فريضة الله عليه. ففي سفر التكوين (17) ابن ثمانية أيام يختن كل ذكر في أجيالكم.
وقد قام اليهود بهذه الفريضة إبان أسرهم في أرض مصر، ولكنهم أقلعوا عنها وهم في برية سينا فلم يختن موسى عليه السلام ابنه إلى أن قطعت زوجته صفورة غرلته استجلاباً لرضى الرب ومنعاً لنقمته؛ فقد جاء في سفر الخروج (4): وحدث في الطريق في المنزل أن الرب التقاه وطلب أن يقتله فأخذت صفورة صوّانه وقطعت غرلة ابنها ومست رجليه.
ولما بلغ بنو إسرائيل كنعان أرض الموعد رجعوا إلى التختن فتختنوا بسكاكين من صوان في مكان جلجال كما ورد في يشوع 5 (2): (في ذلك اليوم قال الرب ليشوع اصنع لنفسك سكاكين من صوان وعد فاختن بني إسرائيل ثانية. فصنع يشوع سكاكين من صوان وختن بني إسرائيل في تل الغلف. وهذا هو ختن يشوع إياهم. إن جميع الشعب الخارجين من مصر الذكور جميع رجال الحرب ماتوا في البرية على الطريق بخروجهم من مصر. لأن جميع الشعب الذين خرجوا كلهم مختونين. وأما جميع الشعب الذين ولدوا في القفر على الطريق بخروجهم من مصر فلم يختتنوا لأن بني إسرائيل ساروا أربعين سنة في القفر حتى فنى جميع الشعب رجال الحرب الخارجين من مصر الذين لم يسمعوا لقول الرب الذين حلف الرب لهم ألا يريهم الأرض التي حلف الرب لآبائهم أن يعطينا إياها، الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً. وأما بنوهم فأقامهم مكانهم فإياهم ختن يشوع لأنهم كانوا قلفا إذ لم يختنوهم في الطريق. وكان بعد ما انتهى جميع الشعب من الاختتان أنهم أقاموا في أماكنهم في المحلة حتى برئوا. وقال الرب ليشوع اليوم قد دحرجت عنكم عار مصر فدعى اسم ذلك المكان الجلجال إلى هذا اليوم).
ويختن اليهود أولادهم في منازلهم وفي الكنيس، فيقوم بهذه العملية والد الطفل، أو رجل اختص بذلك يشترط فيه التدين وحسن السيرة وألا يؤجر على عمله، بل يقوم به ابتغاء وجه الله. وكانوا يقطعون القلفة بسكين من الصوان أو من الزجاج أسوة ببني إسرائيل، ولكنهم استعاضوا الآن عنها بمشارط من الصلب. ويجب أن يسيل الدم وقت العملية، فكانوا فيما سلف يمصون الجرح ليكثروا من نزول الدم ثم يوقفونه بعد ذلك بالخمر يرشه المختن بفمه، ولكن ذلك قد بطل. ومن عاداتهم أن يدفنوا القلفة أو يحرقوها.
ويعتبر اليهود الختان طهارة، والطهارة عندهم إما ظاهرية وهي الختان، أو باطنية وهي طهارة القلب كما ورد في الكتاب المقدس - أرميا 9 (25).
ويقول المؤرخون إن هركانوس أجبر الأثيدوميين على الختان، وأن بطليموس أبيفانيس ختن ولديه أنطونيوس والأجيالوس.
ولكن الإمبراطور يوستينيانوس قد حرمه على الرومانيين ومن خالف ذلك يقتل. وقد حذا حذوه انطيوكوس ابيفانيس، وعُذب من أجل ذلك كثير من اليهود وقتلوا. وقد حرمه كذلك الإمبراطور هادريانوس وقسطنطين.
ولما جلا المسلمون عن بلاد الأندلس وقامت محكمة التفتيش بالقضاء على ما بقي من آثاره جرمت الختان في أواخر عهدها.
والعادة ألا يختتن المسيحيون ولو أن الكثير منهم يختتنون كما يفعل الأحباش. وقد ظهر في إيطاليا في القرن الثاني عشر الميلادي طائفة مسيحية اسمها (سركمسيسي) تأمر بالختان كما يدل اسمها على ذلك.
والختان سنة كونية كتربية اللحية عند المسلمين وقد أفتى بذلك جمهور العلماء.
ويتبع عادة الختان عادات أخرى على غاية من الغرابة. ففي بلاد البوسنة مثلاً يمنع الصبي من شرب الماء شهراً كاملاً.
ويختتن الصبيان عند قبائل الكفار في جنوب أفريقيا عند بلوغهم الحلم باحتفال رائع عظيم. فيضربون حتى تدمى جلودهم، ثم يذر الفلفل الأحمر (الشطة) على جروحهم كي يختبر مقدار صبرهم على الألم وبعد ذلك يختتنون.
ويرتدي شبان قبيلة المساي (وهم من السود بأفريقيا الشرقية) عندما يقرب وقت ختانهم ملابس النساء، ويطلون وجوههم بالأبيض والأحمر ويتخضبون ويظهرون كل علامات الأنوثة اعتقاداً منهم بأن ذلك يبعد الشياطين عنهم فلا يصيبهم منها أذى.
ومن عادة قبائل الناندي بشرق أفريقيا البريطاني أن يزور البنات الفتيان قبيل الختان ويقرضنهم ملابسهن وحليهن ليلبسوها، فإذا تم الختان يرتدي الشبان المختتنون ملابس المتزوجات من النساء ويتبخترون بها بكل دلال النساء عدة أشهر حتى تبرأ جروحهم.
ويختتن الشبان من قبائل السود باستراليا قبل زواجهم فيجبرون على الجري في الأدغال وورائهم القوم يستحثونهم على المثابرة ساعات عدة بالضرب الشديد حتى يسقطوا من الإعياء. فيوقد الرجال بعد ذلك ناراً ويختنون الشبان بقطعتين من الزجاج ويتركونهم في حراسة رجل أو امرأة من القبيلة إلى أن يلتئم الجرح ثم يكون لهم حق التزوج. والغريب في أمرهم أن المختتن يلبس فوق وجهه نقاباً خشبيا (وجهاً من خشب) كيلا يراه أحد مدة أسبوعين.
ومن عادة بعض هذه القبائل أن تلف القلفة في قطعة من جلد الكانجرو. ثم تعطى لزوجته فتحتفظ بها طول حياتها.
ومن عادة أهل أواسط استراليا أن يلعقوا ما يسيل من الدم وقت الختان أو يطلوا به صدورهم وجباههم لاعتقادهم أن ذلك يزيد في قوتهم.
وعندما يختن قوم الأرونطا أولادهم يصرخ الرجال بأعلى صوتهم قائلين: (ببررر) فيسمعهم النسوة في عششهن فيعمدن في التو إلى أخوات المختتنين وإلى خالاتهم ومن يحل لهم التزوج بهن من النسوة فيشرطن جلد بطونهن وأكتافهن اعتقاداً منهن بأن ذلك يمنع الألم عن الصبي. ثم تعطى القلفة لأخي المختتن الصغير فيبتلعها كي ينمو ويترعرع.
وعند قبائل الكوكودون في شمال كوينزلاندا باستراليا تخيط المرأة قلفة ابنها بخيط تضعه حول جيدها لتتقي بذلك شر الشيطان فلا يؤذي ولدها.
وفي بعض بلادنا يربط الولد القلفة في خرقة يلبسها حول عنقه إلى أن يلتئم الجرح فيلقيها في النيل.
ويمسح بعض قبائل استراليا دم الختان بورق من قلف الأشجار ثم يلقون ذلك في البرك التي ينمو بها نبات الزنبق المائي اعتقاداً منهم بأن ذلك يقوي هذه النباتات لأنهم يتغذون بسوقها وجذورها.
مأمون عبد السلام