مجلة الرسالة/العدد 162/مأساة من سوفوكليس
→ هاجر العانس | مجلة الرسالة - العدد 162 مأساة من سوفوكليس [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 10 - 08 - 1936 |
4 - أنتيجونى
للأستاذ دريني خشبة
تتمة
- 11 -
الخورس: (مولاي! إن تيريزياس لم ينطق عن هوى قط! لقد أشعلت السنون رأسه بشيب التجارب، وإن هذه لنبوءة. . . إنها لنبوءة!!)
الملك وقد بدا عليه الفزع: (أنا أعرف ذلك! وا أسفاه! لشد ما أزعجتني نبوءة تيريزياس! ولكن. . . ماذا أصنع! إن التقهقر يؤلمني!
- (ما تزال فسحة من الزمن للتبصر يا مولاي!)
- (ماذا أصنع؟ انصحوا لي! سأطيع! سأخضع! انصحوا لي!
- (انطلق من فورك فاستنقذ الفتاة من قبرها، وابن قبرا للقتيل!)
- (أهذه نصيحتكم؛. . . ها. . . ها ها. . . لا. . . لن أستسلم! لن أستخزي!
- (البدار البدار! أسرع ما استطعت! إن السماء نفسها تتجهم. . . إنها تنذرك بلسان الكاهن
- (أواه! أنا مجبر! أنا مغلوب على أمري! أنا ما أستطيع مغالبة القضاء!
- (هلموا الساعة فاصنع كل شيء! بيدك أنت! لا تشرك يداً أخرى!
- (هلموا في إثري يا شعبي العزيز! هاتوا عدتكم! سأبني القبر، وسأحل العقدة التي أحكمت رباطها! لشد ما يضطرب الجزع في حنايا ضلوعي! لماذا حدث عن طريق قومي؟ يا للشجو!!
(يخرج الملك عجلا)
- 12 -
ويردد الخورس عظة الموقف، ثم يدخل رسول فيقول:
- (سلام على جيرة قدموس وأحباء أمفيون! قضي الأمر، فلا سعادة تنفع ولا شقاء يبقى! الجميع سواء! المُلْك! ما الملك! ما هو إن كان موحشاً هكذا! حلَك شديد وظلمة تتدجى! - (ما وراءك يا رسول! أي ضِغْث ناء من جديد بكلكله على هذا البيت؟
- (ماتوا!! وقتلتهم ما يزالون أحياء!
- (من القاتل ومن القتيل، أفصح يا رسول!
- (هايمون! قتل هايمون! انتحر المسكين!! قتله يأسه وأودى به قنوطه، وحزنه على الفتاة التي قتلها أبوه!
- (ويحك يا كاهن طيبة، ما قلت إلا حقا! ويْ! الملكة! إنها قادمة! مسكينة يا أم هايمون! لشد ما تحزنين اليوم
- 13 -
(تدخل الملكة يوريدس)
- (فيم تناجيكم أيها الأعزاء! أحقاً قتل هايمون نفسه؟ لقد سمعتكم تقولون مثل هذا؟! نبئوني! لا تنزعجوا! ليست هذه أولى مصائبي، أحقاً مات ولدي!؟ تكلموا!!
- الرسول: (أيتها الملكة! سأقص عليك كل شيء، لقد شهدت المأساة بنفسي! كلنا سواء في الحزن وشركاء في الأسى! لقد ذهبت في إثر الملك إلى بطحاء طيبة حيث جثمان بولينيسيز، وحيث عمل الملك بيديه في حفر مقبرة لبقايا القتيل التي أبقت عليها عقبان الجو وذؤبان الفلاة. . . ثم انثنينا إلى القبو المظلم الفظيع الذي أمر بأنتيجونى أن تموت فيه. . . وما كدنا نقترب حتى سمعنا نشيجاً مؤلماً وأنيناً مفزعاً. . . ثم إذا صرخة داوية تتردد في حنايا القبو. . . وامرنا الملك أن نتقدم حين أدرك أن الصوت صوت هايمون. . . تقدمنا أيتها الملكة! وا حزناه! لقد بلغنا أقصى زاوية في القبو! يا للهول؟ أنتيجونى؟! مسكينة! لقد شنقت الفتاة نفسها بغُلالةٍ حريرية في سقف القبو!! وركع هايمون على ركبتيه. . . بجانبها. . . وأخذ يعانقها. . . ويبكي. . . وينعى حظه. . . ويبث شكواه! وكان يندب حبه بكلمات مُئنّة تقطّع نياط القلوب!. . . وكلمه أبوه. . . ولكن حدجه بنظرات غائرة، ثم انتزع سيفه وجعل زُجه إلى أرض القبو، وسِنَّه في صدره، واتكأ المسكين بكلكله عليه، فبرز الجراز يلمع من ظهره. . . وسقط قليلاً على الثرى، وظل ذراعه الضعيف الواني ملتفاً حول خصر أنتيجونى.!! وتدفق الدم مختلطاً بتراب القبو. . . وذهبت روحه البريئة محوطة بأرواح الآلهة إلى هيدز!!) (تخرج الملكة كالمجنونة لا تلوي على شيء)
- 14 -
- (ماذا تستنتج من هذا؟ لقد انطلقت الملكة دون أن تنبس ببنت شفة؟!
- عجيب حقاً!! ربما كرثها الخطب، فهي ذاهبة تجمع له وصيفاتها ثم يبكي الجميع شباب هايمون!
- (. . . أ. . . الملك!. . . الملك قادم. . . ماذا يحمل؟. . . وي؟ إن الحزن كاد يصعقه!!
(يدخل كريون حاملا جثمان هايمون)
- (ويل لي من قتيل قاتل! ويل لي مما جنيت على نفسي! يا رحمتا لك يا ولدي! ويح لك يا هايمون! أنا قاتلك فاعف عني! اصفح عن والدك يا هايمون! آه!. . . أه. . .!
الخورس: (مسكين! يندم الآن ولات حين مندم! انبلج الحق لعينيه. . . ولكن. . . بعد أن لم يكن شيء!
الملك: (وا أسفاه عليك يا ولدي! الساعة فقط ألمس أخطائي! لكأنما كان القدر يعصب عيني!!)
(يدخل رسول ثان)
- (مولاي! أنت هنا تبكي ولدك. . . وفي القصر. . . بكاء جديد يا مولاي؟!
- (بكاء جديد ماذا؟ ماذا تخبأ لي الأقدار بعد هذا؟
- (الملكة يا مولاي. . . الملكة. . .
- (الملكة؟. . .
- (إي. . . ماتت!
- (ماتت! وا حربا لي آه يا برزخ الموت لم يجرف تيارك قطع نفسي؟ وأنت يا رسول الشؤم! لقد قتلتني مرة أخرى! ألا حدث أيها الرسول! أهي مضرجة بدمائها مثل هذا. . .
(ترفع ستار عن جثة الملكة فتبدو للعيان)
- (وا حسرتاه على ما قدمت! بكاء جديد وشجو آخر، أي خطوب أنكى تتربص بي أيضاً؟ آه يا ولدي الحبيب. . . ويح لك. . . ولأمك. . . أمك التاعسة. . .!)
الرسول: (لقد كانت تصلي للآلهة أمام المذبح، وكانت أيضاً تبكي ولديها ميجاريوس وهايمون قبل أن تطعن نفسها بخنجرها)
الملك: (ألا من يطعنني أنا الآخر بخنجر ذي شعبتين، فلا يبقي ولا يذر!. . . وا حزناه!. . .
الرسول: (لقد طعنت نفسها بعد أن انطلقت من هنا وبعد أن سمعت بانتحار هايمون!
الملك: (أنا القاتل يا رفاق! أعترف! أنا القاتل! لقد قتلتهم جميعاً. . . اقبضوا علي!
مرحبا بالموت! مرحبا به من منقذ! لن أعيش ليوم آخر، لن تشرقي على يا ذكاء مرة أخرى
الخورس: (الزمن كفيل بكل شيء! والقدر يبرم نهايته!)
الملك: (لقد صليت صلاتي وأودعتها كل أماني!)
الخورس: (وماذا تجدي الصلاة؟ إنها لا تدفع حشرجة المحتضر!)
الملك: (هلموا بي! هلموا بالرجل المتجبر الذي قتل ولده. وقضى على. . . زوجه!. . . إن الدنيا بأجمعها تَهاوى فوق رأسي حجراً حجراً! يا للمقادير! يا لشجوي!. . .)
الخورس: (العمل الصالح طريق السعادة الممهد! وطاعة السماء فرض قدسي! الكبرياء تحطم الكبرياء! والخيلاء تورث الشقاء. . . والسعيد من اتعظ)
دريني خشبة