الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 161/دانتي الليجييري والكوميدية الإلهية وأبو العلاء

مجلة الرسالة/العدد 161/دانتي الليجييري والكوميدية الإلهية وأبو العلاء

مجلة الرسالة - العدد 161
دانتي الليجييري والكوميدية الإلهية وأبو العلاء
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 03 - 08 - 1936

3 - دانتي الليجييري والكوميدية الإلهية وأبو العلاء المعري ورسالة الغفران

المطهر

(1) تنفس دانتي صعداءه حين انتهى من دركات الجحيم، وحين هب عليه أول أنفاس الفجر المنعش الندَّي! ونظر فرأى نجوماً أربعة تتألق في بنفسج السماء، ولجةً صاخبة ترغي وتزبد حول جزيرة نائية، ينهض فوقها جبل شامخ رفيع الذرى، كأنما يحمل القبة الأثيرية برَوقْيه؛ وسأل عنه فرجيل فأنبأه أنه جبل المطهر، وأنهما لا بد موقلان فوقه، ليصلوا منه إلى الفردوس

ويلتفتان فيريان شبحاً ميمماً شطرهما، وإذا هو شبح كاتو من يوتيكا، أقبل ينذرهما بما ينبغي لهما أن يتزودا به من الإيمان والصبر في سفرتهما الشاقة في أحياد الجبل، وفوق صياصيه. ويتقدمان من الشاطئ فينضح فرجيل الماء على وجه دانتي، ويلف حول خصره قصبة مما ينبت فوق الشاطئ (2) وما يكادان يفرغان حتى يريا زورقاً يثب في البعد فوق نواصي الموج، وفيه ملك كريم يجريه بين العُدْوَتين؛ وبين يدي الملك أرواح الموتى، أقبلت من الدار الفانية إلى دار البقاء؛ ويتبين دانتي بينهما روح صديقه كاسيللا المغني الفلورنسي المشهور، الذي طفق يملأ الفجر بأغنياته الحلوة يحيي بها دانتي، لولا أن استحثهما كاتو فانطلقا يهرولان شطر الجبل (3) وينظر دانتي فلا يرى إلا خياله، حين تشرق الشمس، منبطحاً على السفح وراءه، فينزعج ويحسب إن فرجيل قد غادره ورحل، ولكن فرجيل يطمئنه، ويخبره أن أرواح الموتى إن هي إلا أضواء شفافة لا تكون لهلا ظلال كما لأهل الدار الفانية. ويبلغان منحدراً صعباً لا يستطيعان تسلقه، ولكن بعض أرواح الموتى تدلهما على شِعبْ ضيق فينفذان منه ويلقيان فيه الملك منفريدي ملك نابلي الذي يعرف دانتي، ويرجوه، إذا رجع إلى الدار الأولى، أن يلقي ابنته كونستانزا ملكة أرجوان ويحدثها عن حكاية مقتل والدها التاعس الذي لا يدري أحد كيف قتل (4) ويُصعدان في الجبل، في طريق كلها نؤى وركام وأحجار، ثم يجلسان عند منعرج يستريحان مما عراهما من نصب. . . حيث يهتفُ بهما بعض أرواح الموتى، ويعرف بينهما دانتي روح صديقه بيلاكوا، الذي يحدثه أنه استحق أن يكون خارج الفردوس دهراً لأنه لن يعجل بالتوبة قبل موته إلا حين أدركه المنون. (5) وينطلقان، فيلقيان أفواجاً ممن لم يعجلوا لتوبتهم فأمهلوا عن دخول الفردوس كما أمهل بيلاكوا. (6) ويلقيان أفواجاً أخرى فتتكبكب حول دانتي، تتألم وتبكي، وترجوه إذا عاد إلى الدار الأولى، أن يبلغ أهليهم تحياتهم، وأن يرجوهم أن يستكثروا لهم من الصلاة والدعاء، عسى أن يخفف عنهم، وأن يعجل بهم إلى الجنة!! ويعجب دانتي، ويسائل فرجيل (وماذا تفيد هؤلاء صلوات أهليهم؟ وهل للإنسان إلا ما سعى؟)، ولكن فرجيل يذكر بياتريس ويذكر أن صلاة دانتي قد نفعتها، وقد عجلت بها إلى الفردوس. ثم يلقيان سوردللو، فيشكو إليه دانتي تدابر الإيطاليين وتقاطعهم وقلة اهتمامهم بجمع كلمة إيطاليا وإنهاض الإمبراطورية الرومانية. (7) ويرخي الليل سدوله فيتقدم سوردللو ليهديهما سواء السبيل فيدلهما إلى منعرج مزهر يريان فيه أرواح بعض الملوك والأمراء كالإمبراطور رودولف، وأوتوكار ملك بوهيميا، وهنري الثالث ملك إنجلترا. . . الخ. . . ويتحدث دانتي إلى بعضهم (8) ويتنزل ملكان عظيمان من السماء، في يد كل منهما سيف من نور فيحرسان الوادي، ولكن سوردللو يستأذنهما فيأذنان له، فيقود الشاعرين إلى شِعب جميل يلقى فيه روح نينو قاضي جاليورا فيكلمه دانتي في بعض ما كان من مشكلات الدنيا، ثم يلقى أحد إخوانه من الموتى فيتنبأ له عما سيلقاه من نفي وتشريد ونزح عن الديار حين يعود إلى الدنيا (9) وينام دانتي، ثم يصحو بعد الشروق بساعتين فيجده قد حمله من يدعى لوسيا إلى باب المطهر حيث يأذن لهم حارسه، وهو من الملائكة، باجتيازه. (10) ولا ندري كيف ينتكس دانتي فيعطينا في المطهر صورة من أبشع صور الجحيم في هذا الفصل العاشر. . . فبعد أن يجتازوا (سوردللو وفرجيل ودانتي) طريقاً حلزونياً حول صخرة كبيرة يشرفون على واد سحيق مكتظ بأهل الكبرياء والخيلاء من موتى الدار الفانية وقد وقفوا فيه وفوق كواهلهم حجارة ضخمة من الرخام ينوؤون تحتها ويتضاغون ويبكون! (11) ويمرون بأقوام من أهل الدنيا الفانية قضى عليهم كِبْرهم أن يؤخروا في منزلق صعب عن الجنة جزاء صلفهم في دار الغرور (12) ثم يتقدم إليهم ملك فينقلهم من دارة المطهر الأولى إلى دارته الثانية. (13) حيث أهل الحسد والحقد والغيرة. . . وقد خيطت أعينهم بسلوك من حديد، ويجد دانتي من بينهم السيدة سابيا السينية التي تتحدث إليه فتخبره عن سبب تخلفها هنا. (14) ثم يلقى واحداً من سكان وادي الأرنو (النهر الذي تقع عليه فلورنسا) فيحدثه عن سبب انحطاط الفلورنسيين وسائر سكان هذا الوادي، ثم انحطاط الناس في رومانا. . . . ويمضي الشاعران بين ضجيج الأرواح الهائمة، تلغط جميعاً بهراء من الحسد والأحقاد القديمة (15) ويحدوهما ملك كريم إلى الدار الثالثة من المطهر حيث تطَّهر الأرواح من سورة الغضب والجموح الدنيوي، وبعد أن يكلم دانتي بعض هذه الأرواح السادرة ينشر ضباب كثيف يغشى الوادي، ويظل فيه الجميع (16) ويتعرفون الطريق على أصوات الأرواح التي تصلي لبارئها، ثم يبرز من الضباب روح جريء (ماركو لومباردو) فيكلم دانتي ويقنعه أن الله القدير قد وضع في كل نفس إرادةً حرة تهدي إلى الرشد أو تنتهي إلى الضلال، وأن فساد الدنيا هو الثمرة المرة لهذا المزيج غير المتكافئ في نفوس الحكام من القوى الروحية والشهوات الحسية (17) وينجاب الضباب أو هم يخلصون منه آخر الأمر، ويتقدم إليهم ملك جميل فيقودهم إلى الدار الرابعة من دارات المطهر؛ حيث يقر أهل الكسل وعدم المبالاة ليخلصوا من أدرانهم (18 - 19) ويتحدث فرجيل حديثاً طويلاً عن الحب، فيقسمه إلى حب طهري وحب شهوي، ويعزو إلى الأول كل ما يصدر من خير وإلى الثاني كل ما يمسخ الحياة من شر؛ ثم يقودهما ملك آخر إلى الدار الخامسة حيث يطهر الطماعون وجماعو المال من خبثهم، ويلقي بين هؤلاء البابا أدريان الخامس فيكلمه (20 - 21) ويلقى دانتي الملك هوج كانت من ملوك فرنسا فيحدثه هذا عن أحفاده وذراريه من ملوك ذاك البلد. ثم تزلزل الجبل ويميد بمن عليه فتهتف الأرواح الهائمة على جنباته: (المجد لك يا رب. . . العظمة لك يا الله!). ثم يتقدم إلى الشاعرين روح قد تم تطهيره واخذ طريقه إلى الفردوس، ويدعى ستاتيوس فيشرح لهما سبب الزلزلة السالفة، ثم يتقدم إلى فرجيل فيعرفه ويكاد يطير من الفرح للقائه (22) ويخب الثلاثة في طريقهم إلى الدارة السادسة حيث يطهر المنهومون وأهل البطنة، وحيث يرون شجرة باسقة ذات طلع نضيد وفاكهة حلوة يفوح ارجها، في أوراقها أرواح تذكر الله وتسبح بحمده وتشكر له ما رزقها من عفة (23 - 24 - 25) وينظر دانتي فيرى روح صديقه فوريز الذي ينتقد بشدة هذا الملبس الجديد الشاذ الذي اتخذه أهل فلورنسا، ثم يرى دانتي جماعة من أصدقائه المتلبثين في المطهر ومنهم خصمه السياسي الكبير كورسو دوناتي، ويصل الثلاثة إلى شجرة أخرى تخرج من بين أوراقها أصوات رائعة تردد أمثلة في النهم، ثم يتقدم إليهم ملك فيهديهم إلى الدارة السابعة والأخيرة من المطهر حيث يطهر أولئك الذي كانوا لا يستطيعون كبح نفوسهم وضبط عواطفهم ساعة الغضب. وهم يطهرون ثمة في نار حامية (26 - 27) وترى الأرواح الهائمة في النار ظل دانتي على اللهب فتدهش لوجود حي من بني الدار الفانية في هذا المكان الأخروي المقدس، ثم يتقدم إليه روح صديقه جيدو جوينيشبلي الشاعر الإيطالي المعروف فيتحدث إليه برهة كما يتحدث إليه روح آخر. ثم يقودهم ملك كريم عَبْر النار إلى المعراج المؤدي إلى السماء. . جنة الأبرار. . ولكن الليل يقبل، فيجلس الثلاثة (فرجيل ودانتي وستاتيوس) عند حنية رخية النسيم، حيث ينام دانتي فيرى رؤيا جميلة. ثم يهب مع الصباح فيودعه فرجيل، ويترك له الحرية الكاملة للتجول في السماء حتى يلقي بياتريس (28) ويذهب دانتي في السماء صعداً حتى يبلغ الغابة الفردوسية الوارقة، ولكن نهراً من أنهارها يحجز بينه وبين فتاة لاهية هيفاء وقفت في روضة ناضرة تقطف الزهر ذا الشذى؛ فيكلمها دانتي، ولكن الفتاة تأخذ معه في شرح جغرافية هذا المكان، وتخبره إن هذا النهر الذي يفصل بينهما هو نهر ليث، وإن يكن اسمه يونو في مكان آخر (29) وتخطر الفتاة، في عكس مجرى النهر، ويمشي دانتي تلقاءها، ويتحدثان حديثاً مشجياً، ثم يسمعان موسيقى بعيدة فينظران، فإذا حفل حاشد في أديم الفردوس يلوح في الأفق. (30) وتمضي لحظة، وإذا ملاك كريم يتيه في شفوف بيض يتنزل من السماء إلى مسرى دانتي، وينظر الشاعر، فيرى حبيبته بياتريس هي هذا الملاك الطاهر فيكاد يجن من الفرح. . . ولكن بياتريس تأخذ معه في عتاب حلو وعذل رفيقه (31) فيعترف الشاعر انه مخطئ في كل ما أخذت عليه حبيبته، ويركع بين يديها معتذراً ثم يسجد سجدة طويلة باكية، وتتقدم إليه ماتيلدا - الفتاة السابقة - فتأخذ بيده، وتخوض به لجج ليث، ثم تقدم إليه أربع عذارى فاتنات، يمثلن الفضائل الكنسية، وهؤلاء يقدنه إلى جريفون، رمز المخلص، السيد المسيح، وإلى ثلاث عذارى أخريات يمثلن الفضائل الإنجيلية، وهؤلاء يقدمنه إلى بياتريس التي تنسي دانتي جمالها الخلقي، وتشغفه بجمالها الروحي (32 - 33) وينطلق الجميع (دانتي وماتيلدا وستاتيوس وبياتريس) ويحذرون دانتي الا يحدق النظر في حبيبته لئلا يعشى بصره من شدة لألائها. ثم يصلون إلى دوحة عظيمة هي شجرة المعرفة التي أكل منها آدم وطرد بسببها من الجنة، فيرى إلى أطيار وأشباح غريبة تهبط من علٍ فتكون فيها، ويتبين منها دانتي بازياً ونسراً وثعلباً وتنيناً. . . . وتتقدم بياتريس إلى الشجرة هي والعذارى السبع فينشدنه أنشودة من أناشيد الجنة، ثم يمضي الجميع وتكلم بياتريس دانتي، فتكشف له عن شؤون غيبية ستحدث له في الدار الفانية حينما يعود إليها. ويكونون عند النبع الأكبر الذي يفترق عنده النهران ليث ويونو؛ وهنا تشير بياتريس إلى ماتيلدا فتتقدم هذه إلى دانتي وتسقيه جرعة من مياه يونو، التي تكون هي وأمواه ليث عظمة الإله وحكمته وجبروته

(للبحث بقية)

(د. خ)