مجلة الرسالة/العدد 158/البريد الأدبي
→ من هنا ومن هناك | مجلة الرسالة - العدد 158 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 13 - 07 - 1936 |
العيد المئوي للصحافة الشعبية
نشأت الصحافة الحديثة منذ نحو قرن ونصف قرن، وكثير من الصحف الأوربية الكبرى قد جاوز العيد المئوي؛ ولكن الصحافة الشعبية أو بعبارة أخرى الصحافة المعاصرة التي نقرؤها اليوم ترجع إلى مائة عام فقط؛ وكانت الصحف قبل مائة عام أداة من أدوات الترف، لا يحرزها سوى الأغنياء، وكانت في الغالب صحفاً أدبية فلسفية، قلما تفسح لما نسميه اليوم بالأخبار المحلية مجالا كبيراً. وقد أدرك سر هذا النقص صحفي فرنسي بارع هو أميل دي جيراردان؛ وكان كاتباً ساحر الأسلوب بدأ حياته الأدبية بإصدار رواية عنوانها (أميل) يقص فيها سيرة حياته؛ ثم خطر له أن يصدر مجلة أسبوعية أدبية، ينقل فيها أحسن المقالات والقصص عن الصحف الأخرى وسماها (السارق) دلالة على خطبتها في النقل؛ بيد أنه تطرف بعد ذلك إلى مشروع أهم، فقد خطر له أن يصدر صحيفة يومية شعبية رخيصة الثمن تحتوي على أهم الأخبار الأخيرة؛ وفي أوائل يوليه سنة 1836، أعني منذ مائة عام، أصدر جيراردان جريدة الصحافة وقدمها للجمهور بنصف الثمن المعتاد وجعل اشتراكها السنوي أربعين فرنكا فقط، فكانت فكرته فتحاً جديداً في عالم الصحافة، ولأول مرة أقبل الجمهور المتوسط على اقتناء الصحف، واستطاع لأول مرة أن يقرأ الأخبار الأخيرة بصورة منتظمة متوالية
وكان هذا بدء الصحافة المعاصرة التي تطورت حتى أصبحت بمحتوياتها الأدبية والخبرية ضرورة من ضرورات الحياة الاجتماعية
طبعة جديدة من الأنيس المطرب
تصدر الآن بالمغرب الأقصى (بمدينة الرباط) طبعة جديدة لتاريخ ابن أبي زرع الفاسي المسمى (الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس)؛ وقد ظهر من هذه الطبعة الجديدة الجزء الأول، وحققه وعلق عليه الأستاذ محمد الهاشمي الفيلالي من أدباء فاس، وأخرجته شركة النشر المغربية التي ألفت أخيراً بالمغرب من بعض الأدباء لتعني بإحياء الآداب المغربية
وتاريخ ابن أبي زرع مشهور بين التواريخ المغربية، وهو يتناول تاريخ المغرب ودوله منذ دولة الأدارسة إلى زمن المؤلف (سنة 726هـ)؛ وقد ظهر لأول مرة في مدينة أوبسالا في السويد محققاً بعناية المستشرق كارل تورنبرج، ومقروناً بترجمة لاتينية (سنة 1843 - 1846)؛ ثم طبع بعد ذلك بفاس أكثر من مرة. ولكن هذه الطبعات جميعها كانت مشحونة بالأخطاء التاريخية واللغوية؛ ولهذا رأى بعض أدباء المغرب أن الوقت قد حان لإظهاره في ثوب جديد
وقد تصفحنا الجزء الذي صدر منه الطبعة الجديدة فألفينا فيه أثر العناية بالتحقيق والتصحيح، وهو يقع في أكثر من مائة وثمانين صفحة من القطع الكبير، ويشمل تاريخ المغرب حتى أوائل القرن الخامس الهجري (سنة 410هـ)
فنرجو لإخواننا الأدباء المغاربة كل توفيق ونجاح في مشروعهم الأدبي؛ ونرجو أن يتلو إخراج الأنيس المطرب إخراج بعض الآثار المغربية الأخرى، ولا سيما المخطوط منها
وفاة الدكتور سنوك هور جرونيه المستشرق الهولندي
توفي في ليدن المستشرق الهولندي الدكتور سنوك هور جرونيه يوم السبت 4 يوليو في الحادية والثمانين من عمره
وقد ولد في 8 فبراير سنة 1857، وبعد ما أتم دراسته العالية في علوم الفقه واللغات الشرقية رحل إلى بلاد العرب، وكانت رحلته إليها متأخرة عن رحلة السر رتشرد برتون المشهورة نحو ثلاثين سنة، فتمم بالمعلومات التي جمعها معلومات السر تشرد برتون ومباحثه
نزل في جدة في خريف سنة 1885، فقضى على سواحل البلاد خمسة أشهر قبل أن يقصد إلى مكة المكرمة في زي طبيب عالم، فقضى في مكة خمسة أشهر درس في خلالها المجتمع العربي هناك بين وصول قوافل الحجاج ورجوعها، ولولا وشاية قنصل فرنسا به لاستطاع أن يطيل إقامته هناك، ولكن قنصل فرنسا أنبأ السلطات التركية بوجود هورجورنيه في مكة فأخرج منها
وفي سنة 1888 - 1889 أصدر كتابه (مكة) في مجلدين وقد جاء وصفه لمدينة الكعبة مؤيداً لدقة وصف بوخاردث؛ أما وصفه للمجتمع العربي في مكة فكان دقيقاً ومسهباً: وصف الأسواق والعبيد والأماكن المقدسة وحراسها والبيوت والأعياد والولائم والفضائل والنقائص، وكان بحثه في حياة المدن ببلاد العرب مدققاً؛ ولكن يقال أنه كان يعوزه شيء من العطف لكي يخرج تاماً، وهذه الصفة صفة العطف مكنت بالجريف ودرطي من الامتياز والتفوق فيما كتباه عن حياة الجزيرة
وبعد ما أتم هورجرونيه كتابه عن بلاد العرب رفض أن يعين أستاذاً للغة العربية في جامعة كمبردج خلفاً للأستاذ روبرتسن سمث، وكذلك رفض ما عرض عليه من هذا القبيل في ألمانيا وليدن، مفضلاً أن يمضي في دراساته الإسلامية في جزائر الهند الشرقية التابعة لهولندا حيث بقي بضع سنوات مستشاراً للحكومة في الشؤون الإسلامية
وعاد إلى هولندا سنة 1906 وقبل أن يشغل منصب أستاذ للغة العربية في جامعة ليدن. وفي سنة 1907 عين مستشاراً في الشؤون الهندية والعربية لحكومة جزائر الهند الشرقية الهولندية
مجلة خاصة لمسائل الأجناس
صدرت أخيراً بمدينة شتوتجارت بألمانيا مجلة خاصة لمسائل الأجناس بعنوان (مجلة لمباحث الأجناس والمعروف أن مسألة الأجناس تتخذ في ألمانيا الحاضرة أهمية خاصة؛ وأنها في مقدمة النظريات الهتلرية التي تسيطر اليوم على ألمانيا، وأن الآرية وغير الآرية أصبحت أساس الدولة النازية الحاضرة، وأساس الاضطهاد المنظم الذي تنظمه ألمانيا ضد اليهود وضد جميع الأجناس السامية؛ ومن ثم فقد أضحت المباحث والنظريات الخاصة بالأجناس في مقدمة المسائل التي يعنى بها الكتاب والعلماء الألمان اليوم؛ وقد صدر من المجلة المشار إليها عددان حافلان بهذه المباحث؛ ويحررها الدكتور فون ايكشتيت، وافتتحها ببحث من قلمه يذهب فيه إلى أن نظريات الأجناس قد تطورت اليوم تطورا عظيما؛ فمنذ عصر (تيريك) حيث كانت الجمحمة البشرية تقاس في مائة موضع لكي تعرف خواصها، نرى علم الأجناس اليوم يميل إلى الحياة، ويميل بالأخص إلى بحث الخواص العامة؛ وعرض إلى مسألة الذكاء، وكونه هبة لبعض الأجناس؛ وكون الموهوبين يهاجرون دائماً من القرية إلى المدينة، فتقفر القرية دائماً من الذكاء الموهوب؛ وهذا عامل يسيء في تكوين المجتمع الحاضر؛ وفي المجلة الحاضرة بحوث أخرى في هذا الباب لأشهر العلماء الألمان الذين يشتغلون بها كتاب جديد لمسيو هانوتو
المسيو هانوتو الوزير الفرنسي السابق مؤرخ كبير، وله عدة مؤلفات تاريخية قيمة، وقد اشترك في وضع بعض أجزاء سلسلة التاريخ المصري التي تصدر بالفرنسية، وإن كان هذا الاشتراك لم تسفر عنه نتائج علمية باهرة. وقد أصدر أخيراً كتاباً عن علائق نابليون وأسرة بوهارنيه الشهيرة التي تنتمي إليها زوجته الأولى جوزفين بوهارنيه عنوانه (آل بوهارنيه والإمبراطور) ' وكان قد نشر قبل ذلك كتاباً عن الملكة هورتنس ابنة جوزفين من زوجها الأول، وفي الكتاب الجديد يقدم إلينا مسيو هانوتو سلسلة من الرسائل التي وجهتها جوزفين إلى ولدها البرنس أوجين؛ وتلقي هذه الرسائل كبير ضوء على الصراع الذي كان ناشباً وراء الستار بين آل بونابارت (أسرة الإمبراطور) وبين آل بوهارنيه (أسرة الإمبراطورة)؛ وقد كانت أسرة الإمبراطورة دائماً على أهبة للتفاهم والوفاق كما يدل على ذلك خطاب من جوزفين لولدها تقول فيه: (إن أولئك الناس لا حق لهم جميعاً في بغضنا، ولو أحسنوا موقفهم لما وجدوا أصدقاء أخلص منا)
وقد كان نابليون يدافع دائماً عن جوزفين حتى بعد طلاقها منه، وكانت جوزفين تخلص له دائماً حتى بعد زواجه؛ ولكنها بعد مصائب سنة 1814، أدركت أن الخاتمة قد وقعت، وكتبت إلى ولدها تقول له إنه غدا حراً لا تربطه نحو الإمبراطورية رابطة ولاء بعد، وأنه يستطيع أن يعمل لأسرته بعد أن اختفى الإمبراطور من الميدان