مجلة الرسالة/العدد 157/من هنا ومن هناك
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 157 من هنا ومن هناك [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 06 - 07 - 1936 |
دانتي والكوميدية الإلهية
حينما بعثت رسالة الغفران لشاعرنا العظيم أبي العلاء كثر الجدل بين الأدباء حول الأصل الذي استقى منه دانتي ألليجيري صوره الرائعة التي حشدها في كوميديته، وكاد الجميع يجزمون أن ذلك الأصل هو رسالة الغفران، وأيدهم في ذلك مستشرقون كثيرون حتى كادت المسألة تعتبر مفروغاً منها وأن دانتي إن هو إلا عالة على أبي العلاء. . . ثم قام أديب مسيحي فاضل فنقل الموضوع إلى ميدان آخر إذ حاول أن يثبت أن دانتي لم يقلد أبا العلاء وإنما هو قلد (رؤيا يوحنا اللاهوتي) الواردة بالإنجيل.
وقد يكون هؤلاء وهؤلاء على شيء من الحق فيما ذهبوا إليه من رأي، وان كنا نحن لا نميل كثيراً إلى رأي أصحاب أبي العلاء - لأننا برغم براهينهم الكثيرة التي أدلوا بها - نشك في سرعة تنقل الثقافة العربية من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى وسطه وغربه بهذا القدر الذي يبالغون في وصفه لا سيما في أسود فترات العصور الوسطى: ثم نحن لا نرى كبير شبه بين آل في كوميدية دانتي وبين جحيم أبي العلاء، ويكاد هذا الشبه ينعدم فيما يتعلق دانتي والبعث في أبي العلاء. . . أما دانتي فهي شيء وفردوس أبي العلاء شيء آخر. . . ونحن نعترف أن ثقافة العرب كانت تجرف أوروبا خصوصاً من جهة الأندلس ثم من جهة صقلية، ولكن الذي نشك فيه هو انتقال أدب أبي العلاء إلى إيطاليا لدرجة أن يؤثر في أدبائها إلى هذا الحد وفي زمنه كانت طرق المواصلات محفوفة فيه بأكبر المخاطر، ذلك إلى غلاء وسائل الثقافة حينئذ وأهمها الكتب التي كانت تكتب كلها باليد، ونحن نرجح أن دانتي تأثر إلى حد بعيد بالمصادر الدينية (وأهمها الإنجيل والقرآن) والمصادر اليونانية وأهمها (الإلياذة والأوديسة) ثم بملحمة مواطنه العظيم (فرجيل) الأنييد
فمن رؤيا يوحنا اللاهوتي ومن الأوصاف البارعة للجحيم وطبقاتها وصنوف المجرمين الواردين عليها المذكورة في كثير من سور القرآن قد اقتبس دانتي خياله الذي نسق به جحيمه ولا ننس أن احتكاك أوروبا بالمسلمين في الحروب الصليبية كان يغشى الثقافة الإسلامية في هذه الفترة أوانئذ، وخير ألوان هذه الثقافة ما في كتاب الله، أما تأثره بالإلياذة والأوديسة والأنيد فهو أقوى وأظهر، وقد درسنا هذه الملاحم جميعاً وأنعمنا النظر في ألـ فكان يدهشنا أن يترسم دانتي خطى الشاعرين الخالدين هوميروس وفرجيل ويأخذ عنهما كل ما ورد في الأساطير القديمة من أوصاف (هيز) وما يحيط بها من أنهار تفوح بالحمم وما تعج به من سعالي وثعابين وسنتورات وتنانين. . . وكان دانتي يمزج في كوميديته ألواناً من الفكر اليوناني لا تخفى على الملم بأدب الإغريق. أما في المطهر والفردوس فما نحسب أن دانتي كان مقتدياً بلون ما من أدب السلف، ولعل ذلك هو السبب في فتور هذين الجزءين من الكوميدية
هذه كلمة خاطفة نؤثر عليها فصلاً طويلاً نقارن فيه بين هؤلاء الشعراء الخالدين
روجر بيكون (1210 - 1293)
من أحسن الكتب التي ألفت عن العصور الوسطى كتاب الأستاذ العلامة هنري أُسبرن تايلور بل لعل هذا الكتاب هو أحسنها جميعاً. وقد لا نجد مؤلفاً محققاً مثل تايلور انصف الرجل المفكر المسكين روجر بيكون الذي يعتبر أول رائد من رواد الحضارة الحديثة التي ننعم بها، والتي تتضاءل بجانبها أزهى الحضارات القديمة. وأغرب ما يروق القارئ من روجر بيكون أنه لم يكن يعيش في العصر الذي وجد فيه، بل هو كان لذلك العصر بجسمه وآلامه فقط، أما بروحه وعقله فقد كان يعيش معنا ويفكر تفكيرنا، ويشغله من مستقبل الإنسانية ما يشغلنا. ولقد كان بيكون عدواً لدوداً لمعسكرين يعتبر كل منهما نقيض الآخر. . كان عدواً للكنيسة التي تفرض سلطانها وتزمتها على العقول فرضاً، وكان يوصي الناس ويحضهم على عدم الخضوع لغيرها والتحلل من ربقتها في تفكيرهم، ومن هنا ما لقيه بيكون من السجن والنفي والتشريد وألوان العذاب التي تتحيفه من حين إلى آخر. . ثم هو كان عدواً لآرسطو وفلسفته: (التي كانت كتبها في نظره جديرة بالتحريق لأنها مضيعة للزمن، وتحصيل للخطأ، وتكثيف للجهل!) وربما كان روجر معذوراً في هذه النظرة السوداء إلى آرسطو الذي كانت كل تراجمه خطأ في خطأ في تلك العصور؛ ولكن روجر بيكون كان يرى في فلسفة آرسطو شقشقة طويلة لا تؤدي الثمرة المشتهاة التي كان ينشدها هو في العلوم عن طريق التجربة، ومن هنا أيضاً حبه العظيم وإعجابه الذي لا يحد بالعرب وبالثقافة العربية في الطب والكيمياء، وعلم الأقرباذين وعلم المعادن؛ وربما كانت عداوته لأرسطو نتيجة انكبابه على دراسة العلوم العربية التي كان المعمل وحده ميدانها والمضحك أن الكنيسة، ومن ورائها الشعب الساذج الذي لا عقل له، كانت تعتبر بيكون دجالاً مشعوذاً يجيد صنوفاً كثيرة من السحر. وكان الجميع يعدونه مجنوناً حين كان يتنبأ عن إمكان صنع سفينة تسير بالبخار (بدون شراع أو مجاديف) أو قاطرة أو سيارة (لا يجرها حصان أو زوج من الثيران) أو طائرة (ترتفع في الجو بجناحين من المعدن يضربان الهواء كما يصنع الطائر). . .
توماس مور وكتب الطوبى
ليس شك في أن سير توماس مور هو خالق إنجلترا الحديثة، لأنه بطل نهضتها في العصور الوسطى، وقد ولد قبل شاكسبير بمائة سنة تقريباً، وكان صديق إرزم الأديب الهولندي الكبير، وبطل النهضة في الأراضي المنخفضة. ويقولون إن توماس مور هو أول إنجليزي تعلم اللغة الإغريقية وقرأ فيها آدابها، ومن هنا تأثره العظيم بأفلاطون وتأليفه كتابه القيم الجميل (طوبى على نسق (جمهورية أفلاطون) وقد كتب مور طوباه باللاتينية لغة العلوم والمعارف في العصور الوسطى وطبعت للمرة الأولى في لوفين (1516) ثم طبعت في باريس (1517) وفي بازل (1518) ولم تترجم إلى الإنجليزية إلا سنة 1551 بواسطة الأديب الكبير رالف روبنسون
ومما لا ريب فيه أن اكتشاف أمريكا كان أهم الأسباب التي أوحت إلى مور تأليف طوباه، فقد أذكره هذا الحادث حلم أفلاطون بالمدينة الفاضلة، وتصور أن الأوان قد آن لتحقيق هذا الحلم، وخال شعباً من خيرة أهل الدنيا القديمة يبحر إلى أمريكا فيعيش في رغد وبلهنية، لا يعرف أدواء الإنسانية التي فتكت بها في هذا العالم القديم. وقد دعا مور في طوباه إلى احتقار القوة وأعمال العنف، وبشر بمحبة ومؤاخاة يسودان العالم، وعاطفة خير توجه مصائر الناس. وعندنا أن مور بكتابه الجميل قد سبق مواطنه هـ. ج. ولز - الذي ألف هو الآخر طوبى جديدة - إلى الدعوة إلى العالمية والإيمان بالبشرية والتهوين من قيمة الوطنية، وأن يجعل الناس هذا الكوكب الأرضي الجميل وطنهم الأكبر فلا يلطخوه بالدماء
وقد كان فرنسيس بيكون معجباً إلى أبعد حدود الإعجاب بتوماس مور، وقد نسج على منواله فألف كتابه (أتلانتيس الجديدة) على منهاج طوباه، وكتب مثله في اللغة اللاتينية
ولقد وقف مور في محنة الكنيسة الإنجليزية في عهد هنري الثامن موقفاً حازماً كلفه حياته؛ فخسرت إنجلترا فيه أديباً كان يساوي عشرة ملوك من ملوك هذا الزمن
بعض الكتب
سألنا قارئ فاضل عن أسماء بعض الكتب التي ورد ذكرها في هذا الباب بالإنجليزية لولز وبرتن راسكو وقد أجبناه بالبريد، وسنجتهد في إثبات الأسماء الإفرنجية كلما أمكن ذلك لتتم الفائدة
د. خ