مجلة الرسالة/العدد 154/يا ليل!
→ دراسات أدبية | مجلة الرسالة - العدد 154 يا ليل! [[مؤلف:|]] |
يا فلسطين. . .! ← |
بتاريخ: 15 - 06 - 1936 |
للأستاذ فخري أبو السعود
يا ليلُ هل لك دوني صاحبٌ ثقةٌ ... مُغلٍ لقدرك صافي الود في الناس؟
أغليت سَاعَكَ حتى بِتُ راعيها ... رَعي الشحيحَ كريم الدرَ والماس
أغليت ساعك غيري من يبذرُها ... مثرثراً بين أصحابٍ وجُلاس
وصُنتُ آنكِ لا أُمسي أُضيِّعها ... وقد صفت - بين سِفرٍ لي وقرطاس
لكنَّ في ملكوتِ الحسن منتجعي ... إذا دَجَوتَ وإسرائي وتعساسي
في ملك حسنك ممتداً ومنبسطاً ... أَحَبُّ مسرى لمرتادٍ وجَواسِ
تدعو فآتي أُغِذُّ السيرَ تلبيةً ... ما بين دَوح رطيب الغصن مياس
راوي الأزاهر والأوراق ما برحت ... عليه آثارُ هامي المزنِ رجاسِ
تتلو صفوفٌ صفوفاً منه ماثلة ... كأنها في الدجى أشباح أحراس
أو فوق شط أتيِّ الموج مرسلة ... أمواجُه حُلو أصداءٍ وأنفاس
سالت عذوبتُهُ سيلاً وَرِقَتُّه ... من مائه الملح أو من صخره الجاسي
يهتزُّ فيه شعاعُ النجم مؤتلقاً ... وآنة ضوءُ بدرٍ سابغٌ كاس
كم طالعتني المعاني فيك سافرة ... وأسلست لي القوافي أيَّ إسلاس
فرداً وحيداً أوافي ملك حسنك قد ... زهدتُ عندك في صحب وأحلاس
في وحدتي وسكون الكون لي رطبٌ ... ووحشتي في الدجى يا ليلُ إيناسي
لا بل خدينيَ آمالي وعاطفتي ... أيانَ سرتُ وأفكاري وإحساسي
وما جلوتَ لعيني من حُلاك ومن ... أُفُقٍ ونجمٍ وأزهارٍ وأغراس
حديث هاتيك أشهى لي وأعذبُ لي ... يا ليلُ من قول جهالٍ وأكياس
للنفسِ ثُمَّ حديثٌ كم تبُثُّ به ... من ذكريات وتأميل وإيجاس
نجواك يا ليل كم تُذْكى بها همماً ... وكم تجدِّدُ من عزم ومن باسِ
تُحيي بها أنت آمالاً وترفعها ... عما بِذا العيشِ من قبح وأرجاس
حتى أؤوبَ - ذا آن الإيابُ - كمن ... قد آب من موكِبٍ أو غُرِّ أعراس
مُمَتَّعَ اللبّ والعينين رَاويهَا ... مُنَزَّهَ النفس عن هم وعن ياس ما دام لي مُلكُ هذا الحسن مطرداً ... فما فؤادي على ما فات بالآسي
ولستُ أغبط من يا ليل قد جهلوا ... لديك فتنةَ أمساءٍ وأغلاس
فخري أبو السعود