الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 148/نحن والزمن

مجلة الرسالة/العدد 148/نحن والزمن

بتاريخ: 04 - 05 - 1936


للأستاذ عبد الرحمن شكري

مقدمة:

الزمن كما يفهم الإنسان فكرة من أفكاره، ونسبة ومقياس من صنعه، فهو يقيسه بإحساسه بأمور نفسه بالمرئيات والمحسوسات وما يعتريها من تحول؛ وفكرة الزمن هذه أمر نسبي شأنها شأن الإحساس بالحرارة والبرودة، أو بالأبعاد والحجوم والألوان والأشكال، ومن المستطاع أن يتصور العقل مخلوقاً آخر غير الإنسان يختلف في حواسه، فتختلف كل هذه الأمور في نظره عنها في نظر الإنسان، وهي أيضاً قد تختلف في نظر الإنسان في حالاته المختلفة من شقاء أو سعادة أو مرض أو صحة. والعجيب أن الإنسان في خياله ينسب إلى الدهر مثل هرمه لقدمه، فيصوره كأنه شيخ مفن في يده منجل يحصد به الناس والخليقة جيلا بعد جيل، والدهر خليق أن يمثل بفتى في ريعان الشباب. فالإنسان يهرم والدول تشيخ وتفنى، والأجيال تنقرض، والدهر هو الدهر، ومن أجل ذلك تصور بعض المفكرين الدهر كأنه زمن حاضر لا ماضي فيه ولا مستقبل، وأما الماضي والمستقبل ففي الناس، والحقيقة أن هذه الفكرة في كنه الزمن لا تختلف عن الأولى مادام الزمن نسبة يقيسها الإنسان بإحساسه، وإذا كان الزمن كذلك فمعاداة الناس للزمن معاداة لأنفسهم، ونسبتهم الحيف والظلم إليه هي نسبة الظلم إلى أنفسهم

(الناظم)

القصيدة: -

يُنْشِدُ البَحْرُ خَرِيرَ الحِقَب ... أم خفوقُ القلب نبضُ الزمنِ

أم ترى الأفلاك في دوراتهاَ ... رَتَّلَتْ منه خَفِيَّ اللَّحَنِ

فَرَش الناسُ له منهم وُجُوهاً ... خَدَّدَ الدهر بها ما خَدَّدَا

أثَرٌ في سيره مِنْ قَدَم ... جَعَّدَتْ ما كان بَضَّا أمردا

زعم الناس إذا أمضاهمُ ال ... دهر أَنْ امضوا من الدهر سنينْ

يستطيع البذل من يقوى على ... خَزْنِهِ هيهات ذا من هالِكي كم ملوك ودهم لو تُشْتَرَي ... منه عند الموت بالذخر التليدْ

سَنَةٌ أو ساعة أو طرفة ... فإذا الدهر قضاء لا يحيدْ

إيه يا دهر لقد شاطرك ال ... حُكْمَ في الناس قضاء لا يحول

أَرْدَهِ يا دهر واعقد غيره ... إنما القِرْنُ على القِرْنِ يصول

كم شقيٍّ أبطأ الموت له ... ودهُ أن لو يكون الأسرعا

سَلَّمَ الدهر عليه مثقلاً ... ثم ما أبطأ حتى هرعا

وسعيد يجتني من عيشه ... زَهَرًا يرجو لو الدهر تَأَنَّى

فسواءٌ مُتْعَسٌ أو مُسْعَدٌ ... أين مَنْ يحمد خَطْوَ الدهر أَيْنا

نحن نبغي من زمان فسحة ... هل ربحنا من زمان قد قضى

لو يعود الدهر مردود الخُطَى ... لفعلنا فعلنا فيما مَضَى

وصفوا الدهر بشيخ حاصد ... أشيب في يده كالمنجل

وهموا في شيب دهر يافع ... ذي فَتَاءِ خالدٍ لم يَنْصُل

يسرق الدهر بهاءً رائعاً ... ويعير النُّؤْىَ حُسْناً أروعا

فهو كالرسام يمحو صورة ... ثم يستنبط رسماً أبدعا

وتَرَى الدَّهْرَ مُغِراً آسيا ... يده تأسو وأخرى تجرح

والذي في القوم بالرزء يصول ... يمنح السلوان فيما يمنح

ولعل المُضْمَرَ المخبوء من ... مصرع الدهر يُرَى بالأعين

مصرع الدهر ممات للدُّنى ... كيف يبغيه الورى بالإحَنِ

موته موت لمن قد قاسه ... باتصال الفكر أو خفق القلوب

عجباً نحن خلقناه فما ... نسبة الظلم إليه والعيوب

عبد الرحمن شكري

(الرسالة) ربما كان للعروضيين في بعض أبيات القصيدة رأي

لا يتفق مع حرية الناظم