الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 148/اعتذار!

مجلة الرسالة/العدد 148/اعتذار!

بتاريخ: 04 - 05 - 1936


للأديب حسين شوقي

عزيزتي:

أبادر بتقديم اعتذاري الحار من مشهد الغيرة السخيف الذي مثّلته أمامك أمس!. . ومازلت أشعر بخجل شديد كلما فكرت فيه. . في الواقع لم يكن الذنب ذنبي، بل هو ذنب قلبي الضعيف؛ ولقد عاقبته على فعلته إذ عنفته تعنيفاً شديداً، ولكن هذا القلب قد يستحق أيضاً عطفك وحنانك، إذ هو آلة ليس غير في يد تلك القوة الجبارة القاهرة، قوة الحب! مسكين قلبي! إنه مطارد دائماً بنار حامية تدفعه إلى خلق مثل هذه الريب والظنون، ولكنها في الوقت نفسه نار طاهرة مثل نار المجوس، لأنها نار الحب المقدس! كم كنت غبياً في غيرتي تلك! فما الضرر في أنك تحدثت إلى س.! ألا تتحدثين إلى مئات من أمثاله كل يوم أثناء عملك؟ كذلك كان يجب عليّ أن أراجع نفسي فأقول إنه لا يهمك لأنك تبغضين مثل هذا النوع من الرجال المغرورين بجمالهم. فكم كانت ثقيلة متكلفة تلك الابتسامة التي علت شفتيه أثناء تحدثه إليك!

عزيزتي إذا كان قد أزعجك قليلاً ما بدر مني بالأمس، فإن ما حدث لي أنا فيه العقاب الكافي على فعلتي، إذ رأيت الهول ليلة أمس في حلم فظيع. .

شاهدتك في غابة عظيمة، لعلها من غابات الهند، لضخامة أشجارها وكثافة أدغالها. كنت تتنزهين فيها مع شاب لم أتبيّن شخصيته، لأنه لم يلتفت وراءه قط أثناء السير؛ أما أنت! فقد عرفتك من فوري يا عزيزتي، من شعرك الذهبي الرائع، من مشيتك الأنيقة التي تفردت بها دون نساء العالم أجمع!. . ولكن الغابة كانت أثناء هذا تحترق، والدخان الكثيف يتصاعد من كل مكان. . بادرتُ إلى مناداتك لتخرجي من الغابة، ولكنك التفت إلي دون أن تجيبني، كأنك لا تأبهين بالخطر المحدق، بل تؤثرين التنزّه مع ذلك الشاب وتفضلينه على كل شيء!. .

أردتُ أن أعدو نحوك لإنقاذك بالقوة، ولكن ساقيّ الملعونتين أبتا عليّ ذلك كأنهما تحجّرتا. . .

أما النار فقد أخذت تزداد عنفاً حتى اضطرت الوحوش إلى الهرب من الغابة، والمدهش في هذا الحريق أن ألسنة النار المنبعثة من الأدغال اتخذت أشكالاً مروعة، بعضها كان على صورة الثعبان والبعض اتخذ شكل التنين. . على رغم هذا كله، كنت تتابعين نزهتك في اطمئنان مع ذلك الشاب الذي تأبط ذراعك اليسرى في حرارة واشتياق. . . أخذت أناديك مراراً ولكن بلا جدوى! إذ كنتِ تلتفتين إليّ ثم تستأنفين حديثك الشائق مع صديقك! ولكن هذا الحال المؤلمة لم تدم طويلاً ولله الحمد! إذ سقطت إحدى لوحات سريري الخشبية من تحتي فأيقظتني من النوم، وخلصتني من هذا الكابوس!

هنا. . أشعلت سيجارة وخرجت إلى النافذة لأستنشق الهواء لأني كنت متعباً من هذا الحلم كأن ما حدث لي وقع فعلاً. . . وكنت في الوقت نفسه شديد الرغبة في استئناف النوم للعودة إلى هذا الحلم برغم بشاعته لمعرفة شخصية ذلك الشاب السخيف المستهتر الذي كان يدعوك إلى النزهة في وسط النار!

عزيزتي! هذا هو حلمي المروع، ألا ترين أنني عوقبت به عقاباً كافياً؟ ألا تصفحين الآن؟

الرد

عزيزي:

وصلتني رسالتك، ولقد توّلتني الدهشة لكل هذه الضجة التي أثرتها لتتبين شخصية رفيقي في نزهة الغابة. لقد كان في إمكانك الاتصال بي وقتها بالتليفون لأخبرك باسمه، فأوفر عليك مجهودك. . أتريد أن تعرف من هو؟ أعلم أن هذا الشاب هو (س) بعينه الذي تمت خطوبتي إليه ليلة أمس على أثر المشادة التي وقعت بيننا، لأني آسفة أيها العزيز على أني لا أستطيع التزوج من مجنون مثلك!

(كرمة ابن هانئ)

حسين شوقي